رضع في النظارة ونساء رهن التوقيف الاحتياطي

17-03-2008

رضع في النظارة ونساء رهن التوقيف الاحتياطي

اذا كان التوقيف الاحتياطي تدبيراً احترازياً نصت عليه التشريعات الجزائية في مختلف الدول فإن تلك التشريعات حددته بمدة محددة لوضع حد لاستخدامه بما لا يتوافق مع طبيعته المؤقتة على أن تتوافر قرائن واضحة على ثبوت ارتكاب الفاعل للفعل الجرمي وبالحدود التي رسمها القانون.

ولقد أخذ التوقيف الاحتياطي في الآونة الأخيرة منحى آخر بحيث أصبح كل من يتقدم بالشكوك يعرض المشتكى منه للتوقيف الاحتياطي حتى غاب الدليل في معظم الأحيان ما دفع بعض ضعاف النفوس إلى أن يستخدموا هذا التوجه كوسيلة لتقديم ادعاءات كيدية بهدف الضغط أو الاساءة والانتقام فقط ومعظم هذا النوع من الشكاوى تقوم على ادعاء كاذب بالسرقة أو ادعاء بالتهديد بالقتل مثلاً أو خلاف مدني أو ديني يتم تحويله إلى خلاف جزائي أو خلاف زوجي يعاقب بجرم أخلاقي الخ ونتيجة للعدد الهائل من تلك الشكاوى فإن النيابة العامة تعتمد على ضبوط الشرطة التي تفتقر في أحيان كثيرة للدقة والموضوعية والمصداقية المعتمدة في أغلب الأحيان على أقوال الشاكي ليتم توقيف المشكو منه بناء على أقوال الشاكي دون التقصي مدى صحة هذه الأقوال ( مثل الشهود والأدلة الأخرى) ما ينجم عنه بقاء المشكو منه رهن التوقيف الطويل الذي في العديد من الحالات يتجاوز مدة موقوفيته هذا اذا لم يكن التوقيف قائما أصلا على الشكوى الكيدية كما أسلفنا.‏

لم أصدق وجود الأطفال الرضّع في النظارة وسجن النساء حتى رأيت ذلك بأم عيني ,الأمهات رهن التوقيف الاحتياطي في جنح وجرائم مختلفة بدءاً من حوادث السير وانتهاء بالقتل والأحداث من أبناء الموقوفات وغيرهن بدا مصيرهم مجهولاً كغراس ضعيفة في مهب الريح.‏

إنها صور من مآسي حجز حرية المرأة على ذمة التحقيق, لا أنسى ضحاياها ما حييت فوئام مثلا - مهندسة- تم توقيفها في حادث سير وكان على يدها طفل رضيع لم يشفع لها من النزول إلى النظارة فهي حكماً- رهن التوقيف الاحتياطي - كتدبير احترازي ريثما ينتهي التحقيق ويتم توكيل المحامي واسقاط الحق والبت بأمر إخلاء السبيل الذي ذكر محاميها أنه يقدمه لها للمرة الرابعة على التوالي.‏

وأما رحاب فقد التقيتها في سجن النساء بدوما: وبرفقتها ثلاثة أطفال في أعمار مختلفة سنتان - أربع - وست سنوات..‏

وحكاية رحاب أنها قد تزوجت بعقد عرفي وزوجها قد تنكر لنسب أطفاله لابل زاد عن ذلك أن انتقم منها لأنها أقامت بحقه دعوى تثبيت زواج وإلحاق نسب بأن أودعها في السجن بمكيدة أنها تمارس الدعارة السرية في بيت مشبوه أخذها بالحيلة اليه تحت حجة أنه يود استئجاره لها وعندما حدثت رحاب بشأن الأطفال وضرورة وجودهم في قرى الأسد ريثما يبت بأمر توقيفها قالت لي وقد توجست من الأمر خيفة لا لن أسمح لأحد أن يأخذ واحداً من أطفالي.‏

ثم صرحت لي بأنها لا تود الخروج من السجن وتود لو تبقى فيه مع أطفالها الثلاثة طيلة العمر فهنا على الأقل يوفرون لنا المأوى والطعام.‏

وأما حال (أ-ن) ابنة ال 21 ربيعاً التي تزوجت رجلاً لم تختره ولم تشعر معه يوماً بالسعادة والأمان فلا تقل مأساوية عن حال وئام ورحاب, لقد عانت ما عانته منه من الضرب والاهانة لها والسكر والسهرات لوقت متأخر يقضيها مع أصحابه في منزل الزوجية الذي يتألف من غرفتين فقط واحدة للنوم والثانية لكل شيء ما دعاها لطلب الطلاق منه مراراً وبحيلة ليست كالحيل دعا هذا الزوج في احدى الليالي صديقاً له لاحياء ليلة من ليالي السمر المعتادة تاركاً زوجته غارقة في نومها في غرفتها وصديقه في الغرفة المقابلة ولكن استأذن منه لشراء علبة السجائر ولكن فوجئ صديقه به بعودته بعد ساعة ومعه أخوه الساكن في الطابق الثاني واثنان من الجوار زاعماً بأن زوجته استغلت غيابه عن المنزل واحضرت رجلا غريباً فنظم ضبطاً بالواقعة وبشهادة الشهود وسيقت الفتاة والصديق إلى السجن بجرم الزنى استناداً للمادة 473 التي تعاقب المرأة الزانية بالحبس من 3 أشهر إلى السنتين ويقضى بنفس العقوبة على شريك الزانية اذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.‏

والمادة 475 ق.ع التي تعطي الحق للزوج بتقديم شكوى ضد زوجته ولا يجوز ملاحقة فعل الزنى إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعى الشخصي.‏

في حين أن السيدة (ع,ز) في الثلاثين من عمرها تبقى حالتها أخف وطأة من (أ,ن ) متزوجة من رجل له خمسة أولاد, اتهمت كخالة بأنها تهمل رعاية أبناء زوجها ولا تقوم بالعناية بهم العناية الكافية إلى أن انتهى الأمر بالاهمال والسقوط لأحد الأولاد عن سلم المنزل فوضع القدر حداً لحياته التي لم يعرف فيها طعم الطفولة ولم يشعر بحنان الأم أو الأب.‏

وسيقت السيدة (ع,ز) إلى السجن بتهمة القتل القصد وبعد التحريات وسماع أقوال الشهود والأطفال الآخرين أخوات المغدور وتقرير الطبيب الشرعي الذي أكد أن المغدور كان يعاني من مرض أدى إلى وفاته وفقدان توازنه وعدم تماسكه فهوى من أعلى السلم ما أدى إلى وفاته.‏

وبعد نحو ثلاثة أشهر أخلي سبيل السيدة (ع,ز) لعدم قيام الدليل على القتل القصد اذ إن اهمالها لرعاية الاطفال وإن كان مؤكداً ولكن من المؤكد أيضا أنها لا يمكن أن تكون قاتلة.‏

ولكن بعد ماذا, بعد أن خسرت ابنتها الطفلة التي شردت طيلة فترة سجنها وخسرت زوجها الذي طلقها أثناء فترة السجن وخسرت سمعتها ولكن أين التعويض ومن يتحمل المسؤولية ويعيد لتلك السيدة ما فقدته من سمعتها وتشرد ابنتها وطلاقها من زوجها.‏

حال تلك السيدة حال الكثيرات من السيدات اللواتي يوقفن في السجن جراء حوادث سيارات أو تهمة بحوادث أخرى قد تكون غير صحيحة وريثما يتم توكيل محامين للدفاع عنهن يكن قد قضين أكثر من 14 يوم توقيف.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه اين يوضعن في تلك الفترة ومع من وما مصير اطفالهن للمتزوجات واللواتي لديهن اطفال رضع.‏

من يحمي المرأة في هذه الحالات والمفترض أنها بريئة وخاصة حوادث السيارات.‏

لماذا لا توقف بمكان اقامتها وتوضع بمكان احترازي حرصاً عليها وعلى أطفالها وبالتالي حرصاً على سمعتها التي سيلحق بها جراء ذلك الأذى الكبير.‏

أين واجب المجتمع الآن تجاه ابناء السجينات أو المتهمات بجناية أو بجنحة فالأمومة وظيفة مجتمعية تخص المجتمع بأكمله والنهوض بواقع الطفل والحفاظ على حياته هو حفاظ على المجتمع لأن الطفل هو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع بصلاحه صلاح المجتمع وفساده فساد المجتمع وصلاحه لا يكون إلا بصلاح والدته وقربه منها لا أن يقضي معها فترة توقيفها أو يقضيها مشرداً.‏

هذا ما تحدثت به المحامية ميساء حليوة واقترحت العديد من الحلول علها تجد اهتماماً ورأفة بحال السيدات البريئات وأطفالهن وهي :‏

1- منع توقيف النساء أكثر من 48 ساعة على ذمة التحقيق قبل صدور الحكم النهائي بشأن التهم الموجهة لهن طالما أن المرأة لها موطن اقامة معروف والتوقيف هو تدبير احترازي وليس عقوبة والدستور اعتبر المتهم بريئاً حتى يدان بحكم قضائي مبرم وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم.‏

2- افتتاح مراكز للنساء الصادر بحقهن أحكام جزائية بالسجن يمكن أن يقضين فترة محكوميتهن مع أطفالهن بها ويتوفر فيها الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية ( مدارس, طعام, اطباء) عندما لا يوجد مكان أخر يلجأ له طفل المحكوم عليها بالسجن.‏

3- افتتاح اماكن خاصة داخل السجون لتأمين الخلوة الشرعية بين السجينة وزوجها والسجين وزوجته اسوة ببعض الدول العربية (ليبيا) والتي يستطيع فيها السجين زيارة زوجه وقضاء فترة الاعياد مع الأولاد ثم يعود للسجن ثانية وبهذا تفادياً لمشاكل أكبر و أخطر وحماية لأسرة السجين والسجينة من التفكك والضياع.‏

4- التعاون مع نقابات المحامين والجمعيات الأهلية لتأمين محامين ومحاميات متطوعات في الدفاع عن النساء المتهمات بقضايا جنائية وجنحوية وخاصة الفقيرات منهن وتقديم الدعم والمشورة القانونية ومتابعة دعاويهن مجاناً.‏

5- تعاون وزارة العدل وخاصة قضاة النيابة والتحقيق لتسهيل وتسريع الاجراءات القانونية أمام النساء المتهمات.‏

6- تطبيق الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سورية فيما يتعلق باتفاقيات المرأة والطفل وادراجها في القوانين المحلية واعتبارها نافذة من تاريخ التوقيع عليها وامكانية الاحتجاج بها أمام المحاكم المحلية على اعتبار أن التناقض ما بين قانون محلي واتفاقية دولية يتعارض أو يتناقض معها فالغلبة للاتفاقيات الدولية.‏

7- الغاء جميع المواد التمييزية ضد المرأة وتفعيل مواد الدستور التي تؤكد على المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.‏

8- ايجاد مأوى للنساء المعنفات مع اطفالهن وإعادة تأهيلهن من جديد.‏

9- ايجاد دراسات دورية واحصائيات سنوية لرصد حالات العنف ضد المرأة والاطفال بالتعاون مع وزارة الداخلية والاطباء والمشافي والمحامين والقضاة ووضع عقوبة على كل من لم يبلغ عن حالة العنف التي يطلع عليها.‏

أما المحامي محمد علي صايغ فقد قدر نسبة الموقوفين في كافة السجون ب80 إلى 85% من مجمل النزلاء في حين أن المحكومين لم تتجاوز نسبتهم 15 إلى 20 % ويتحدث صايغ عن الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع نسبة الموقوفين بمنعكساتها المأساوية على الموقوف وأسرته أو بما تشكله من عبء مادي على ميزانية الدولة ويقترح للحد من هذه المشكلة:‏

أولاً: تفعيل نص الفقرة الثانية من المادة 117 أصول جزائية والتي تنص على وجوب إخلاء السبيل بعد خمسة أيام من التوقيف في الجنح التي لا يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة فيها مدة سنة.‏

ثانياً: التنسيق بين السيد المحامي العام وقيادة الشرطة كبداية أولى من أجل توجيه الأقسام بضرورة توخي الدقة وتقصي الحقائق والتوسع في التحقيق عند كتابة الضبوط وذلك لما لضبط الشرطة من تأثير في اثبات وجود الجرم وتقرير التوقيف من عدمه.‏

ثالثاً: لقد أصبح ملحاً الاسراع بندب قاض لكل قسم من أقسام الشرطة للبت في موضوع الضبوط بهدف الافراج عن أو ترك من يحتجز بشكل غير قانوني أو بسبب كيدي ما يخفف العبء على القضاء والمواطنين.‏

رابعا: عدم اللجوء إلى التوقيف في حالات السير - السكر العلني - التشرد الخ إلا في حال التكرار واستبدالها بعقوبات كالغرامة.‏

ذلك لأن التوقيف الاحتياطي في هذه الحالة وغيرها وكما أثبتت التجربة العملية لا يؤدي إلى الردع المطلوب في حين أن الحكم بالغرامة المناسبة وتنفيذها بشكل فوري يؤدي إلى تخفيض العبء المالي والاداري على الدولة ويحقق ايراداً لها.‏

عدا ما يمكن أن يحكم به لجبر الضرر اللاحق بالمواطنين كما ويقلل من حالات التوقيف وآثارها.‏

خامساً: مازال بعض الاطفال يتعرضون للتوقيف الاحتياطي داخل السجون في غياب معاهد الرعاية والتأهيل أو لعدم قدرة هذه المراكز على استيعاب العدد الكبير منهم نتيجة استمرار التوقيف لهم بسبب ضغط العمل في القضاء وخاصة في دوائر التحقيق.‏

ولحل هذه الاشكالية نرى أن إحالة الحدث مباشرة بإصدار المرسوم اللازم إلى محكمة الأحداث يقلل من اجراءات الدعوى والتقاضي.‏

إضافة إلى أنه مازال بعض الاطفال يتعرضون أحيانا بسبب غياب شرطة خاصة بالأحداث لإساءة المعاملة أو يعاملون معاملة الكبار ويتواجدون مع الكبار في بعض مراكز الاحتجاز أو في ملاحق خاصة بهم في هذه السجون خاضعة لأنظمة الكبار, وفي دراسة ميدانية أجريت للأحداث تبين أن نسبة 29-38% تعرضوا لسوء المعاملة من قبل الشرطة.‏

لذلك لابد من إحداث قسم شرطة خاص بالأطفال الأحداث يتم اختيار عناصره بعناية ويخضعون لدورات تدريبية خاصة بالتعامل مع الأحداث, وأخيرا يرى المحامي محمد علي صايغ أن هذه الإجراءات لا تغني عن ضرورة تعديل العديد من القوانين التي أصبحت بحاجة لتعديل أو الغاء لأنها لم تعد تواكب التطور الحاصل في البلد وبما يضمن تحويل بلدنا إلى دولة مؤسسات وتحكمها سيادة القانون ويكون القضاء ضمانة للمواطنين ومحلاً لثقتهم.‏

في حين رأى النائب العام بدمشق- القاضي مروان اللوجي ختاماً أن وزارة الداخلية معنية بإيجاد حضانات خاصة بأطفال الموقوفات وهو الأمر الذي نفتقده على أرض الواقع فإلى متى.‏

ملك خدام- براء الأحمد

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...