سوري يكرّم في الصين لمساعدته ضحايا سيشوان

01-07-2008

سوري يكرّم في الصين لمساعدته ضحايا سيشوان

«كنت أعرف أني قد ألقى حتفي هناك في سيشوان في أي لحظةزيد وسط دمار في إقليم سيشوان بعد الزلزال، لكني فكرت بأشخاص يحتاجون لمساعدتي، يدفعني إليهم إحساسي بالمسؤولية وأخلاق مهنة الطب التي أزاولها.

الصعوبات التي واجهتني لم تقف عند التنقل على طرقات معرضة للانهيار، أو النوم في خيمة صغيرة حيث لا مرحاض ولا طعام إلا القليل من الماء والبسكويت، فالأصعب من هذا نقص المعدات الطبية لمعالجة المصابين».

تلك العبارات جزء من رسالة كتبها زيد الشواف وهو شاب سوري يدرس الطب في الصين, يحكي فيها تجربته في المشاركة مع الصليب الأحمر والحكومة الصينية بأعمال الإغاثة ومساعدة منكوبي الزلزال الذي ضرب إقليم سيشوان جنوبي غربي الصين في 12 أيار (مايو) الماضي، وأودى بحياة أكثر من 60 ألف شخص.

يعيش زيد منذ خمس سنوات في الصين في مدينة غوانغتشو في مقاطعة غوانغدونغ ويصف لحظة تلقيه خبر الزلزال بالصدمة. ويقول: «كنت في المستشفى حيث أعمل طبيباً مساعداً، حين دخلت إحدى الممرضات وقالت بهلع أن زلزالاً قوياً ضرب إقليم سيشوان وقتل الكثير من الناس، بعدها راحت وسائل الإعلام تبث صوراً للإقليم المنكوب ومعلومات عن عدد الضحايا المتزايد، أدركت أن الكارثة مأسوية وتستدعي التحرك، فأرسلت إلى الصليب الأحمر عبر موقعه الالكتروني رسالة أخبره فيها أني أود أن أكون من بين المتطوعين لإنقاذ ضحايا الزلزال، وكنت مسجلاً في قاعدة البيانات لديهم كوني أحمل شهادة في طب الطوارئ والإسعاف. لاحقاً اتصلوا بي، وطلبوا مني أن أحزم أمتعتي بسرعة لألحق بالطائرة المتوجهة إلى إقليم سيشوان، فطلبت إجازة من الكلية والمستشفى ووافقا على منحي خمسة أيام، كما أبلغت السفارة السورية في بكين عن رحلتي وزودني القنصل برقم هاتفه الشخـصي للتــحدث معه في حال حدوث أي طارئ وأوصاني بأن أظل حذراً.

لدى وصولي مع فريق الصليب الأحمر إلى إقليم سيشوان واجهتنا مشكلة، فقد حصل جميع أعضاء الفريق على أذن بالدخول إلى ما يسمى خط المواجهة الأمامي للزلزال إلا أنا، لأني لست مواطناً صينياً ولم يرغبوا في تحمل مسؤولية ما قد يقع لأجنبي في ظروف كتلك، قالوا أنهم يفضلون أن تكون خدمتي في المستشفى (أي بعيداً نحو 100 كلم عن موقع الكارثة). لكني رفضت وأخبرتهم أن المستشفى يتواجد فيها أطباء كثر أن بإمكاني أن أقدم مساعدة أفضل فيما لو كنت قريباً من خط المواجهة حيث ينقص عدد الأطباء. بعد جهود كثيرة وافقت السلطات على وأن ادخل إلى هناك على أن تبقى علاقتي المباشرة معها وليس مع الصليب الأحمر ليتسنى لها العناية بي، وبالفعل انتقلت بسيارة عسكرية إلى مركز المعالجة الطبية في خط المواجهة حيث دمرت الطرق ولم يكن بإمكان مركبات أخرى أن تصل إلى المكان».
ويضيف الشواف: «بداية طلب مني أن أشكل فريقي الخاص الذي كان مؤلفاً من 12 متطوعاً، ورافقني مترجم وجندي ودليل من سكان المنطقة ليرشدنا إلى الطريق، كلفنا بتأمين الرعاية والمعالجة الطبية لخمس قرى في خمسة أيام بكمية محدودة جداً من المعدات واللوازم الطبية، وكان علينا فعل ذلك والتنقل مشياً على الأقدام في طرقات دمرها الزلزال. اضطررنا إلى السير نحو 11 ساعة كل يوم وتسلق الجبال والمشي على صخور غير مستقرة وبين منازل مهدمة، وكنت مخولاً اتخاذ قرار في من ينبغي نقله إلى المستشفى من المصابين وكان ذلك أمراً في غاية الصعوبة، فالكثير منهم كانت إصابته بالغة والمستشفيات القريبة من موقع الزلزال تأثرت به وتدمر بعضها، لذا كان علينا إحالة فقط من يهدد الموت حياته بشدة، الباقي كنت أساعده بمعدات طبية محدودة».

ويقول زيد أنه قدم الرعاية الطبية لأكثر من 250 مصاباً، وأنقذ حياة شخصين من الموت، يتحدث عن حالة أحدهم فيقول: «كنت في منطقة ريفية تسمى «مينتزو» حيث المنازل مهدمة في شكل كامل بفعل الزلزال، وصلنا إلى منطقة خطرة جداً، لم يكن هناك أمل في العثور على أحياء لشدة الدمار الحاصل لكني حاولت التأكد قبل مغادرة المكان، فقررت الدخول إلى العمق يرافقني المترجم فقط، طلبت من الآخرين أن يبقوا خارجاً لطلب المساعدة في حال تعرض أي منا للخطر، ودخلت بحثاً عن ناجين، سرنا ببطء شديد لأن الصخور لم تكن تتحمل أوزاناً ثقيلة، وبعد أن قطعنا نحو 50 متراً في عمق ذلك الطريق رأيت رجل مسناً ممداً على ظهره، فصرخت به: «انا الدكتور زيد جئت من قبل الحكومة لإنقاذكم، هل أنت على ما يرام؟», لكنه لم يجب، فكرر المترجم ما قلته مستخدماً اللغة المحلية بينما كنا نمشي نحوه لكنه بقي لا يجيب، وعندما استطعت الوصول إليه كان فاقداً للوعي ونبضه ضعيف جداً لكن لم يزل على قيد الحياة، فوراً أجريت له تنفساً صناعياً لمدة دقيقة لكنه بقي على حاله فأعطيته حقنة أدرينالين واستأنفت إجراء التنفس الاصطناعي، وبعد دقيقتين عاد النبض له وأخذ يستعيد وعيه من جديد، في أثناء ذلك وصل الدعم الطبي لنقله إلى المستشفى، وعرفت في وقت لاحق أن الرجل بقي على قيد الحياة وأننا استطعنا إنقاذه».

في نهاية خدمته التطوعية لإنقاذ ضحايا الزلزال كرمت الحكومة الصينية زيد الشواف، وشكره رئيس الخدمات الطبية الدكتور لومان واي « قدماً إليه شهادة تقدير من حكومة إقليم سيشوان على الجهود التي بذلها كما شكرته حكومة بكين، وعن ذلك يقول الناطق باسم السفارة السورية في بكين: «كنا سعداء باختيار زيد أفضل طبيب في مجموعته، وقد رحبنا بمشاركته التي جاءت باندفاع شخصي، وكانت ذات صدى كبير لدى الشعب الصيني ولقيت تقديراً معنوياً عالياً كونها تحاكي معاني إنسانية تعبر عن عمق مشاعر الصداقة مع الشعب الصيني، وخلال الفترة التي أمضاها الشواف في سيشوان كان القنصل كنان زهر الدين على اتصال يومي معه للاطمئنان إليه ومتابعة مهمته».

لينا الجودي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...