سورية وإشكالية بناء القوة الذكية

الجمل:    تركز كل دول العالم على بناء عناصر القوة الأساسية، والتي اتفق معظم الخبراء على حصرها وتحديدها في ستة عناصر، هي: القوة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتكنولوجية، والعسكرية، والقومية.
• التعريف بعناصر القوة الشاملة:
تعود نظرية قوة الدولة الشاملة إلى المؤلفات الاستراتيجية القديمة والحديثة والمعاصرة، والتي تنظر إلى كيان الدولة، ومعايرة وزنه على أساس معايرة عناصر القوة الستة، ومدى تكاملها، واستخدام الوزن النهائي في تحديد القوام الاستراتيجي للدولة ضمن بيئتها الإقليمية والبيئة الدولية العالمية.
حتى الآن لم تستطيع إي دولة في العالم تحقيق الكمال المطلق في بناء عناصر القوة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر القوة العظمى الأكثر تفوقاً في الوقت الحالي، استطاعت بناء القوة العسكرية والمالية، ولكنها تعاني من الضعف الشديد في عناصر القوة الأخرى، فهي ضعيفة تكنولوجياً إلى حد أنها تعاني من اعتمادها على التكنولوجيا إلى حد التبعية لليابان. وهي اجتماعياً ضعيفة، ويوجد بها واحد من أكثر مجتمعات العالم تفككاً وتدهوراً بسبب ارتفاع معدلات الجرائم، واستهلاك المخدرات وتفسخ النسيج الاجتماعي. أما سياسياً فيعتبر النظام السياسي الأمريكي الأكثر ضعفاً وهشاشة في العالم، وبرغم الديمقراطية والليبرالية، استطاعت حفنة من اليهود الأمريكيين (حصراً جماعة المحافظين الجدد) تنظيم نفسها والتغلغل في عمق أجهزة الدولة والسيطرة على القلب الحيوي لعملية صنع واتخاذ القرار، على النحو الذي جعل أمريكا تدخل في حالة تبعية مثيرة للجدل لإسرائيل، وحصراً لجماعات الليكود الإسرائيلي.
• الذكاء وعناصر القمة الشاملة:
بناء عناصر القوة الشاملة، يتم بشكل تراكمي، ولكن لكي تكسب عناصر هذه القوة طابعاً استراتيجياً، فإنه يتوجب أن ترتبط عملية البناء بالتخطيط الاستراتيجي، وبكلمات أخرى لا يمكن بناء القوة الاستراتيجية بدون تخطيط استراتيجي يحدد كيفية الانتقال والتحرك نم (الوضع القائم) إلى (الوضع المطلوب)، عن طريق تحديد الغايات الرئيسية، وطريقة الوصول إليها، ونقسم هذا الطريق إلى أهداف مرحلية، على المدى القصير، والوسيط، والطويل الأجل.
• سورية وبناء القوام الاستراتيجي:
تقع سورية في مكان القلب الحيوي بمنطقة شرق المتوسط، وتمثل (عبقرية الجغرافيا) السورية، في أنه يمكن الوصول بكل سهولة إلى أي نقطة في هذه المنطقة، بالانطلاق من سورية، كذلك ترتبط هذه النقاط وفقاً لمبدأ الضرورة والحتمية بـ(المقسم) الجغرافي- التاريخي السوري.
تمتلك سورية كل مقومات بناء عناصر القوة الستة، إضافة إلى أن تناسق ورشاقة القوام الجيوبوليتيكي السوري، تعزز كثيراً قدرة سورية في تواصلها مع الآخرين وتواصل الآخرين معها في كافة المجالات، فالقوام الجيوبوليتيكي السوري لا يعاني من التشوهات، وعلى سبيل المثال نجد الهند برغم كونها قوة كبرى صاعدة، فإنها تعاني من نقطة ضعف خطيرة تتمثل في أن عدد سكانها البالغ مليار نسمة، قد أدى إلى تشويه  قوامها، والشيء نفسه بالنسبة للصين.
• سورية وإشكالية بناء القوة الذكية:
مصطلح القوة الذكية (Smart Power) هو مصطلح حديث نسبياً، ويرجع ظهوره في أدبيات وحوليات العلم الاستراتيجي إلى فترة قريبة، وهناك الكثير من الاختلافات حول طبيعته، منها نجد أن البعض يرى بأن القوة الذكية تتمثل في قدرة الدولة على دفع الآخرين وجعلهم يقومون بتحقيق مصالحها نيابة عنها، وهو المفهوم الأمريكي المتداول حالياً في بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية، ويعتمدون صيغة ومحتوى هذا المفهوم على جعل البيت الأبيض يقوم بدور الـ(ريموت كنترول) الذي يتحكم عن بعد في الآخرين، بحيث يدفع (السعوديين) للقيام بتمويل المخططات الأمريكية، ويدفع (الاثيوبيين) للقيام بغزو والصومال نيابة عن أمريكا، ويدفع (المصريين) للقيام بتنفيذ المهام والتحركات المطلوبة أمريكياً في منطقة الشرق الأوسط.. وهكذا.
وهناك المفهوم الآخر للقوة الذكية، وهو مفهوم يعتمد جانباً يقوم بشكل أساسي على جعل الذكاء قيمة مضافة إلى عناصر القوة الستة، بحيث تتميز القوة الاقتصادية بـ(الذكاء)، والقوة الاجتماعية بـ(الذكاء)، والشيء نفسه بالنسبة للعناصر الأخرى.
إن التأكيد على عنصر (الذكاء) كقوة مضافة لعناصر القوة الستة، يتطلب إحداث تغيرات جوهرية في نظام التعليم، وفي الطبيعة المؤسسية الهيكلية والوظيفية لكافة قطاعات الإنتاج والخدمات، وبكلمات أخرى: أن تتم إعادة كافة القطاعات على أساس الاعتبارات التي تحقق التكامل، والمساندة، والمرونة، والتنسيق، على النحو الذي يحقق وحدة الهدف والغاية.
وعموماً، إن بناء القوة الذكية يعتمد على اعتماد المعلوماتية كوسيلة في كل شيء، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بالبدء بعملية (محو الأمية المعلوماتية) التي مازال يعاني منها قطاع كبير من المتعلمين والمسؤولين، ليس في سورية وحسب، بل وفي جميع أنحاء العالم العربي، وحتى الآن ماتزال الأغلبية العظمى من الذين يتعاملون مع أجهزة المعلوماتية مثل الكمبيوتر وغيرها، غير قادرين على تحقيق الاستقلال والتوظيف الكامل لما هو تحت تصرفهم من أجهزة، فالكثير من مفاتيح التشغيل والبرامج ذات القيمة والفائدة العالية تبقى كما هي حتى تنتهي صلاحية الأجهزة، ومن سخرية القدر ان أمية التعامل مع الأجهزة الالكترونية لا تنحصر فقط في استخدامات أجهزة الكمبيوتر بل وفي الموبايلات، والتلفزيونات.. وغيرها.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة