سي آي ايه... الغستابو الأميركية
الجمل- فلاديمير أودينستوف- ترجمة: رندة القاسم:
مع مرور كل شهر تنشر وسائل الاعلام الأميركية و العالمية أعدادا متزايدة من المقالات التي تكشف الطبيعة المريبة لعمليات تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، ما يقود الكثير من اللاعبين الدوليين إلى الإشارة الى ضرورة حظر السي آي ايه حيث لم يعد هناك من أمل في اصلاحها.
و يبرر هذا الموقف حقيقة قيام السي آي ايه،خلال السنوات السبعين لوجودها، بتزويد الكثير من الرؤساء الأميركيين بتقارير مزيفة حول العديد من القضايا الحاسمه المتعلقة بالسياسة الخارجية، اضافة الى تزوير الانتخابات و اسقاط حكومات عبر العالم و رعاية الدكتاتوريات. كما تتحمل السي آي ايه مسؤولية موت آلاف المدنيين و أعداد لا تحصى من حالات التعذيب.
مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانيه ، و مع قيام وكالات الاستخبار المتحالفة ضد هتلر بملاحقة مجرمي الحرب النازيين من أجل اعتقالهم و محاكمتهم. كانت السي آي ايه تتابع العمل المريب لسلفها، مكتب الخدمات الإستراتيجية (OSS)، بانتقاء مجرمي الحرب ذاتهم بهدف استمرار نشاطاتهم ضد أوروبا الشرقية.
و لحظة ولادتها بدأت السي آي ايه التحضير لانقلابات غير شرعية في ايران (1953)، غواتيمالا (1954)، اندونيسيا (1957)، و كلها أدت الى عقود من القمع و القتل الجماعي و التعذيب في الدول المعنيه ، بينما وضعت مصادرها الطبيعية تحت سيطرة واشنطن. و على سبيل المثال، أدى انقلاب ايران عام 1953 الى سيطرة الولايات المتحدة على 40% من صناعة النفط في ايران. و لن يستطيع المرء اليوم تسمية دولة لم تعاني من أعمال ال CIA .
كما نظمت السي آي ايه محاولات انقلاب متكررة في لاووس (1958-1959)، و كوستا ريكا و العراق (1960)، و الإكوادور و العديد من الدول الأخرى.
عام 1961 دبرت السي آي ايه اغتيال رئيس وزراء الكونغو المحبوب من شعبه باتريس لومومبا، لتضع مكانه موبوتو سيكو الذي قاد البلد بقسوة صدمت حتى داعميه في السي آي ايه. و في غانا نظمت السي آي ايه انقلابا عسكريا ضد قائد البلد نكروما عام 1966. في شيلي ، رعت السي آي ايه اسقاط الرئيس سلفادور أليندي عام 1973 و حل عوضا عنه النظام الدموي بقيادة أوغوستو بينوشيت الذي قتل ثلاثة آلاف خصم سياسي و عذب عشرات الآلاف من الشيليين . و عام 1967 في اليونان، دعمت السي آي اي عرقلة الانتخابات المحلية و ساندت الانقلاب العسكري الناتج الذي حصد أرواح ثمانية آلاف يوناني في شهره الأول فقط. و في جنوب افريقيا مكنت المعلومات التي منحتها السي آي ايه للنظام العنصري اعتقال قائد الكونغرس الوطني الافريقي نيلسون مانديلا ، الذي أمضى عقودا في السجن.و في بوليفيا عام 1964 أسقط عملاء السي آي ايه الرئيس فيكتور باز. و في استراليا ما بين عامي 1972 و 1975 حولت السي آي ايه ملايين الدولارات الى سياسيين معادين لحزب العمل، وحدث الشيء ذاته في البرازيل عام 1962. و على طول السنوات العشرين الممتدة بين 1970 و 1990 قامت سي آي ايه بدعم نظام دموي في الفلبين ارتكب اعدامات جماعية بحق مواطنيه.و في التسعينيات من القرن الماضي و نتيجة للدعم الذي قدمته السي آي ايه الى العائلات المحلية الحاكمة في السلفادور قتل حوالي 75 ألف مدنيا في حرب أهلية دموية.و القائمة لا تنتهي..
في كتابه "نتائج عكسيه" استشهد تشالميرس جونسون بأقوال روبرت غيتس ، مدير السي آي ايه لسنوات كثيرة، و التي بدأت ال سي آي ايه بناء عليها بتوفير الدعم للمجاهدين في أفغانستان قبل ستة أشهر من التدخل السوفييتي عام 1979، و بناء عليه فان أسامه بن لادن و منظمة القاعدة الارهابية تلقوا تمويلا من السي آي ايه الى جانب أصوليين متطرفين. و لهذا السبب فان السي آي ايه مسؤولة عن "الضرر الملازم" الذي وقع في مدينة نيويورك أيلول 2001 على يد المنظمة التي خلقتها السي آي ايه خلال المقاومة الأفغانية ضد السوفييت.
و لم يطل الأذى نيويورك وحدها، فقد عانى البيت الأبيض من معلومات الاستخبارات المزيفة طالما كانت السي آي ايه موجوده. و لايضاح ذلك، يجب أن نتذكر الحادثة المشؤومة التي قدم فيها كولين بويل أمام مجلس الأمن "الدليل" على وجود أسلحة دمار شامل عراقية، الأمر الذي لم يثبت في أعقاب الغزو و الاحتلال الأميركي اللاحق.
و بالنسبة لسجون السي آي ايه السريه ، التي كانت جوهر الفضيحة الأخيرة في مجلس الشيوخ الأميركي، يجدر الذكر أنه في عام 2007 كتب تيم وينير الحائز على جائزة بوليتزار في كتابه "ميراث الرماد، تاريخ السي آي ايه" :" لقد أدرات السي آي ايه مراكز استجواب سرية من قبل، بدءا من عام 1950 في ألمانيا و اليابان و باناما. و شاركت في تعذيب مقاتلي الأعداء الأسرى من قبل، بدءا من عام 1967 وفقا لبرنامج "العنقاء" في فيتنام. و اختطفت ارهابيين مشتبه بهم و اغتالت من قبل..."
و يبدو أن نشاطات السي آي ايه تؤكد أسوأ مخاوف مؤسسها الرئيس هينري ترومان، الذي اشمئز من فكرة أن هذه الوكالة قد تنحدر الى مستوى "الغستابو الأميركي"...
و السؤال المحير هو لماذا لا يزال الرئيس أوباما بحاجة الى السي آي ايه رغم وجود حوالي عشرين وكالة استخبارات رئيسية تحت تصرفه و يمكنها منحه كل المعلومات و النصائح اللازمة؟ أليس من الأسهل لو تنظف أميركا أيديها و تنقذ سمعتها بالتخلص من حوالي 30 ألف موظف في السي آي ايه و توفر المليارات من دولارات دافعي الضرائب؟؟
من الأفضل لباراك أوباما ،الحائز على جائزة نوبل للسلام ، الانصات الى النداءات الأخيرة التي أطلقها "اتحاد الحريات المدنية الأميركي" و "مراقبة حقوق الانسان" و المطالبة بمقاضاة تلك الوكالات التي ارتكبت التعذيب و رخصته، الى جانب السياسيين الأميركيين الذين سمحوا باستمرار النشاطات الاجرامية للسي آي ايه. اضافة الى ذلك، فان القيام بذلك الزامي اذا كانت الولايات المتحدة ممتثلة للاتفاقية ضد التعذيب التي وقعتها عام 1994.
*معلق سياسي روسي
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد