شاشات بديلة أصغر "مجاهد" في "دولة الإسلام"
المشهد غارق بغشاوته. الطريق فارغة. كاميرا، وطفل صغير. يحاول الأخير، بالرغم من خروجه عن دائرة الحضن ـ الذي لا مكان ملائماً له في غيره ـ أن يحافظ على طراوة سنواته التي لا تتجاوز الأربع، بالشرود في المشهد الواسع. في فيديو انتشر على "يوتيوب" بعنوان: "أصغر "مجاهد" في سوريا، أو كيف يتلاعب الإرهابيون ببراءة الطفولة، يحاول الطفل أن يتذكّر ما تم تلقينه إياه، ليجيب بسرعة على أسئلة الكاميرا. رغم السلاح، وأزيز الرصاص، بدا المشهد أشبه بتصوير فيديو عائلي، في صالة المنزل. كأنّ والداً يسأل ابنه: "في أي سنة دراسية أنت؟" فيجيب الطفل مسرعاً بلفظ متلعثم، واللعاب قد أطّر فمه الصغير: "الروضة الثانية/ شعبة الإجاص". هكذا كان الطفل في المشهد. صوت يحكي من دون أن يدرك تركيب عباراته في ساحة اللعب الكبيرة، ولا أن ما يحكيه هو اكتمال لصوت تصادم بيادق الشطرنج، التي يرميها أصحاب المعارك.
مدّة الشريط دقيقة و16 ثانية، ولم يتمّ التثبّت من مصدره، لكنّه يبدأ بالعبارة التالية: "رسالة من أحد أشبال دولة الإسلام" أي "دولة تنظيم داعش". هذه ليست المرة الأولى التي ينشر فيها شريط مماثل، عن سوريا، لكنّه يضيء على فاجعة جديدة، في طريقة تحويل أطفال إلى بيادق في حرب أكبر منهم. نرى في الفيديو طفلاً ملثّم الوجه، أطلق على نفسه اسم "أبو بكر البغدادي"، تيمناً بلقب زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. يعلن في الشريط انضمامه إلى التنظيم. طوّع الطفل أصابعه الصغيرة للبندقيّة، أمسك بها ببراعة، إلا أنه ولصغر جسده، لم يستطع أن يسند طرفها على كتفه، حتى يتمكّن من تثبيتها وتحديد فريسته جيداً. ضغط على الزناد وراح يطلق النار إلى مكان لا نراه في الصورة. هلع صوت الرصاص لم يثن الطفل عن التوقّف. فيما بقي المصوّر يردّد عليه كلمات مثل: "ما شاء الله، تبارك الله". يسأله، بعدما رفع الطفل اللثام عن وجهه: "أخي ماذا تحب أن تقول للمسلمين؟"، يردّ: "تعالوا إلى العملية" (أي القتال). يواصل من يصوّره سائلاً: "ماذا تحب أن تقول للكفار؟"، يردّ الطفل: "الكفار أنتم للذبح".
مصدر الفيديو ليس دقيقاً، ومن الصعب التثبّت من هويّة من قام بتصويره. لكنّه إشارة إضافيّة على الانتهاك اليومي الممارس بحقّ الأطفال في سوريا. هناك من يهيمون بحثاً عن حجّة تثمّن أفعالهم، فلم يجدوا "أثمن" من أجوبة طفل، لا سعة في خياله ووعيه ما هو كافٍ لإدراك صوابيّة ما يلقنونه. حسم "المصورّ" الخلاص بالقتال أو الذبح. راح يهلّل له، ويثني عليه بما يجيب. والطفل غارق بقضم البذر الصغير، ورمي قشوره.
يردِّد الطفل الأجوبة بعينين تشبهان من حدّق ليلة طويلة في جثّة مذبوحة، فحوّلت قلبه إلى حجر كبير. شريط يطرح من جديد، سؤالاً بات يتكرّر من دون أن يجد إجابات شافية: من يحمي هؤلاء الأطفال من استغلال صورهم بشكلٍ ينافي كلّ الشرع والمواثيق الدوليّة؟ ومن يحميهم في الأصل من الوقوف خلف المتاريس؟
غفران مصطفى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد