صناعة الجلود في سورية مهددة بالزوال

08-03-2014

صناعة الجلود في سورية مهددة بالزوال

تلفظ صناعة الجلود في سورية "الدباغة" أنفاسها الأخيرة نتيجة مجموعة عوامل، أدت لتراجعها وحالت دون تطورها رغم المقومات الهائلة التي تملكها سورية في هذا القطاع، ولعل أبرز هذه العوامل منافسة الجلود الأجنبية ولا سيما الصينية، علاوة على تراخي حكومي في تطويرها، وتبدد الحرفيين في موجة الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد.

أخطاء فادحة رغم مقومات الإنتاج

ولفت رئيس "إتحاد حرفيي دمشق" مروان دباس، إلى أن نقل الدباغات من منطقة الزبلطاني الى مدينة "عدرا الصناعية"، أدى إلى توقف معظمها بسبب الأحداث الأمنية في منطقة عدرا، ما أدى للإعتماد على الجلود المدبوغة مسبقاً.

وأضاف دباس "أن هذه الظروف فتحت الباب لدخول الجلود الصينية وبقوة"، لافتا إلى أن صناعة الجلود في سورية تشهد معوقات كثيرة وفرص استثمار ضائعة.

وأرجعت مصادر لم يذكر اسمها في "جمعية الأحذية بدمشق" هذه المعوقات إلى فتح أبواب الاستيراد أمام الجلود الصينية، وتابعت المصادر في تصريح سابق، أن جشع كثير من التجار السوريين وقيامهم بعمليات الغش أدى لعزوف معظم الدول عن استيراد الجلود السورية رغم ما تمتلكه من مزايا عالمية، وأبرز هذه الدول "رومانيا، ايطاليا، هنغاريا والخليج العربي"، وبالتالي ساءت سمعتها بعد أن كانت تصدر لمختلف أنحاء العالم، كما تعاني الجلود السورية من التصدير العشوائي للمنتجات الخام، وخصوصاً الصوف السوري عالي الجودة من نوع أغنام "العواس"، الذي يصدر إلى انكلترا، فتقوم الأخيرة بتحويله الى سجاد صوفي، وتبيعه بأسعار مرتفعة للعديد من الدول منها سورية.

واشارت المصادر إلى الجلود السورية التي تصدر خاماً، وتعود للبلاد أحذية إيطالية فاخرة ومنتجات جلدية تركية وحقائب فرنسية فخمة بينما تستمرالجلود السورية في حربها الطاحنة مع الجلود الصينية الرديئة، "واللافت في هذه المعادلة أن الدول الاوروبية نجحت في الهروب من مرحلة صعبة ومعقدة وتسبب تلوث للبيئة نتيجة الآفات التي تخلفها الدباغات، واكتفت بالجزء السهل المتعلق بتصنيع المواد الخام، ولعل أكبر الأخطاء التي ارتكبت في هذا القطاع، عدم وجود عناقيد صناعية تقوم على التقارب بين الدباغات والجلود، وغياب التنسيق بين الموردين والدباغين وصانعي الجلود، نتيجة تركز معظم الدباغات في محافظة حلب، وتأتي هذه الأخطاء رغم الموارد الكبيرة التي تمتلكها سورية في قطاع الجلود، حيث ذكرت إحصائيات سابقة أن انتاج سورية من الجلود المصنعة قدر بأكثر من 55 مليون قدم مربع، وتمتلك سورية أكثر من 2800 منشأة لتصنيع الجلود معظمها في حلب، أما عن التصدير فبلغ في آخر إحصائية عام 2007 ما يزيد عن 10900 مليون ل.س، من الجلود المدبوغة والأحذية جميعها صدرها القطاع الخاص بينما غابت صادرات القطاع العام آنذاك".

الجلود الصينية تغزو الأسواق

ولفت رئيس "اتحاد حرفيي دمشق" مروان دباس، أن التجار السوريين يستوردون بكميات هائلة الجلود الصينية، الأمر الذي خلف نتائج سلبية على المنتجات الوطنية، لافتا إلى أن الجلود السورية أفضل بكثير من نظيرتها الصينية ولا يمكن المقارنة بينهما، لكن تدني سعر الأخيرة ساعد على رواجها في أسواق دمشق، "فسعر المعطف المصنوع من الجلد الوطني يتجاوز خمسة أضعاف المعطف الصيني".

ويجمع المواطنون على ارتداء الملابس المصنوعة من الجلود الصينية، حيث أكد معظم من التقاهم "الاقتصادي" في أسواق الألبسة، أنه في ظل جنون الأسعار فإن الجلديات الصينية هي الأوفر رغم عدم جودتها، وقال " محسن" موظف: "أن عائلته مكونة من 6 أفراد ويصعب عليه مع دخول الشتاء اقتناء معاطف من الجلد الوطني في ظل الراتب الذي يتقاضاه، وبالتالي فإن معاطف البالة أو ما تيسر من معاطف صينية، أفضل من عدم شرائها من الأساس".

واشار أنور "دباغ جلود"، إلى أن أكبر مشكلة تواجه أبناء المهنة، هي الجلود الصينية، قائلا: "أرفض أن أصفها بالجلود فهي لا تتعدى عن كونها مشمع"، مشيراً إلى أن بعض التجار يقومون بتقليد الجلد الوطني من خلال المشمع الصيني، دون أن يتمكن المواطن من تمييزها، وعبر عن أسفه من وجود مشمع ينافس الجلود السورية الأصلية.

تهريب الجلود بعد دبغها

وأضاف أنور الذي يعمل حالياً في سوق السروجية، أنه على الرغم من الظروف الأمنية، هناك بعض الدباغات تعمل بكامل طاقتها الانتاجية لتأمين حاجة المواطن الذي لا يجد منها إلا القليل، لأن التجار يسحبون جميع الجلود المدبوغة من الأسواق، ثم يقومون بتهريبها إلى الدول المجاورة، الأمر الذي ساهم برفع سعرها، ويتم تهريب الجلود بحسب أنور من خلال شبكات مختصة تقوم بسحبه من أسواق العاصمة، ثم ترسله إلى لبنان بواسطة حافلات نقل الركاب، حيث يتم تصنيعه هناك على شكل أحذية وحقائب، ويباع بعد أن يلصق عليه علامات لماركات عالمية.

ولا يقف الأمر هنا حيث يوضح الصناعي "عمر خ" الذي يملك ورشة تصنيع أحذية بمنطقة الحيدرية في حلب، أن أرقاماً لا يمكن إحصائها من الجلود المدبوغة أرسلها أصحابها بغية بيعها في أسواق تركيا حيث يتضاعف ثمنها هناك، مؤكداً أن الدبغ من أصعب العمليات وأكثرها تعقيداً، ومن ثم فإن تهريبها بعد الدبغ خسارة كبيرة لصناعة الجلود السورية، وختم بالقول: "أن ما يهرب من جلود في دمشق لا يتجاوز نقطة في بحر الجلود الحلبية التي تقطع الحدود نحو تركيا".

تحديات تواجه الصناعيين

حقائق كثيرة عن صعوبات تواجه الجلود السورية في ظل الأزمة الراهنة، وضعها أمامنا الصناعي أنور، ولعل أهمها ارتفاع أسعار المواد الخام ، ويقول أنور: "أن عملية دبغ الجلود تتطلب كميات هائلة من المياه بمعدل 20 برميل ماء مقابل كل برميل جلد مدبوغ"، لافتا إلى أن المياه مقطوعة في عدرا ما يضطر بالمدابغ إلى خوض "حرب" للحصول على المياه من سكان المنطقة بمبالغ مالية كبير.

وأضاف "الجلود تحتاج لأكثر من 15 مادة كيميائية لإتمام عملية الدبغ، وهناك أكثر من 7 مواد مفقودة من الأسواق، أما عن أسعار المواد المتوفرة منها فحدث عن الغلاء ولا حرج، ناهيك عن أسعار الجلد الخام التي ارتفع النوع الشعبي منه إلى 200 ليرة بعد أن كان 50 ل.س، ونوع الإكسترا ارتفع إلى 325 ليرة بعد أن كان يترواح بين 80ــ90 ليرة، هذا كله عدا عن أجور النقل الجنونية، إذ بلغت إجرة نقل الدفعة الواحدة من عدرا إلى العاصمة 25000 ل.س"، وأشار إلى أن مهارة الدباغين السوريين دفعت دول الجوار لتقديم إغراءات لهم ما أدى لشح اليد العاملة في هذا المجال.

الجلود بورصة عالمية بعد الذهب

ولفت رئيس "اتحاد حرفيي دمشق" مروان دباس، أن معظم الحرفيين في مجال الجلود اندثروا بين السفر والنزوح، وتابع "هناك حرفيين وصناعيين لا نعلم عنهم شيئاً خلال الأحداث"، موضحاً أن الجلود بورصة عالمية تأتي بعد الذهب مباشرةً.

أحمد حاج حمدو

المصدر: الاقتصادي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...