صور نادرة لدمشق في مكتب عنبر

21-07-2007

صور نادرة لدمشق في مكتب عنبر

لا وجود لمن يهز رأسه، سواء كمؤشر على معرفته أو إحساسه بالرضى... زوّار معرض الصور التاريخية عن دمشق يقفون مطولاً أمام كل لقطة. بعضهم يحملق، يقرّب رأسه، ويحني جسده، شيئاً فشيئاً، آخرون يتفحصون اللقطات ذاتها مرات عدة.نهر بردى عام 1870

بالطبع تتوافر مجموعة من الصور القديمة لدمشق، ويمكن شراؤها من أماكن عدّة، على شكل بطاقات المعايدة وما شابه. لكن المعرض، الذي تنظمه محافظة دمشق بالتعاون مع مركز «أريسكا» في اسطنبول، يحوي صوراً نادرة للمدينة تعرض فيها للمرة الأولى، وتعود الى العقدين الأخيرين قبل سقوط الاحتلال العثماني. كل الصور تعود ملكيتها الى المركز التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المهتم بحصر التراث الإسلامي والحفاظ عليه. أما امتلاك الأتراك مثل هذه الصور، فيأتي كإحدى تركات تحكمهم السالف، إدارياً وثقافياً، بمنافذ الحياة في المدينة.

متعة مشاهدة بعض الصور حاضرة في ذاتها، إذ لا حاجة إلا لذكر المنطقة التي تم تصويرها. مجرد إحالة صور منطقة ما على ما صارته في الراهن سيكون كفيلاً بإمتاع الذهن، وإغناء المخيلة في نزهة نادرة بين حاضر دمشق وبعض ماضيها. منطقة «الصالحية» المكتظة بالمحال التجارية، لم تكن إلا امتداداً لجبل يحوي القليل من البيوت الطينية، كما بدت في صورة لها عام 1906. منظر عام لدمشق في العام نفسه يظهر فيه الكثير من المساحات الخضر، حولها ووسط أحيائها، أما جبل قاسيون فيظهر خالياً من العمران. الآن المساحات الخضر، أو «الغوطة» كما تسمّى، شبه منقرضة، وقاسيون ليس إلا قلنسوة جرداء تظلل آلاف البيوت التي نحتت صخوره في شكل عشوائي.

في صور أخرى تحضر أحداثموكب غليوم الثاني أمام مبنى بلدية دمشق عام 1898 ومناسبات. صورة تعود الى عام 1895 تؤرخ لوضع آخر القضبان الحديد في خط حديد الحجاز. واللافت هو وجود صور لها قيمة تاريخية عالية، مثل واحدة للمسجد الأموي بعد الحريق الذي تعرّض له عام 1893، وأيضاً صورة لورشة شكّلها السكان المحليون الذين نهضوا بأعمال الترميم بعد الحريق. تطالع الزوار كذلك صورة نادرة تذكّر بالأفلام التاريخية، وفيها يظهر موكب الامبراطور الألماني غليوم الثاني ماراً أمام مبنى بلدية دمشق عام 1898. الامبراطور نفسه يظهر في صورة أخرى داخل الجامع الأموي وإلى جواره الامبرطورة فيكتوريا.
لكن ما يربك زائر المعرض هو خلو بعض الصور من الشروح، الأمر الذي جعل الإحاطة بمغزاها مستعصياً. ربما يظن البعض أن هذه المشكلة ستواجه الشباب فحسب، وأن ذاكرة تعود الى الخمسينات يسهل عليها الإلمام بالشخوص والأمكنة. وخير دليل أن هذه المشكلة لا فكاك منها بالنسبة الى الجميع، هو تذمّر رجل مثل نزار الأسود من الإبهام الذي يغلّف بعض الصور. هو ابن دمشق وعمل أربعين سنة على جمع تراثها الشعبي، وله عشرة كتب في هذا الشأن. يشير إلى صور تحوي قصور أشخاص لا معلومات عنهم، أو عن المكان الذي تقع فيه قصورهم. هذه الأماكن لا إشارة تدل إن كانت لا تزال موجودة أم اندثرت! صور عدة لا تاريخ محدداً لها، تظهر في بعضها شخصيات اعتبارية ورسمية، لكن لا معلومات حولها إطلاقاً. ألم يكن حرياً بمنظمي المعرض أن يُلحقوا شروحاً وافية بتلك الصور؟ فإذا كان دور المركز التركي هو استقدام صوره إلى دمشق، فما الذي فعلته دمشق، عبر المحافظة أو وزارة الثقافة، لإغناء المعرض، وجعله مناسبة لتقديم سير تصويرية تضع أهل دمشق في خضم تاريخها؟!

وعلى رغم تذمره، يعتبر نزار الأسود أن صور المعرض «هي تراث لا يقل أهمية، كقيمة تصويرية، عن ذلك المكتوب عن المدينة»، ويضيف: «مع الأسف، جاء انتباهنا للآثار والتراث متأخراً، ومع ذلك هي خطوة حميدة نتمنى أن تستمر».

المعرض الذي يحتضنه بيت دمشقي شاسع، يدعى قصر الثقافة العربية أو «مكتب عنبر»، لم يخلُ من الزوار الشباب. جهاد سمع من أصدقائه في الجامعة عن المعرض، فأتى بصحبة صديقته. بدا مهتماً بكل صورة تقع عينه عليها، وأخذ يدوّن بعض الملاحظات. هناك ما يحزّ في نفس جهاد بعد رؤيته المعرض ولا يتردد في التعبير عنه. في بعض الصور يظهر نهر بردى شاقاً مجراه العريض وسط المدينة. «ألا ترى أن مياهه الغزيرة كانت تصنع أمواجاً»، يشير جهاد بفرح إلى صور لبردى، لكنه يعود ليعلّق بتأفف: «الآن صار ساقية وليس نهراً». يضحك من ذلك، أما صديقته فاكتفت بهز رأسها مؤيدة ما قاله.

وسيم إبراهيم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...