عيون الأتراك على الدراما العربيّة: هـل بـدأ الغـزو المعاكـس للشاشـات التركيّـة؟
بدأت الهجرة الدراميّة المعاكسة من العربيّة، إلى التركيّة. فبعد اكتساح المسلسلات التركيّة شاشات العرب، يبدو أنّ أوان الغزو العربي، قد آن، للشاشة التركيّة. أوّل الغيث جاء مع الضجّة التي أحدثها إعلان المنتجين القطريين لمسلسل «سقوط الخلافة» (2010)، عن توقيعهم عقداً لإنتاج نسخة تركية من العمل، سيتمّ إطلاقها في أيلول القادم. وكان المسلسل التاريخي قد حظي برواج كبير على الفضائيات العربيّة، وهو من تأليف الكاتب يسري الجندي وإخراج محمد عزيزية، وبطولة مجموعة كبيرة من الممثلين العرب. ويسرد المسلسل سقوط الخلافة العثمانيّة، بنبرة متعاطفة نسبياً مع شخصيّة السلطان عبد الحميد الثاني الذي لعب دوره النجم السوري عبّاس النوري.
لكن يبدو أنّ الأتراك لن يكتفوا بدبلجة مسلسل عربي واحد، إذ تناقلت مواقع عربيّة أخباراً عن نيّتهم دبلجة المسلسل المصري الشهير «الدالي»، الذي أدّى بطولته النجم نور الشريف عن نصّ لوليد يوسف، وحمل توقيع المخرج يوسف شرف الدين. وخرجت مواقع أخرى لتضيف إلى القائمة مسلسلاً ثالثاً هو «لحظات حرجة» وهو النسخة المصريّة من السلسلة الأميركيّة الشهيرة «إي. آر». وتبقى مشاريع الدبلجة هذه مبهمة، خصوصاً مع عدم وجود تفاصيل دقيقة حول الجهات التركية المنتجة التي ستتكفل بدبلجة العملين. وباستثناء بيان الجهة المنتجة لمسلسل «سقوط الخلافة»، لم يعلن منتجو الأعمال الأخرى صراحةً عن أي تعاون مع الأتراك. ما يبدو مستغرباً، أنّ الأعمال المختارة، ليست الأهم في الإنتاج المصري خلال السنوات الأخيرة، ما يزيد من غموض الخيار التركي. فإذا كانت امرا مفهوماً مسارعة الجهات الإنتاجية التركية لتبني دبلجة مسلسل «سقوط الخلافة»، على اعتبار أنّه يقدّم رؤية تطهيرية لآخر أيام العثمانيين، فعلى أي أساس تم اختيار المسلسلات الأخرى؟
تجمع تقاطعات كثيرة بين الدراما التركية والدراما السورية، إن في طريقة التصوير، أو في العمل خارج الاستوديوهات والديكورات المصنعة، فضلاً عن تشابه الصورتين في الدراما التركية والسورية، لجهة الإبهار، والعناية بالتفاصيل. يضاف إلى ذلك تشابه البيئات المعيشية بين المجتمع التركي والمجتمع السوري التي تجري فيه أحداث المسلسلات. وكل ذلك، من شأنه أن يشجّع المنتجين الأتراك على دبلجة المسلسلات السورية. لكنّ ذلك المشروع لا يزال مؤجّلاً. وكانت مصادر تناقلت أخباراً عن نيّة تركية لدبلجة المسلسل السوري الشهير «باب الحارة»، قبل أن تطوى الفكرة من دون تحديد مصيرها.
على الرغم من كثرة النيات الحسنة، تبرز حقيقة يصعب تجاهلها، وهي أنّ العلاقة بين الدراما التركية، وجاراتها العربيّة، لا تزال تسير باتجاه واحد. واختار الأتراك دبلجة المسلسل الذي يروي حكاية زعمائهم، وبلاطاتهم، وقصورهم... وقد يتوقفون عنده. فلا يمكن أن تكون الدبلجة تعبيراً عن تبادل ثقافي حقيقي، إلا حين يقرّر المنتج التركي دبلجة أعمال ذات خصوصيّة محليّة، مثل «ليالي الحلمية» أو «رأفت الهجان».
يبدو أنّ تجربة الدبلجة من التركيّة، ستنتهي كما انتهت تجربة الدبلجة من المكسيكيّة. فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً، بادر المنتج والمخرج اللبناني نقولا أبو سمح إلى استقدام المسلسلات المكسيكية ودبلجتها، وكانت البداية مع مسلسل «أنت أو لا أحد». بعدها اجتاحت المسلسلات المكسيكية الشاشة العربية، كما تجتاحها المسلسلات التركية اليوم. لكننا لم نشهد حركة دبلجة مكسيكية معاكسة باتجاه الدراما العربية، باستثناء عمل ــ قد يكون الوحيد ـــ هو المسلسل اللبناني «العاصفة تهب مرتين» من تأليف شكري أنيس فاخوري، وإخراج ميلاد الهاشم. فهل يعيد التاريخ نفسه، ويكتفي الأتراك بدبلجة مسلسل «سقوط الخلافة»؟ قد لا يكون هذا الخيار مستغرباً، فذلك هو المسلسل الوحيد الذي يبرئ السلطنة العثمانية، من إرث الجهل والفقر والجوع الذي أغرقت به بلادنا، طوال عقود من الاحتلال.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد