غـول فـي زيـارة تاريخيـة لأرمينـيا اليـوم
لم يتأخر مدرب المنتخب التركي لكرة القدم فاتح تيريم في أن يكون طرفاً قوياً في الزيارة التي سيقوم بها الرئيس التركي عبد الله غول الى أرمينيا اليوم، لحضور المباراة بين منتخبي البلدين في إطار التصفيات الأوروبية المؤهلة الى نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا عام ،٢٠١٠ بقوله إن »المنتخب التركي يذهب الى يريفان ليس للحرب بل للعب كرة القدم، والمنتخب لن يحمل على ظهره أثقال التاريخ«. وأعلنت الرئاسة التركية في بيان إن »زيارة تتم في إطار هذه المباراة يمكن أن تشيع مناخ صداقة جديداً في المنطقة. وقد قبل رئيسنا الدعوة من هذه الزاوية«، مضيفة »نعتبر ان هذه المباراة ستلغي العوائق التي تحول دون تقارب شعبين يتقاسمان تاريخاً مشتركاً، وسترسي أسساً جديدة. نأمل في ان تشكل هذه الزيارة فرصة لفهم متبادل أفضل بين شعبي البلدين«. قرار القيام بالزيارة أشعل حرباً داخلية في تركيا بدلاً من »الحرب النائمة« بين الأرمن والأتراك منذ ما يقارب القرن. ووصل زعيم المعارضة دينيز بايكال الى حد السخرية من غول بالقول إنه لا ينقصه أثناء الزيارة سوى أن يضع إكليلاً من الزهور على نصب الإبادة في يريفان! أما أوساط حزب الحركة القومية، فتقول إنه ماذا تحقق لكي يقوم غول بالزيارة؟ هل اعترفت أرمينيا بوحدة الأراضي التركية؟ هل انسحبت من الأراضي الأذرية المحتلة؟ هل تخلت عن مطلب الاعتراف بالإبادة؟ يذهب غول إذاً الى يريفان وسط دخان الحرائق السياسية الداخلية، وهذا امر كان متوقعاً. أما المراهنون على إتمام الزيارة فقد نجحوا بعدما ذكرت المعلومات أن غول حصل على كل الضمانات الأمنية أثناء الزيارة، بحيث سيجلس أيضاً في منصة الملعب خلف زجاج واق من الرصاص. وفي لفتة معبّرة، سيبادر الرئيس الأرميني سرج سركيسيان الى استضافة غول على مائدة الإفطار الساعة السادسة مساء اليوم، تبعاً للتوقيت الأرميني، بحيث ينتقل الرئيسان بعد الإفطار مباشرة الى الملعب حيث تبدأ المباراة المؤهلة لنهائيات كأس العالم الساعة السابعة مساء. ومن بعدها يقوم الرئيسان بجولة محادثات يعود بعدها غول الى تركيا. وبالتالي لن يتعدى طول الزيارة الساعات الخمس او الست، وستكون الأولى لرئيس تركي الى أرمينيا عبر التاريخ الحديث، علماً أن رئيس الحكومة التركية الأسبق عصمت اينونو كان قد قام، في ١٧ تموز ،١٩٣٥ بزيارة غير رسمية عبر البر حيث بقي هناك حوالى ست ساعات ايضاً! ولن يذهب أي نائب تركي، بناء لتعليمات غول وحزب العدالة والتنمية لحضور المباراة، في وقت سيرافق غول العديد من الصحافيين بينهم آرا قوتشونيان، وهو رئيس تحرير صحيفة »جاماناك« إحدى الصحف التي يصدرها الأرمن في تركيا، كما سيرافقه مراسلو صحيفتي »لوموند« و»لو فيغارو« الفرنسيتين في تركيا، ومندوبو وكالات الأنباء العالمية. ووصفت وسائل إعلام تركية الزيارة بأنها الخطوة الأكثر شجاعة، رافضة انتقاد القوميين المتشددين بأن أتاتورك لو كان حياً لما قام بالزيارة. وقال الكاتب البارز طه أقيول إن أتاتورك نفسه مارس سياسة خارجية متقلبة، وفقاً للظروف السياسية المختلفة، وهو كان قبل لوزان غيره بعدها وغيره في الثلاثينيات. وأضاف أن الزيارة تعبير عن توجه عقلاني في السياسة الخارجية التركية. ويبدو ان هناك إجماعاً على المسائل التي سيثيرها غول أثناء الزيارة، وهي أولاً اقتراح منتدى الاستقرار في القوقاز الذي تتمحور حوله التحركات التركية في هذه الفترة بعد انفجار الوضع في القوقاز. ولو لم تكن زيارة غول مقررة قبل انفجار الحرب الروسية الجورجية، لكان رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان هو الذي قام بالزيارة. وتريد تركيا أن تكون أرمينيا جزءاً من هذا المنتدى. أما الموضوع الثاني، فهو دعوة غول لنظيره الأرميني الى تشكيل لجنة من المؤرخين تحسم حقيقة ما جرى عام ١٩١٥: هل هو إبادة ام مجرد مجازر في سياق حرب عالمية؟ أما الموضوع الثالث، فيتصل بالعلاقة التركية بأذربيجان وهو قضية ناغورنو قره باغ. ومعلوم أن أذربيجان لا تنظر بارتياح الى زيارة غول الى أرمينيا، لذا يريد غول قطع الطريق على اي توتر في العلاقات مع باكو ببحث هذه القضية. ثم إن غول نفسه أعلن انه سيزور باكو خلال الاسبوعين المقبلين قبل ان يبدأ في العشرين من ايلول الحالي زيارة الى واشنطن. وتقول صحيفة »زمان« إن الرئيس الأرميني سيدعو نظيره التركي الى فتح الحدود بين البلدين والى تبادل العلاقات الدبلوماسية، لكن غول لا يريد معالجة بالمفرق بل يريد أخذ كل المواضيع سلة واحدة. من جهته، قال وزير الخارجية الأرميني السابق فاردان اوكسانيان إن »دبلوماسية كرة القدم ستصبح عبارة جديدة في القاموس الدولي«، إذا تحسنت العلاقات بين البلدين بعد المباراة. زيارة تاريخية من دون أدنى شك، وقد تترتب عليها نتائج تاريخية، حتى لو بعد حين. والأهم أنها تبدأ عملية بناء الثقة بين الطرفين، وفي إحدى أكثر المشكلات تعقيداً وحساسية في المنطقة. وكائناً من كان الفائز على ارض الملعب، فإن دعاة الاستقرار والسلام والعدل، سيكونون جميعاً من الرابحين.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد