غياب هنري بوشو الكاتب البلجيكي الذي اشتهر في تسعينياته

غيب الموت نهار الجمعة الفــائت، الكــاتب البلـجيكي هنري بوشو، عن 99 عاماً، وكان سيحتفل بعيد ميلاده المئة في كانون الثاني المقبل. في العام 2008، عاد الجميع ليـتذكروه، حين مُنح جــائزة «ليفر أنتر» (وهي من الجوائز الأدبية المهــمة في فرنسا) عن روايته «بولفار الضاحية»، وهو في الخامسة والتسعين من عمره، وقد عرف «تكــريماً» آخر، حين ورد اسـمه، في العــام التــالي لحصوله على الجائزة، في قاموس «لو روبير لأسـماء العلم» وكان بعد على قيد الحياة، إذ من المعــروف أن الأسماء لا ترد في هذا القاموس، إلا بعد غياب أصـحابها، بعامة.
كاتب بالفرنسية، محلل نفسي، رسام، شاعر، تعددت اتجــاهات بوشو في الثــقافة، كما كان لحياته المديدة، الأثر الذي سمح له بأن «يحــيا حيوات عدة» وأن يغير مساراته لمرات عدة، وينتقل «من دعوة إلى أخرى» قبل أن يصبح «كاتب النضج»، على قوله في حوار مطول أجرته معه صحيفة «لوموند» الفرنسية العام 2008.
ولد بوشو في «مالين» (بلجيكا، بالقرب من بروكسيل) في 22 كانون الثاني 1913، وعرف طفـولة «صعبة» إذ وسمتها الحرب العــالمية الأولى العام 1914، وبخاصة بعد حريق «لوفان» الذي أشعلته الجحافل الألمانية، ما ترك عنده، وكما كتب ذات يوم، «تمزقاً لم يمحه الزمن». وعلى عتبة سن النــضج، عمل قليلاً في الصحافة، وناضل في صفوف الحركات المسيحية، ليدرس الحقوق فيما بعد، ما سمح له أن يصبح محامياً في محكمة بروكسل العام 1936.
لكن الحياة سرعان ما تبدّلت، إذ تم نقله إلى جبهة «الأردين» العام 1939، مع الحرب الثانية الــتي أنهاها وهو في لندن. وبعد الحرب، اهتم بالنــشر، فأسس داراً صغــيرة في باريــس التي انتقل ليعيش فيها بدءاً من العـام 1946. وفي تلك الفترة أيضاً، بدأ بالتحـليل النفــسي مــع بلانش ريفرون جوف (زوجة الكـاتب بيار جان جوف)، التي «سمحت لي باكتشاف الكــاتب الــذي في داخلي»، ليكتب أولى قصائده الــعام 1950، ويصدر ديوانه الأول العام 1958 بعنــوان «جيولوجيا» عن غاليمار، في سلسلة كان يشرف عليها جان بولان.
لكن ما بين بداية الكتابة، ونشر أولى مجــموعاته، غادر فرنسا ليقيم في سويسرا، حيث أدار مدرسة خاصة. ومع استمراره في كتابة الشعر، اهـتم بالمسرح، ليكتب مسرحيته الأولى «جنكيز خان» التي عرضت العام 1961، بإخراج مخرجـة شابة كانت تبدأ خطواتها الأولى في عالم المسرح... أريـان منوشكين.
وكما أنه لم يكتف لا بالشعر ولا بالمــسرح، اتجه صوب الرواية، لتأتي روايته الأولى «التــمزق» (غـاليمار 1966)، التي استوحى فيها ذكريات الطفولة، مع استمراره بالطــبع في كــتابة الشعر حيث أصدر العديد من الدواويـن. بيد أن الدائــرة عادت للبداية، حيث رجـع إلى باريس في 1975 ليعمل مجددا في التحليل النفسي في مستشفى للأطفال الذي يعرفون صــعوبات جمة، لتــتأثر كتابتــه بالتحلــيل النـفسي، أكانت شعــراً أم نثراً، مــع دخــول عنـصر آخر عليها، وهـي الأسطــورة التي انبثقت فجأة بين ثنـايا نصوصه.
لم يعرف النجــاح الجماهيري الكبير إلا في التسعينيــات مع ثلاثيته الروائية التي حمــلت العناوين التالية: «أوديب في الطريق»، ديوتيم والأسود»، «أنتيغون». وكأن التــقدم في العمر لم يمنعه من الاستـمرار بالكــتابة، إذ بقي لغاية لحــظاته الأخـيرة يعمل وإن كان ذلك بصــعوبة وبالرغم من قوله: «تعلمت على مر الزمن أن أختصر كثيراً من قاموسي اللغوي».
هل فعلاً اختــصر من قامــوسه؟ على الأقل لم يقتــصر من الكتــابة، إذ كان يجد أن «الشـعر يكتسح الحياة العادية»، من هنا ثــمة الكـثير من المخــطوطات التي ستصدر له لعل أبرزها «بيار وبلانش»، وهـي ذكريــاته عن الشاعر الفرنسي بيار جان جــوف وزوجته (عن أكت سود)، في الشهر المقبل.

(عن الوكالات والصحف الفرنسية)
إسكندر حبش- السفير