قصة حب إمبريالية
الجمل- هاكان أكساي - ترجمها عن التركية محمد سلطان:
أنهيت للتو مرحلتي الدراسية في الثمانينيات. وفي بداية التسعينيات كنت قد تخطيت مخاوفي من ذلك الموضوع وزادت ثقتي بنفسي، فبت لا أتردد بدعوة الفتيات اللواتي أتعرف بهن إلى المطاعم والمقاهي. ولكن ما هذا!؟ إنهن يرفضن باستمرار. فهن لا يرغبن بالذهاب إلى المطاعم التي كنت أقترحها. دعوتهن إلى مطاعم أرقى وأفضل وباهظة الثمن، ولكن كنت أصطدم بالفيتو في كل مرة.
- فلنذهب إلى ماكدونلتس McDonalds.
- ماذا؟؟؟
- ماكدونلتس! الآن الجميع يذهب إلى هناك، إنه رائع.
تجهم وجهي.
- ماكدونلتس؟ أوووف.
لم يكن يقبع تحت انزعاجي أي موقف مبدأي كون أن وجباته سريعة (fast food). كذلك لم يكن السبب أنني أكره المأكولات كالهمبرغر. هل للسبب بعد أيديولوجي أو سياسي؟ سأضحك بمكر لهذا التساؤل. تابعوا معي السبب.
إذا ذهبنا إلى ماكدونلتس سنضطر إلى الانتظار في الصف حتى يحين دورنا. وأنا لا أملك ذلك الصبر الروسي التقليدي. ومن ثم أنا وأنتظر بغضب سوف تنفذ طاقتي الإيجابية كلها. ولكن أعترف أنني اضطريت تحمل هذا الوضع عدة مرات. صراحةً لم يكنّ فتيات يرفض طلبهن بسهولة.
ناهيكم عن ذلك؛ نحن نعيش في عصر "حلول المضاربات". زاد أعداد الغشاشين الذين يبيعون دوراً في صفوف ماكدونلتس. فيقف أحدهم في الدور وعندما يتقدم إلى الصفوف الأمامية يقوم أصدقاءه بعرض دوره لأولئك المتعبين المنهكين مقابل عدد من الروبيلات الروسية. إنه شيء معيب جداً. ولكن بعد كل هذه المدة ولأول مرة أعترف أنني عملياً استفدت عدة مرات من هذه الظاهرة التي لطالما نبذتها اجتماعياً.
فلنأتي إلى السياسة:
إن شركة ماكدونلتس, التي تعتبر الشركة الأغنى عالمياً ضمن مجالها (كانت في المرتبة الأولى في تلك الفترة والآن هي في المرتبة الثانية بعد شركة صابوي Subway), وضعت عينها على الاتحاد السوفيتي. دعوني أكرر هذا المقطع بصوت عالٍ؛ "وضع الأميركيون عينهم على الاتحاد السوفيتي وخصوصاً على العاصمة موسكو وبالأخص على ساحة بوشكين التي تقع وسط المدينة".
أرادوا افتتاح فرع لماكدونلتس هناك. وكانت ثقتهم بنفسهم لدرجة أن الفرح الذي سيفتتحونه سيكون أضخم فرع في العالم. ولكن ذلك غير جائز. فنظمت المظاهرات والفعاليات وحملات الرفض.
- لن نسمح بدخول الإمبرياليين إلى ساحة موسكو.
كان الاتحاد السوفيتي يتصدع, ولكنه لم ينهر بعد.
31 كانون الثاني 1990:
هزم "الرفاق". أنشأ الإمبرياليون في وسط ساحة بوشكين فرعا ضخما لماكدونلتس بحجم ملعب كرة القدم. "اللعنة على أولئك العملاء المحليون". نعم اللعنة عليهم ولكن الفتيات لا يريدن الذهاب إلّا إلى ماكدونلتس.
وقف أحد أصدقائي البولشويين ليزأر أمامي:
- أنت سابقاً كنت شيوعياً. كيف تذهب إلى ذلك المكان؟ ألم تخجل من نفسك؟
- أنا... أساساً أنا لم أذهب لوحدي... أقصد أن ... عندما أصروا كثيراً اضطريت أن...
- أيها العميل المتعاون.
- لا تحمل الموضوع أكثر من اللازم. دعنا نعيش حبنا بحرية في عمرنا المتوسط كتعويض لمرحلة شبابنا التي ذهبت هدراً.
- قلت حب أليس كذلك!؟ حب في الأمكنة الإمبريالية!
- نعم. إن طعم الحب الإمبريالي مختلف جداً.
- يا للأسف.
الآن أنتم تتساءلون من أين ظهر هذا الموضوع؟ فلأقص لكم:
زادت قوة ماكدونلتس في روسيا منذ عام 1990 لدرجة أنه نسي الجميع تلك الفطائر والمأكولات الروسية التقليدية المحلية، كان نوعا مختلف من المطاعم. وكان يقدم الهدايا والألعاب المجانية للأطفال. وكانوا يستقبلون الناس بعبارة "أهلاً وسهلاً" على مدخل المطعم ويودعونهم بعبارة "دمتم بخير" على مخرجه. ولم تكن تنقص الابتسامة عن وجوههم. هذه الأشياء لم يكن يعتد عليها السوفيتيون/الروس. (مع أن هذه الابتسامة وهذا الترحيب والتوديع اختفت مع الزمن. تحول ماكدونلتس إلى عنصر روسي. ولم يتردد بفتح صناديقه المغلقة كي تذوب الزحمة البشرية بسرعة).
بات الروس الذين يقصدون مدينة أنطاليا السياحية يقولون لأولادهم: "انظروا! إنه ماكدونلتس كالذي لدينا منه في روسيا". اليوم يوجد في مدن وبلدات مختلفة من روسيا 424 فرع ماكدونلتس. ولكن مؤخراً هم في ورطة. بعد توتر العلاقات بين روسيا والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية, يقوم الغرب بتطبيق عقوبات اقتصادية وتجارية باستمرار على روسيا. الموضوع مهم جداً. بطبيعة الحال لا يقف الكرملين متفرجاً على ما يحدث. فهو بدوره أيضاً أثار موضوع العقوبات العكسية. (بالمناسبة إن الشعب التركي الذي لم يكن جاهزاً لأمر كهذا فرح جداً كونهم كانوا يفكرون في بيع الخضار والفاكهة واللحم والحليب إلى روسيا وبذلك سيصبحون أثرياء ضمن فترة قصيرة).
إن العقوبات من الطراز الروسي تشمل أيضاً شركة ماكدونلتس. في هذه الأثناء يتم التدقيق في كافة فروع الشركة في جميع أنحاء البلاد. وحتى هذه اللحظة أغلق مؤقتاً 4 فروع لها في العاصمة موسكو.
فنظام العقوبات الروسية يعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل. فهناك قادة عندما يضعون العقوبات ينتهي الكلام. فمثلاً هناك من يمنع الهياكل والدخان والمشروب وبعض البرامج التلفزيونية (إشارة إلى الحظر الذي يطبقه أردوغان). بالعودة إلى روسيا; فمثلاً عندما توترت العلاقات الروسية اللاتفية، قام كينادي أونيشتشنكو كبير الأطباء الروس في مختبر مراقبة المنتجات الغذائية بإصدار بيان يقول فيه أن الجبنة اللاتفية مضرّة بالصحة. في نفس العام توترت العلاقات الروسية الجورجية واشتعلت الحرب عام 2008. وفجأة يكتشف أونيشتشنكو أنه يوجد مواد مضرة للصحة في المياه الغازية والمشروبات الروحية الجورجية. حصل توتر عام 2009 بين روسيا وبلاروسيا فصرَّح أونيشتشنكو أن "الحليب ومنتجات الأبقار التي تأتي من بلاروسيا قليلة الجودة ولا تتناسب مع شروط الجودة الروسية". العام الماضي تمرّدت مولدوفيا على روسيا فقام أونيشتشنكو أولاً ثم أنّا بوبوفا التي حلّت مكانه ثانياً بتصريح يقولون فيه أن التفاح والإجاص والكرز والدراق والمشمش الذي يستخدم في المشروبات المولدوفية التي تأتي إلى روسيا لا تحتوي على المواد الغذائية الكافية التي يجب أن تتوفر فيها. وبعد كل هذا عندما اشتعلت الحرب بين روسيا و أوكرانيا قامت روسيا بوضع المنتجات الغذائية الأوكرانية والبولونية على القائمة السوداء ومنعت استيرادها. والآن أغلقت فروع ماكدونلتس بحجة أن شروط النظافة غير كافية.
عندما أقوم بالتصفح في الصحف الروسية أواجه باستمرار عبارات مثل: "إذا اضطر الأمر سوف نتخلى عن جميع منتجاتهم. نحن لا نحتاج إلى الهمبرغر ولا نحتاج الكوكاكولا، نحن بحاجة إلى روسيا قوية لا تهتز ولا تحني رأسها لأحد"
هناك عبارة ما زلت أذكرها منذ أيام الدراسة: "الكوكاكولا، الأناناس, هذه الأشياء ليست من ثقافة البروليتاريا، هذه عادات برجوازية".
الآن لن أتساءل إذا كان هناك أشخاص في روسيا يفكرون بطريقة أخرى أو يعارضون هذه العقوبات وكني سأقول: "اللعنة على أولئك العملاء المحليين".
وهنا أعود وأكرر بصوت عالِ: اللعنة على الحب الإمبريالي.
عن موقع: T24
الجمل
إضافة تعليق جديد