لهذه الأسباب الأسد مرتاح معنوياً
يقول زوّار دمشق إنّ الرئيس السوري بشار الأسد يعيش حالة معنوية عالية، سببها حسب ما تقول اوساطه، إن قواته تحرز تقدماً ملموساً على الأرض، فيما المعالجات السياسية تتجه أكثر فأكثر لمصلحة الإقرار بقوة النظام واستمراريته.
ومن مظاهر هذه الحالة المعنوية عند الاسد، أنه فتح باب الاستقبال لوفود عربية واقليمية ودولية متعددة، محاولاً من خلال هذه الخطوة أن ينفي ما تُصوره "البروباغندا" الإعلامية من أن معارضيه المسلحين قد إقتربوا من القصر الجمهوري، فيما هو يدير البلاد من هذا القصر بنحو طبيعي.
لكن المصدر الحقيقي لراحة الأسد، حسب زوار دمشق، يعود الى شعوره بأنه قد أحرز مجموعة نقاط لمصلحته هي:
ـ أولاً، تماسك واضح في بنية الدولة السورية في الداخل والخارج. فعلى رغم من أن عدداً غير قليل من الضباط والعسكريين قد إنشقوا عن الجيش، لكن وحدة عسكرية كاملة (سرية، كتيبة، فوج، لواء، فرقة، فيلق) لم تنشق.
كما أن الجسم الديبلوماسي، وهو مقيم خارج سوريا، لم يتعرض لأيّ انشقاق يٌذكر، على رغم عروض ومغريات متعددة يتحدث عنها النظام السوري قُدمت للعاملين في السلك الديبلوماسي ليعلنوا انشقاقهم.
ـ ثانياً، واقع المعارضة المتشظي، فلا جسم سياسياً واحداً لهذه المعارضة ولا جسم عسكرياً، بل على العكس من ذلك، فإن التراشق يتصاعد بين معارضي الخارج، والاشتباكات تتوالى بين مقاتلي الداخل. ويتندر مسؤولون في دمشق باشتباكات جرت في سجن رومية في لبنان بين عناصر من "فتح الاسلام" إنضمت الى "جبهة النصرة"، وبين ضابط معتقل ينتمي الى "الجيش السوري الحر".
ـ ثالثاً، التحول المتدرّج في الموقف الاميركي، والذي بلغ ذروته بإعلان الرئيس باراك أوباما في خطاب "حال الأمّة" الأخير أنه متجهٌ الى الانكفاء لمعالجة قضايا الداخل، وأنه يدعم التسوية السياسية لكل المشكلات الإقليمية القائمة.
وقد بدأ هذا التحوّل، منذ أن تقدم شعار مكافحة الإرهاب داخل الأولويات الاميركية مجدداً. وهو شعار تُرجِم رسمياً بإدراج "جبهة النصرة" في لائحة الإرهاب.
وتتوقع دمشق ان يشهد لقاء القمة المنتظر بين اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين نوعاً من التسليم الاميركي بالحل الروسي للأزمة السورية، وهو حل يرتكز الى وثيقة جنيف التي تتحدث عن مرحلة انتقالية في وجود الأسد لا في غيابه.
ـ رابعاً، التراجع الواضح في الاهتمام الأوروبي بالأزمة السورية. ففرنسا غارقة في مالي، ولندن غير مستعدة لتسليم مبنى السفارة السورية للمعارضة على غرار ما فعلته قطر.
ـ خامساً، التصدع المتنامي في جبهة القوى الدولية الخارجية المناهضة للنظام السوري، فأزمة مالي أظهرت انقساماً بين فرنسا وقطر، والإنتقادات الديبلوماسية الاميركية لسياسة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تزايد، وموقف دول الخليج، ما عدا قطر، من جماعة "الإخوان المسلمين" يترك آثاره على العلاقات مع النظامين المصري والتونسي خصوصاً.
لكن العامل الرئيسي في الحالة المعنوية للأسد، حسب ما يقول زوار دمشق، تكمن في إحساسه بأن شرائح واسعة من الشعب السوري، قد بدأت تُدرك مخاطر ما يجري، بحيث لم يعد الأمر إستهدافاً لرئيس أو نظام، وإنما سوريا البلد، ما جعل تظاهرات تنطلق ضد المسلحين في مناطق سيطرتهم واحتجاجات على ممارسات هؤلاء المسلحين، خصوصاً الخطف على الهوية، وهو أمر لم يعرفه السوريون سابقاً، بل إنه دخل مع المسلحين الأجانب الى بلادهم ومجتمعاتهم.
ويروي زوار دمشق ان مجموعات كبيرة من المسلحين والمواطنين السوريين، قد بدأت تتصل بالسلطة وعبر لجان المصالحة الوطنية لتعلن انضوائها تحت لواء الدولة.
ناهيك عمّا نُقل أخيراً عن حوار حصل بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمعارضة السورية توصل من خلاله رئيس الديبلوماسية الروسية الى اقتناع بأن هذه المعارضة غير مؤهلة، وغير قادرة على الدخول في حوار سياسي، بل إنها تصعّد من شروطها لإدراكها أنها غير مسيطرة على الأرض.
فأرض المعارضة في سوريا بدأت تميل لمصلحة "جبهة النصرة" التي، وإن كانت الأكثر شراسة في الميدان، إلاّ أنها الأكثر جهلاً بطبيعة المجتمع السوري وتنوعه، وبرفض القوى الغربية والاقليمية لأيديولوجيتها التي تستطيع أن تُفجّر المجتمع السوري، ولكنها لا تستطيع أن تحكمه.
فهل هذه الانطباعات التي يتحدث عنها زوار دمشق مطابقة للواقع؟ أم انها تعبّر عن رغبات وأمانٍ؟
هذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة.
طارق ترشيشي - الجمهورية
إضافة تعليق جديد