مؤتمر لبنان في الدوحة: من هي الأطراف الثالثة التي تحرك الخيوط
الجمل: قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في عام 1975م كانت بيروت عاصمة المؤتمرات في الشرق الأوسط وكانت جميع الأطراف الشرق أوسطية المتنازعة تأتي إلى بيروت لعقد اللقاءات والاجتماعات والتفاهمات التي تحل خلافاتها، ولكن بفضل انخراط بعض الأطراف اللبنانية في مسيرة التبعية لمحور واشنطن – تل أبيب فقد مد القدر لسانه طويلاً للساسة اللبنانيين الذين حملوا أوراقهم وهرولوا على عجل إلى العاصمة القطرية الدوحة على أمل حل خلافاتهم الداخلية، فهل ستنجح الدوحة في حل الخلافات اللبنانية (الوطنية) – اللبنانية (الأمريكية - الإسرائيلية) أم أن للصورة شكل آخر وخلفية أخرى غير التي تبدو لنا ظاهرياً؟
* جدول أعمال الدوحة: ماذا يتضمن؟
يهدف جدول أعمال الدوحة إلى محاولة توصيل الأطراف اللبنانية المتنازعة إلى الاتفاق حول نقطتين:
• كيفية اقتسام المقاعد في مجلس الوزراء الجديد القادم.
• كيفية الاتفاق حول قانون الانتخابات البرلمانية الجديد.
وتشير التحليلات إلى أن التوافق اللبناني – اللبناني حول هاتين النقطتين سيمهد السبيل أمام البرلمان اللبناني للعودة للانعقاد واستئناف جهوده التشريعية والتي تأتي في مقدمتها انتخاب الرئيس اللبناني الجديد العماد ميشيل سليمان قائد الجيش اللبناني الحالي باعتباره الطرف الذي وافق فرقاء الأزمة على اعتماده مرشحاً توافقياً لشغل منصب الرئاسة الخالي بسب تصاعد الخلافات بين قوى 14 آذار المرتبطة بأمريكا وإسرائيل وقوى 8 آذار الحليفة لسوريا، وبحسب ما هو معروف أصولاً فإن العماد سليمان بمجرد انتخابه رئيساً للجمهورية فإن أول مهامه الدستورية سيتمثل في تشكيل مجلس الوزراء اللبناني الجديد الذي سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً على فؤاد السنيورة أن يتولى رئاسته في ظل الخلافات الجارية حالياً.
* المسار الشكلي "المعلن" لجدول أعمال الدوحة:
حتى الآن وبحسب ما هو معلن فإن الأطراف اللبنانية ستجتمع لتناقش إمكانية التوافق حول الآتي:
• حكومة الوحدة الوطنية: من المعروف أن الاختلاف حول مقاعد مجلس الوزراء الحالي قد لعب دوراً كبيراً في نقل الصراع إلى مرحلة المواجهة بالوسائل السياسية، بعد أن تخطى بسبب حرب صيف العام 2006م مرحلة الحرب الباردة والمنخفضة الشدة إلى مرحلة الحرب الباردة مرتفعة الشدة، التي تم خلالها تبادل التصريحات والاتهامات بين القوتين الرئيسيتين 14 و8 آذار.
الأزمة حول قسمة السلطة التنفيذية بدأت في نوفمبر 2006م عندما رفضت قوى 14 آذار المسيطرة منح المعارضة حق ممارسة الفيتو داخل مجلس الوزراء الأمر الذي ترتب عليه استقلال وزراء حزب الله وحركة أمل من المجلس وإعلان المعارضة اللبنانية عدم شرعية الحكومة.
وفي كانون الأول 2006م صعدت المعارضة حملتها ضد الحكومة باستخدام سلاح المظاهرات والاعتصام وغير ذلك من حركات الاحتجاج المدني، وفشلت كل محاولات احتواء الخلاف وتمسكت المعارضة بالتقسيم الثلاثي لعضوية مجلس الوزراء الذي يتضمن ثلثاً للتحالف الحاكم، وثلثاً للتحالف المعارض، وثلثاً يعينهم رئيس الجمهورية، وقد رفضت قوى 14 آذار مراراً وتكراراً هذه الصيغة وبرغم ذلك فإن اجتماع الدوحة سيتطرق للأمر.
• قانون الانتخابات البرلمانية: تم إجراء آخر جولة انتخابية لبنانية عام 2005م بعد انسحاب القوات السورية عقب اغتيال الحريري وصدور قرار مجلس الأمن الدولي واستطاعت قوى 14 آذار المرتبطة بأمريكا وإسرائيل السيطرة على البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء.
تداعيات اغتيال الحريري وخروج القوات السورية أدت إلى إعادة اصطفاف الساحة السياسية اللبنانية ضمن:
* منظور شكلي ظاهري معلن بين حليف لسوريا ومعادٍ لها.
* منظور حقيقي غير معلن بين أصحاب التوجهات الداعمة للمقاومة الوطنية اللبنانية وتيار المطالبين بالانفتاح على إسرائيل وأمريكا.
ولسوء حظ قوى 14 آذار الساعية للانفتاح على إسرائيل وأمريكا إن جاء العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً في صيف العام 2006 بمثابة القشة التي قصمت ظهر أغلبية قوى 14 آذار بما ترتب عليه إعادة اصطفاف الرأي العام اللبناني إلى أغلبية داعمة لخيار المقاومة وأقلية داعمة لتيار قوى 14 آذار، ويجب أن يتفق الطرفان في اجتماع الدوحة على كيفية قيام الانتخابات البرلمانية المحدد لها القيام في عام 2009م، ولكن الطرفين يختلفان حالياً حول حجم الدوائر الانتخابية وترسيم حدود هذه الدوائر.
وتجدر الإشارة إلى أن مقاعد البرلمان اللبناني الحالي البالغ عددها 128 مقعداً يتم اقتسامها مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين وفقاً لما نص عليه اتفاق الطائف.
* انقلاب الدوحة: لعبة الأطراف الثالثة، إلى أين؟
سعت جامعة الدول العربية وأمينها العام على وجه السرعة إلى محاولة تخطي المراحل في حل النزاعات المتعارف عليها مثل إزالة المخاوف وإعادة بناء الثقة وغير ذلك، والسعي بدلاً عن ذلك إلى دفع أطراف الصراع إلى العاصمة القطرية. وبرغم ترويج أجهزة الإعلام اللبنانية والعربية والعالمية إلى اجتماع الدوحة باعتبارها "الطرف الثالث" فإن التحليل والاستقصاء يقول مؤكداً وجود أكثر من طرف ثالث لأن التحركات القطرية أو بالأحرى الدبلوماسية الوقائية القطرية لا يمكن أن تكون بمعزل عن تأثير العامل السعودي المرتبط بأمريكا أو تأثير العامل الأمريكي المرتبط بإسرائيل، واستناداً إلى حقيقة أن التحركات قد بدأت بواسطة الأمين العام لجامعة الدول العربية فإن الأطراف الثالثة الحقيقية التي تشرف على إدارة الصراع في اجتماع الدوحة هي:
• أطراف تمارس تأثير الطرف الثالث المباشر على الاجتماع وهي قطر والأمين العام لجامعة الدول العربية.
• أطراف تمارس تأثير الطرف الثالث غير المباشر من خلال الضغط على الاجتماع ضمن محورين: الولايات المتحدة من جهة والتي تمارس ضغوطها على 14 آذار وقطر والسعودية، والسعودية من الجهة الأخرى التي تمارس ضغوطها على 14 آذار وقطر أيضاً..
الدكتورة كافيه سيابي، العقيد السابق في الجيش الأمريكي والمحللة في الشؤون السياسية والإستراتيجية، أعدت تحليلاً نشرته صحيفة آسيا تايمز حمل عنوان «انقلابات وانقلابات مضادة» أشارت فيه إلى النقاط الآتية:
• تنفس لبنان الهش الصعداء بفعل تدخل الجامعة العربية التي لم تهتم وغضت النظر عن كيفية الانقسام والاستقطاب.
• تراجعت الحكومة اللبنانية وألغت قراراتها "المثيرة للجدل".
• على خلفية زيارة بوش إلى السعودية وإسرائيل بدا واضحاً أن اتهام السعوديين لحزب الله بأنه نفذ انقلاباً بإيعاز إيراني هو اتهام وتسمية مغلوطة.
• تجاهل السعوديون التسمية الصحيحة والتي هي: لقد نفذت الحكومة اللبنانية انقلاباً (بإيعاز أمريكي - إسرائيلي) ونفذ حزب الله انقلاباً مضاداً أحبط انقلاب الحكومة.
• التأكيد على أن انقلاب الحكومة اللبنانية كان بإيعاز أمريكي – إسرائيلي جاء على لسان المحلل السياسي الأمريكي المرتبط بإسرائيل توماس فريدمان في تعليقه الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية والذي حمل عنوان «حرب باردة جديدة» وتضمن التحديدات المغلوطة الآتية:
* وجود محاولة سورية إيرانية للاستيلاء على لبنان بواسطة حزب الله.
* اقتحم سفاحو حزب الله المناطق السنية في بيروت الغربية.
* ركز حزب الله على تحطيم وسائل الإعلام الأخرى بما يؤدي إلى انفراد ماكينة حزب الله بالساحة اللبنانية.
* يدعي حزب الله مقاومة إسرائيل ولكنه استخدم أسلحته الآن من أجل بيع لبنان لسوريا وإيران.
• تعمد الخبير الأمريكي فريدمان تجاهل دور حلفاء حزب الله في الأحداث ومنهم التيار الوطني الحر وحركة أمل.
• تعمد فريدمان تقسيم الساحة اللبنانية إلى "أشرار" وهو حزب الله وحلفائه، و"أخيار" هم جعجع والحريري وجنبلاط والسنيورة وحلفائهم.
واختتمت الدكتورة الأمريكية تحليلها قائلة أن حزب الله استطاع بعد نجاح انقلابه أن ينجز هدفه المتعلق بهزيمة قرارات قوى 14 آذار وحكومة السنيورة التي هدفت إلى:
• إضعاف قدرات حزب الله العسكرية.
• استهداف قيادات حزب الله.
• إضعاف مصداقية حزب الله السياسية.
وأضافت الدكتورة قائلةً بأن نجاح حزب الله هو السبب المباشر لحالة الحنق والغضب المصحوب بالإحباط الشديد في أوساط المفكرين والخبراء الأمريكيين المرتبطين بإسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد