الحكومة اللبنانية تقرّ بيانها الوزاري اليوم

04-08-2008

الحكومة اللبنانية تقرّ بيانها الوزاري اليوم

لم تنته ذيول السابع من أيار في بيروت نهائيا... ثمة تداعيات سياسية تحتاج الى ترميم، ولعل اقرار البيان الوزاري، اليوم، ونيل ثقة مجلس النواب في الأسبوع المقبل، تمهيدا لانطلاق صفارة العمل الحكومي، كلها عناصر مساعدة في ترسيخ مناخ التهدئة السياسية، في الأشهر المقبلة، قبل أن يقترب موعد الانتخابات النيابية، مع ما سيرافقه من اعادة شد العصبيات واستنفار الغرائز من أجل زيادة مقعد من هنا أو هناك.
وفي انتظار الثقة النيابية وما ستتركه من تداعيات ايجابية على مجمل الوضع العام، تشهد العاصمة، للمرة الأولى منذ مطلع العام ألفين وخمسة، حركة انتعاش اقتصادية تشهد لها عجقة السير في شرايينها والاقبال الكبير للسياح العرب، فيما كثفت قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني حركة الدوريات وضبط المخالفات، على أن تستمر عملية تطويق كل ذيول ومضاعفات أحداث السابع من أيار في العاصمة وبقية المناطق.
في هذا السياق، كان السؤال الذي يتردد بصورة مستمرة غداة ٧ ايار، حول تداعيات ما حصل على صعيد »تيار المستقبل«؟
أول التداعيات العلنية سيظهر اليوم مع تسلم وزير الداخلية السابق العميد حسن السبع، رسميا مسؤولية المنسقية العامة المركزية لتيار المستقبل على الصعيد الوطني، خلفا للنائب السابق سليم دياب الذي تقرر تكليفه بمهام أخرى على صعيد »التيار« ربما تكون على صلة بمجريات الانتخابات النيابية المقبلة.
تأتي خطوة تسليم السبع بعد أقل من ثلاثة أشهر على أحداث ٧ ايار وما تلاها من عملية تقييم واسعة شملت »التيار« مركزيا وكل مجالس المحافظات في بيروت والجنوب والبقاع (الغربي والأوسط والشمالي) وطرابلس وعكار واقليم الخروب، بالاضافة الى القطاعات التي تشكل جزءا لا يتجزأ من المنسقية العامة التنفيذية. وقد تجاوز التقييم الأحداث الأخيرة، ليشمل كل المرحلة التي تلت التأسيس الرسمي (في آب ٢٠٠٧) وقبله عملية التأسيس الفعلي في مطلع العام .٢٠٠٦
والجدير ذكره أنه بحسب الترخيص الرسمي، تضم هيئة المؤسسين لجمعية »تيار المستقبل« كلا من: سعد الحريري رئيسا، نادر الحريري، غطاس خوري، سمير ضومط، فادي فواز، عبد الغني كبارة، سليم دياب، آرا سيسرايان.
وقد أخذت هذه الهيئة على عاتقها وضع نظام داخلي أوكلت الى شركة »ساتشي آند ساتشي« وضعه بالاضافة الى العلم الجديد لـ»التيار«، فضلا عن اعتماد برنامج الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي خاض على اساسه انتخابات العام ،٢٠٠٠ وفاز بكل مقاعد بيروت ليتولى بعدها تأليف حكومته الخامسة.
في الجزء السياسي من التقييم، انبرت أصوات للمرة الأولى تسأل عن مسؤولية الادارة السياسية لـ»التيار«، على الصعيد المركزي وخاصة دور الفريق المحيط بزعيمه الشاب النائب سعد الحريري وقدرته على توفير المعطيات السياسية الوازنة من جهة، وعكس النبض الحقيقي للشارع من جهة ثانية وتوفير التواصل الدائم مع الكوادر الوسطية ومن ثم القواعد من جهة ثالثة.
وقد أظهرت النقاشات أن زعامة سعد الحريري لم تتزحزح عمليا، خاصة أنه كان مبادرا في كل الجلسات التقييمية التي أدارها، حول »مسؤوليته أولا وأخيرا عما حصل«، لكن اعادة تفويضه بعملية البناء والترميم كانت متصلة بمدى قدرته على اعادة نظر جذرية، »بمعنى أن لا يصار الى تحميل مستوى ما في »التيار« مسؤولية ما حصل، واجراء تغييرات على هذا الأساس، بينما تعفى حلقات ثانية، من المسؤوليات، خاصة على الصعيد المركزي« كما يقول عضو في مجلس محافظة بيروت.
ولعل التباشير الأولى، أحدثت نقزة، سواء بالاختيارات الوطنية أو بمقاربة دور الادارة السياسية المركزية وكذلك محاكمة »التجربة الأمنية« التي لم تحظ بتقييم كاف، لا بل ثمة منظومة مصالح تحاول اعادة الاعتبار الى شركة »سكيور بلاس« على الرغم من الكلفة المادية الباهظة التي كلفتها في المرحلة السابقة وفشلها الذريع في مهمتها، وتحولها الى عبء حقيقي على »التيار«!
ومن الملاحظ أن الجزأ الأكبر من التقييم السياسي تمحور حول جدوى »القرارين الأسودين«(الاتصالات والمطار) كما اسماهما أحد الناشطين، فيما أسماهما آخرون »القرارت الملتبسة«، و«ما هي المعطيات التي جعلت الحكومة تنتقل الى خيار المواجهة«، علما بأنه كانت هناك فرصة لالتقاط الأنفاس وعدم الاندفاع، ولماذا كان »التيار« مطمئنا الى حدود الثقة المطلقة بأن »حزب الله« لن يقدم على »مغامرة عسكرية أو أمنية في العاصمة، واذا أقدم، فلن يتحمل كلفتها لا بل ستكون هناك قدرة ليس على صده بل على ردعه«... بينما جاءت الوقائع مُرة للغاية وأظهرت أن هناك »كذبة كبيرة« اسمها جيش »سكيور بلاس« وبنيته »التي تأتمر بأكثر من مركز قرار، وهل كان لزاما على أهل بيروت أن يصابوا باحباط لا مثيل له منذ سنوات طويلة نتيجة نزق أو سوء تقدير البعض« على حد قول أحد الناشطين؟
لم تلامس النقاشات في مجالس المحافظات مسألة التحالفات داخل فريق الرابع عشر من آذار، ولعل العبرة التي يمكن استخلاصها أيضا أن ثمة تفويضا مفتوحا للنائب الحريري في هذا الاتجاه. هذا الأمر يسحب نفسه على الانتخابات النيابية المقبلة وامكان احداث تعديلات في بنية منسقي المحافظات التي تتوزع حاليا كالآتي: منسقية بيروت (خالد شهاب)، منسقية طرابلس (عبد الغني كبارة)، الجنوب (يوسف النقيب)، اقليم الخروب (بسام عبد الملك)، عكار (حسين المصري)، البقاع الغربي (جهاد دسوقي)، البقاع الأوسط (ايوب قزعون) البقاع الشمالي (طارق العرب)، بالاضافة الى منصب مساعد المنسق العام المركزي الذي يتولاه حاليا صالح فروخ.
لعل المأخذ الرئيسي على المنسقية العامة أنها غرقت في العمل الوظيفي وابتعدت عن العمل السياسي، وفاقم الأمر ظاهرة الاغتراب بين القيادة والقاعدة لأسباب أمنية وغير أمنية، كما شكل غياب التعميم السياسي عنصرا سلبيا أفرز تغييبا للمعطيات السياسية ولو بحدها الأدنى عند الكوادر الوسطية.
وطرحت اشكالية غياب المساءلة السياسية على مستوى الادارة السياسية المركزية »وخاصة ضمن الفريق المحيط بسعد الحريري الذي حاصرته فعليا الاعتبارات الأمنية، وصار عقله السياسي عقلا انتقاميا وثأريا من الدرجة الأولى يتعامل مع المعطيات بمعايير شخصية بحتة« على حد تعبير أحد أعضاء مجالس المحافظات...
وفي هذه الأثناء، كان يجري التركيز على التنسيب الذي لم يتجاوز الأربعة آلاف عضو في بيروت وبين ثمانية وعشرة آلاف على المستوى الوطني، علما بأنه حصل تداخل كبير بين هؤلاء المنتسبين وجيش المنضوين في البنية الأمنية (الرقم نفسه تقريبا في بيروت والمناطق)، الأمر الذي أحدث اشكالية كبيرة على صعيد اتخاذ القرار في المنطقة والمحافظة، ما أدى الى افراز ظاهرة تشتت القرار لا بل تعارضه في بعض الأحيان.
كما أن معظم المنتسبين لـ»التيار« أو المنضوين في الشركة الأمنية (برتبة متفرغ أو »أنصار« أو آمر حظيرة أو قطاع... الخ) كانوا يفتقرون للتثقيف الحزبي السياسي (نموذج النظام الداخلي الذي لم يتم توزيعه حتى على أعضاء مجالس المحافظات والمناطق) بالاضافة الى البرنامج الانتخابي للعام ٢٠٠٠ الذي لا يتذكر كثيرون حرفا واحدا منه، من دون اغفال نجاح فئة من »الشبيحة« في التسلل الى البنية الأمنية و»نظام المكافآت« المعمول به، الى درجة أنها صارت تشتري المشكل أحيانا طمعا بترضية مادية ومعنوية، علما بأنه سجلت حالة فوضى في عملية توزيع السلاح الفردي أكثر من مرة، الى درجة أن البعض كان يبيع قطعته اذا كانت صالحة لمن يدفع له أكثر (تبين أن هناك اسلحة وذخائر متهالكة نهائيا)!
واذا كان انشداد النائب سعد الحريري نحو الانتخابات النيابية المقبلة، هو المعيار الأساس في عملية الترميم الحاصلة حاليا، فان ذلك يقتضي، من وجهة نظر بعض الناشطين، »أكثر من عملية ترميم شكلية تقتصر على بعض التعديلات التنظيمية. نحن بحاجة الى صدمة ايجابية تعيد الثقة بالخطاب السياسي وبالمشروع السياسي«.
يعتقد البعض أن الترجمة العملية تكمن في اعادة تزخيم علاقة الحريري بقواعد تياره في العاصمة والمناطق، كما حصل بعد أحداث أيار، وكذلك باختيار وجوه تعيد المصداقية وتطوير البنى التنظيمية واعتماد المساءلة والمحاسبة وتفعيل دور المؤسسات والقطاعات والأطر السياسية والأهلية في العاصمة والمناطق وطي ملف العمل الأمني تحت عنوان الشركات أو الحماية أو غيرها وجعل السقف الأمني والعسكري للدولة هو السقف الحامي للتيار وجمهوره وتشجيع أعضاء »التيار« على الانخراط في المؤسسات الأمنية والعسكرية وخاصة على مستوى الضباط في الجيش وقوى الأمن... الخ.
ولا تقتصر مطالب قواعد »التيار« على هذه القضايا، بل هناك مقاربة سلبية لمعظم الاختيارات في الحكومة الجديدة، وخاصة في العاصمة، وثمة مساءلة تتخطى »التيار« الى نوابه، وخاصة في العاصمة ممن عقدوا جلسة تقييم في »الريفييرا« قبل أربعة ايام مع مجالس المناطق والمحافظة في بيروت (لبى الدعوة أقل من خمسين بينما كان يفترض أن يحضر ١١٠) وخرج من شارك فيها بانطباعات سلبية جدا، عبر عنها أحد أعضاء الأمانة العامة المركزية بقوله لمن جاؤوه محتجين في قريطم »كونوا على ثقة بأن معظم نواب »التيار« سيشملهم التغيير باستثناء نائب واحد أو نائبين في بيروت«، وهذا الأمر يسحب نفسه على المناطق أيضا، ولم يكتف بذلك بل أشار الى الانطباعات السلبية ازاء عمل مجلس بلدية بيروت الحالي »وبالتالي كيف سنكون في العام ٢٠١٠ أمام مهمة اختيار مجلس بلدي جديد أيضا«.
التقييم الجاري حاليا، يتناول اسماء كثيرة مركزيا كما في المناطق، ويتمحور في جزء كبير منه حول دور بعض الضباط المتقاعدين في ما حصل وخاصة العميد م. ع. والعميد ح. ف. علما بأن قرار تعيين الوزير السابق حسن السبع اثار عند البعض أسئلة حول ما اذا كان النجاح في تجربة وزارة الداخلية يمكن أن يسحب نفسه بالضرورة على تجربة سياسية حزبية جديدة تواجه مجددا أسئلة التأسيس!
من جهة ثانية، ينعقد مجلس الوزراء عصر اليوم في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان، لمناقشة واقرار البيان الوزاري للحكومة، وينتظر الا تستغرق مناقشته اكثر من جلسة واحدة، على رغم تحفظات سيسجلها الوزير نسيب لحود ووزراء الكتائب و»القوات اللبنانية« الثلاثة على بند »حق المقاومة« واصرارهم على تضمين البيان عبارة »في كنف الدولة«.
وقالت مصادر وزارية ان التحفظ حق للوزراء لكن البيان الوزاري سيصدر بشبه إجماع ما يُلزم هؤلاء الوزراء بما تقرره الحكومة انطلاقا من مبدأ التضامن الوزاري، وحيث ان المجلس النيابي عند مناقشة البيان لمنح الثقة للحكومة لا يتوقف عند تحفظ لوزير ما، بل يلتزم بما يُفترض ان الحكومة اقرته مجتمعة.
وعلم ان الرئيس ميشال سليمان سيدعو الى مؤتمر الحوار بعد نيل الحكومة الثقة، فيما يرتقب ان تكون زيارته الى سوريا منتصف هذا الاسبوع (الثلاثاء أو الاربعاء)، وسيسبقها اتصال بينه وبين الرئيس السوري بشار الاسد العائد من طهران، ليتم تحديد موعد الزيارة ومواضيع البحث.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...