مسرحية «تكتيك» تضع الجرس في رقبة القط

18-12-2008

مسرحية «تكتيك» تضع الجرس في رقبة القط

غمز الفنان فايز قزق من قناة بعض النقاد الذين تناولوا مسرحية «تكتيك» من خلال عبارة مررها بإتقان في سياق حوار المسرحية التي لعب بطولتها وعرضت على مسرح الحمراء بدمشق منذ نحو شهر بتوقيع الفنان عبد المنعم عمايري، وقد نالت هذه المسرحية ما لم تنله أي مسرحية سورية أخرى من اهتمام النقاد والإعلاميين الذين توازعوا بين رافع إياها إلى مصاف المسرحيات الكبرى في المسرح السوري وبين خافس بها إلى مهاوي الفشل والتكرار واجترار الأفكار والتجارب السابقة 
 ورغم أقلام النقاد والبعض يراها «سكاكين» زحف الكثيرون إلى مسرح الحمراء في بداية عروض مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر لمشاهدة «تكتيك» عمايري مدفوعين بثقة كبيرة بتجاربه السابقة التي نال عليها جوائز مهمة في مهرجانات مسرحية متميزة خارج سورية و«تكتيك» التي ساهم في كتابتها الممثلون الذين أدوا شخصياتها حاول تشريح الحياة في المجتمع العربي مع مطالع قرن جديد وتبيان حالة الضياع والتشتت والهزة التي تعرضت لها الأسر العربية مع بدء موجة عولمة لم ترحم من خلال شخصية أب «يساري» مستهتر وأم هواها للغرب أقرب وكانت النتيجة ضياع ابنتها الوحيدة في السراديب والأزقة الرطبة التي جاءت نتيجة طبيعية لاهتزاز العالم أمام أطماع الهيمنة عليه وأثناء رحلة البحث عن الابنة الضائعة تلامس «تكتيك» معالم «العالم السفلي» الذي لجأت إليه «كنزة» مضطرة، لنرى شخصية «حربي» التي أداها باقتدار لافت الفنان قاسم ملحو هذه الشخصية التي كانت «سادن» هذا العالم الذي يعاقب سكانه بالعمل في الدعارة والمخدرات والسرقة والرقص على حبال الرغبات المكتوبة لدى الآخرين وشخصية «بيسان» الفتاة الفلسطينية التي نجت من مذحبة «صبر وشاتيلا» لتجد نفسها أسيرة هذا العالم الأحمر إضافة إلى شخصية شاب عاشق لـ«كنزة» يعيش حالة اهتزاز نفسي نتيجة معاناته الطويلة مع والده.
شخصيات «تكتيك» قلقة ضائعة مهزومة تضع قدماً في عالم القيم والمثل النبيلة والقدم الأخرى تضعها في العالم المقابل.
شخصيات تسوّغ حالة ضياعها وتشتتها وتضع اللوم دائماً على الآخرين أو على الأقدار أو على انحلال «الاتحاد السوفييتي»، شخصيات تبحث عن ذاتها في المكان الخطأ والزمان الخطأ، شخصيات نحتها الريح.. ريح الخواء والهروب من الواقع إلى الوراء حيناً أو إلى الأمام أحايين أخرى. شخصية «شمسي» التي لعبها فايز قزق تعيش في الماضي وأمجاده ترفض الحاضر وترى الهروب نجاة وترى أن اللون «الخاكي» هو سيد الألوان ودلالات هذا اللون معروفة وأمثال «شمسي» كثر رغم انسحابهم من مسرح الحياة أمام الأفكار الجديدة، أما شخصية «زهوة» الأم التي تركت ابنتها لتعيش حياة أخرى في باريس تفصلها وتلبسها كما تشاء فهي المعادل الموضوعي لكل الذين يرون في الغرب صورة الحياة المثلى والأرقى متناسين أن «ما يأتي من الغرب لا يسر القلب»، هذه العبارة التي وردت على لسان «بيسان» الفتاة الفلسطينية التي حاولت أن تذكرنا بما حدث في لبنان في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وبمشهديه مسرحية عالية تثبت قدرة «راما عيسى» وهي ممثلة شابة في الأداء رغم ورود معلومة خاطئة عن مذبحة «صبرا وشاتيلا» فالعصابات الصهيونية ليست هي من قامت بذبح الفلسطينيين بطريقة بشعة ومع ذلك نجا مرتكبوها من العقاب.
إن منكر الجهد الذي بذله أبطال «تكتيك» ومخرجها لكي يخرج هذا العرض المسرحي على أبهى صورة إما متعمداً ذلك وإما جاهلاً أو أنه «يهرف بما لا يعرف» فالمسرحية محاولة جادة واجتهاد وفق في نواح وفاته النجاح في نواح أخرى، وفّق عندما وضع الجرس في رقبة القط محذراً من حالة اللاتوازن التي يعيشها المجتمع العربي وتبنيه ثقافة وأفكاراً وقيماً هي في النهاية غريبة عنه وغير منتمية إليه متوقعاً انحدارها وتداعيها ولكن العرض أتخم بالأفكار الكبرى وحاول الإمساك بخيوط عدد من القضايا في وقت واحد فانقطع بعضها، فتزاحم الأفكار على خشبة المسرح قد يكون عامل إعاقة لوصول المبتغى منها للمشاهدين.
كما لم يوفق عمايري في اختيار أسماء شخصياته حيث لم تحمل أي دلالات قريبة من المعاني التي أراد إيصالها كما أن العرض لم يكن خالياً من بعد استعراضي كان كالحدبة في ظهر مسرحية أراد عبد المنعم عمايري أن تكون جرس إنذار، وأعتقد أن رسالته وصلت إلى أغلب الذين حضروا والتصفيق الذي كان يتخلل العرض يؤكد ذلك، لقد بدا عمايري في عرض «تكتيك» ممسكاً بكل عناصر العرض المسرحي مع محاولة تجديد شكل هذا العرض في سورية مع أن هذه المحاولة رأى فيها بعض النقاد طغيان الشكل على المضمون.
وبالعودة إلى مضمون المسرحية وما تطرحه أغفل عمايري بعض الشيء شخصية «كنزة» وهي لب العرض ولم يعطها مساحة بوح كافية، هذه المساحة التي أخذتها شخصية «بيسان» التي بدت في أحايين نافرة عن جسد المسرحية.
وكان لافتاً الأداء العالي للفنانين الذين حملوا العرض وكان واضحاً أنهم يتحركون في فضاءات واسعة وظهرت قدرة عمايري أكثر في لحظة انهيار العالم السفلي وخروج فتياته إلى فضاء الحرية الصافية التي تجلت بخروجهن من الخشبة إلى الصالة.
«تكتيك» أصبع أشار إلى الخراب الفكري الذي سيؤدي إلى انهيار أجيال كاملة هي عمود أمة يوجهها القلق شمالاً وجنوباً.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...