مشروع أوروبي لمحاكاة الدماغ
من المعلوم أن محاولات كثيرة أُجريت لمحاكاة دماغ الإنسان وفهم كيفية أدائه لوظائفه بغية الاستفادة منها في مساعدة الكثير من المرضى الذي يعانون إضطراباً في عمل الدماغ، بمن فيهم أصحاب الإعاقة الناجمة عن قصور دماغي. ونجحت بعض المحاولات، كتلك التي عمدت الى صنع كومبيوترات تتمتع بمستويات عالية من الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence بحيث صارت «تُقلد» بعض مناحي الذكاء الانساني. واستطاع بعض تلك الكومبيوترات، مثل «ديب بلو» و»ديب فريتز»، التغلب على البشر في لعبة الشطرنج. وصنع «ديب بلو» خبراء من شركة «أي بي أم» الأميركية، فيما خرج «ديب فريتز» إلى النور بفضل جهود خبراء ألمان في الذكاء الاصطناعي.
وراهناً، يعمل خبراء من ألمانيا وسويسرا في مشروع ضخم يهدف إلى تصميم نموذج إصطناعي لدماغ الإنسان. ويشارك في هذا المشروع الفريد من نوعه نحو 1000 باحث وخبير في علم «الإحياء بواسطة الكومبيوتر» («كومبيوتر أنيميشن» Computer Animation) الذي يُعتبر الأساس الذي ترتكز عليه تقنية «المحاكاة الافتراضية» Virtual Simulation. وفي لقاء مع قناة «دويتشه فيله» الألمانية، أوضح هنري ماركرام مدير المشروع أن الفريق العلمي المذكور «يرغب في إنجاز اختراع النموذج الأول عن محاكاة دماغ الانسان بحلول عام 2015. ويتضمن ذلك النموذج شبكة تضم بلايين التوصيلات التي تعمل على نقل المعلومات وفقاً لتفاعلات إلكترونية، بما يُشبه عمل الأعصاب». ويرتكز عمل الفريق على تجارب لفريق من الباحثين تُركزّ على رصد الخلايا العصبية في دماغ الفأر بهدف رصد تفاعلاتها وكيفية تبادلها للمعلومات، ثم تخزين تلك المعلومات في كومبيوتر لتحليلها بغية الاستفادة منها في بناء النموذج المنشود.
وتجرى عملية البناء بالاعتماد على الرقاقات الإلكترونية التي تشكل حجر البناء الأساس للذكاء الإصطناعي عموماً. ويحاول العلماء خصوصاً تقليد عمل تجمّعات عصبية تلعب دوراً أساسياً في عمل الدماغ. ويقدر عدد تلك التجمّعات بحوالى المليون في دماغ الإنسان الطبيعي. ويبلغ طول الواحد منها ملليمترين في حين يبلغ قطرها نصف ملليمتر. ولأن إنتاج محاكاة إصطناعية عن تلك التجمعات يتطلب جهداً خارقاً، طوّر الفريق العلمي الألماني- السويسري كومبيوتراً كفياً مُساعداً، أطلق عليه اسم «بلي جين» Blei Gene. وبيّن ماركرام أن إنجاز النموذج المُحاكي للدماغ سيحفز الأبحاث العلمية عن عمل المخ، كما سيُقدّم أداة مهمة لفهم كثير من الأمراض النفسية. وقال: «لا يوجد مرض نفسي نعرف أسبابه بالكامل حتى الآن... ربما يساعدنا الكم الهائل من المعلومات التي نجمعها في الكشف عن هذه الأسباب، وعندها يمكن إنقاذ الآلاف من معاناة الأمراض النفسية».
وفي سياق متصل، تحدث جون ديلن هينس، المتخصص في علم النفس، إلى قناة «دويتشه فيله» أيضاً عن أبرز التحديات التي تواجه هذا الفريق قائلاً: «استطعنا حتى الآن، لا سيما من خلال البحوث التي نجريها في «مركز آينشتاين» في برلين، إجراء محاكاة معقدة للذكاء البشري... ونحن لا نُجري تلك المُحاكاة من أجل صنع ألعاب فيديو ولا لتقليد عمليات حسابية مُحدّدة، بل نسعى لمحاكاة الممارسات اليومية المتغيرة التي يديرها الدماغ في الحياة اليومية للكائن الانساني». ورداً على سؤال عن إمكان معرفة ما نفكر به على ضوء البحوث والتجارب التي ينهض بها الفريق الألماني- السويسري، أوضح هينس أنه «يمكننا التنبؤ بأفكار محددة تدور في ذهن الشخص، ولكن تنبؤاتنا لا تصيب مئة في المئة. ومع ذلك ربما توصلنا الى امتلاك القدرة على معرفة أفكار يرغب المرء في إخفائها من خلال تحليلنا لنشاط دماغه! فمثلاً يمكننا التنبؤ بالألوان التي يحبها أثناء شرائه لملابسه، كما يمكننا الكشف عن مدى صدقه أو كذبه في حالات كثيرة».
عفراء محمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد