مصر: «مليونيتان» هادئتان ومرسي يواجه تمرداً قضائياً

12-12-2012

مصر: «مليونيتان» هادئتان ومرسي يواجه تمرداً قضائياً

مرّ يوم أمس على مصر بسلام، إذ لم يحدث الاشتباك الذي تخوّف منه كثرٌ بين «المليونيتين» المتجاورتين للتيارين المدني والإسلامي قرب قصر الاتحادية الرئاسي في القاهرة.
ومع بدء العد العكسي للدستور، بدا الأفق مسدوداً أمام أي حل سياسي، في ظل تمسّك «الإخوان المسلمين» ورئيسهم محمد مرسي بإجراء الاستفتاء على الدستور في موعده يوم السبت المقبل، في مقابل تمسك «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارِضة بتأجيل الاستفتاء إلى حين التوصل إلى وضع مسودة دستور توافقي، فاجأ الجيش المصري الجميع – بمن فيهم «الإخوان» – عندما دعا وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، إثر اجتماع مع وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، قوى المجتمع المصري كافة إلى المشاركة في حوار وطني اليوم في القرية الأولمبية التابعة لسلاح الجو المصري، ما أربك الرئاسة المصرية التي صدرت عنها مواقف متضاربة بشأن هذه الدعوة، التي عادت المؤسسة العسكرية لتوضح أنها لقاء لـ«لم ّالشمل». دبابات للجيش قرب القصر الرئاسي في القاهرة أمس (أ ب)
وفي ظل هذا المشهد المعقد، رفع قضاة مصر مستوى التحدّي في وجه مرسي، إذ جدد نادي قضاة مصر رفضه الإشراف على الاستفتاء - وهو ما قابلته الرئاسة المصرية ليل أمس بإصدار قرار جمهوري يقضي بإجراء الاستفتاء على مرحلتين يومي 15 و22 كانون الأول بسبب «نقص القضاة» - فيما برز موقف لافت من إحدى المحاكم المصرية، بأن رفضت النظر في قضية أرسلها إليها النائب العام الجديد لأنها لا تعترف بشرعيته.

- 1 -
الطريق مسدود
الجيش آخر من قالها أمس، والخطير أنه قالها بعد اجتماع بين وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية اللواء احمد جمال الدين. قالها عبر دعوة كل القوى السياسية إلى لقاء اليوم.

الدعوة أربكت الرئاسة، خاصة أنها بتوقيع الفريق السيسي، وبعيداً عن القائد الأعلى (الرئيس محمد مرسي)، وهنا بدأت متلازمة الارتباك، بداية من نفي وجود الدعوة، ومروراً بإعلان أنها برعاية من الرئيس، وانتهاء بقبول الرئيس حضور الدعوة في القرية الأولمبية التابعة للدفاع الجوي، وذلك بعدما هذّب اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع مضمون الدعوة لينفي أنها «حوار سياسي»، ولكنها «لقاء تواصل إنساني واجتماعي.. «لجمع» شمل الأسرة المصرية».
وحتى كتابة هذه السطور فإن محاولة امتصاص الدعوة أو إفراغها من التأثير اقتصر على تغيير أو تهذيب الصياغات التي مهما كانت فإنها تعبر عن رؤية الجناح الأمني للسلطة بأن الطريق مسدود... وهو تأكيد على أن الرئيس لم يعد مسيطراً، وإنما هو طرف في نظر مؤسساته الأمنية، بعدما فشلت كل محاولاته في امتصاص غضب الملايين التي تحاول توقيف مخطط الجماعة في وضع أساس الدولة الإخوانية بتمرير الدستور بكل ما يملك مرسي من صلاحيات وعناد.
العناد الرئاسي يشبه السور العالي الذي بناه سلاح المهندسين حول قصر الاتحادية، لكن شباب الثورة حطّموه بالتدريج... واعتلوه ليقولوا للمقيم في القصر: نحن هنا.
إنها المرة الأولى التي يحدث فيها توازن بين الرئاسة والمجتمع، لتقف المؤسسات الأمنية في موقع الفرجة.
إنها لحظة تاريخية تلك التي تقف المؤسسات الأمنية فيها على الحياد.
ـ2 ـ
الدولة القديمة تتفكك
... وبرغم كل شيء فإن ما عجزت الثورة عن تحقيقه عبر تغيير القوانين فإنها تمارسه بالواقع أو بقوة الروح الثورية التي لا تنتظر أحداً، لا الجيش، ولا غيره، وهذا ما جعل الردّ الأول على دعوة السيسي من الثوار: الرفض والشعور بالريبة أو بالغضب من عودة الجيش إلى واجهة المشهد، برغم التعبيرات البراقة عن هذه الدعوة، والتأكيد أنها ليست رغبة في العودة إلى السياسة.
الدعوة تقول: الجيش سيعود حَكَماً بين الرئيس ومؤسسات الدولة والمعارضة، وليس حاكماً، أو ساعياً إلى الحكم، هكذا يقول المنطق السياسي الذي يرى أن الانسحاب من الواجهة كان من أجل ترميم المؤسسة بعد الهزات التي تعرضت لها بسبب الإدارة الكارثية للمرحلة الانتقالية... والمنطق ذاته يقول إنه حتى لو كان لدى الفريق السيسي طموح شخصي فإن هذه ليست اللحظة المناسبة، لأنها ستضعه في مواجهة مع جماعة تحارب حربها الأخيرة (والمتوقع أن الأزمة لو انتهت بحسب سيناريو الإخوان فإن السيسي سيفقد موقعه غالباً برغم كل ما قيل عن إخوانيته).
السيسي أربك الجماعة ومندوبها، الذي برغم الإعلان عن حضوره لقاء القرية الاولمبية، فإن هذا ليس قراراً نهائياً، وسيخضع لحسابات الجماعة التي لم تتوقع الضربة، تحاول الآن استيعابها، لأن الأمر هنا سيتجاوز اللقاء إلى منطقة أخرى تضعف فيها قبضة الرئيس أو قدرته على تحقيق «الضربة القاضية».
ـ 3 ـ
لا يشعر مرسي بالأمان إذاً..
فالقصر الرئاسي الآن تحت إدارة أهل الثقة، بداية من بوابات الدخول، وإلى الحماية الشخصية، الرئيس أسير في قصره، وفي عداء مع كل المؤسسات التي قسمها بضرباته العشوائية إلى درجة أن رئيس محكمة جنح الأزبكية رفض النظر في قضية أرسلها النائب العام، واعتبره غير ذي صفة، أي ان المحكمة لا تعترف بشرعية النائب العام الجديد لتعيينه في ظروف غامضة.
رئيس المحكمة هو المستشار محمود حمزة الذي تعرّض للاعتداء من قبل قوات الأمن أثناء أزمة القضاة مع الرئيس حسني مبارك سنة 2006. وفي حيثيات رفض الدعوى قال ان قرار رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي بإقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرار غير شرعي، واعتداء على السلطة القضائية، وإن تعيين النائب العام الجديد جاء مخالفاً للقانون.
بهذا الحكم انتقل الخلاف بين الرئيس ومؤسسة القضاة إلى مرحلة متقدمة، ولم يعد الانقسام على مستوى تعطيل العمل أو رفض المشاركة في الإشراف على الاستفتاء بنسبة تفوق الـ90 في المئة من نوادي القضاة على مستوى مصر.
قضاة مرسي يقودهم وزير العدل ونائب الرئيس، ويصرون أنهم قادرون على توفير القضاة اللازمين ولو اقتضى الأمر إلى إجراء الاستفتاء على أيام عدة.
العناد يقسم مؤسسات الدولة، هذا السلبي، لكنه أيضاً يفكك قبضة الرئاسة على كل المؤسسات، وهو الإيجابي في أزمة تضع شركة الحكم الحالية (الإخوان والجيش وأميركا) على محك عدم السيطرة أمام ما تريده الثورة.
شركاء مرسي ظهروا اليوم عبر شخصية اللواء العصار، أهم جسور العلاقة الوثيقة بين المؤسسة العسكرية والولايات المتحدة، وهو احد عرابي الشركة الجديدة، والوحيد الباقي من تركيبة المجلس العسكري التي أدارت مصر أثناء المرحلة الانتقالية.
ظهور العصار بعد غياب طويل هو علامة استنفار شركة الحكم للدفاع عن دولتها ولو على حساب الشريك أو بتحجيمه على الأقل.

وائل عبد الفتاح

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...