مصر: حشد وحشد مضاد يسبقان 30 حزيران
دخلت مختلف الأطراف المصرية في مرحلة رص الصفوف والحشد وخداع الخصم قبل التظاهرات الداعية إلى إسقاط الرئيس محمد مرسي في 30 حزيران، مع استمرار أمل ضعيف في تجنب المواجهة الدامية عند نهاية الشهر، عبر أحد خيارين، أولهما أن يستبق الرئيس محمد مرسي الأحداث ويدعو الشعب إلى استفتاء على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وثانيهما، أن تقضي إحدى المحاكم المصرية بذلك، بعدما بدأ بعضها يتلقى دعاوى تطالب باستفتاء كهذا، وأخرى تطالب بإجراء الانتخابات مباشرة (أي من دون الحاجة إلى استفتاء الشعب على ذلك).
في الحشد والتأمين، أبرزت وسائل الإعلام والصحف ما سمي بـ«خطة البروج المشيّدة لتأمين الاتحادية». وذكرت أن الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية رئيس الجمهورية وضعت خطة موسعة لحماية قصر الاتحادية ـ المقر الرسمي لرئيس الجمهورية ـ في تظاهرات 30 حزيران. وكشفت عن أن «قوات الحرس الجمهوري ستغلق 14 شارعاً حول القصر بالجدران الخرسانية والأسلاك الشائكة، قبل أسبوع من موعد التظاهرة، وأن «تعليمات صدرت بعدم التعامل مع أي متظاهر أو إطلاق أي أعيرة نارية، حتى لو حدثت اشتباكات مع الأمن المركزي، ما دام المتظاهرون بعيدين عن بوابات القصر، وفى حالة دخول المتظاهرين محيط القصر سيكون التعامل معهم بالمياه وإطلاق النار فى الهواء».
وفي حين واصلت جماعة الإخوان المسلمين الإجراءات «التحصينية» لمقرها الرئيسي بالمقطم، أظهر شريط مصور، بثته شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية لأحد لقاءات الجماعة، أن الخوف يسيطر على الأعضاء وأن القيادة تبذل جهوداً هائلة ومكثفة لتهدئتهم.
ويبدو أيضاً أن ثمة شقوقاً ـ لم تتضح بدقة صحتها وعمقها ـ في الصف» الإسلامي»، ففي حين كشفت قيادات في عدد من الحركات الإسلامية عن عزمها حشد شبابها يوم 30 حزيران لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي في مدينة 6 اكتوبر (جنوب غرب القاهرة)، واقتحامها في حال سقوط الرئيس محمد مرسي، وإعلان «مجلس رئاسى إسلامي» عبر وسائل الإعلام، كوسيلة مقابلة لما ستقوم به المعارضة التي أعلنت عن تشكيل «مجلس رئاسي مدني» ليحل مكان مرسي حال سقوطه، برز موقف مغاير لمؤسس «حزب الراية» الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، الذي قال «لقد اتخذنا قراراً بعدم تنظيم تظاهرات يوم 30 حزيران لتفادي الصدامات مع المعارضة».
وفي بروز «الشقوق» في الصف الإسلامي، يحتل تحرك «حزب مصر القوية» برئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، والخارجين من جماعة «الإخوان المسلمين»، والمستقيلين من العمل في رئاسة الجمهورية من المستشارين، موقعاً بارزاً وثقلاً معنوياً في «إجهاض» المشهد الذي يحاول «الإخوان» رسمه، لجهة القول إن المدافعين عن استمرار الرئيس محمد مرسي في الحكم يدافعون عن الإسلام.
وهنا يبرز تأكيد المستشار السابق للرئيس للشؤون القانونية فؤاد جادالله على حتمية أن يدعو الرئيس الشعب إلى الاستفتاء على الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، كما يبرز حديث المحامي والمستشار القانونى لحركة «تمرد»، مختار نوح، وهو قيادي كبير سابق في «الإخوان»، عن أنه «عقب أن تنتهي حركة تمرد من جمع الـ15 مليون توقيع يوم 30 حزيران سيكون الرئيس محمد مرسي قد تساوى مع أي مواطن مصري عادي من الناحية السياسية».
الجيش و«الإخوان»
على صعيد آخر بدا أن جماعة «الإخوان المسلمين» والمؤسسة العسكرية قد توصلا إلى اتفاق «هدنة» حول قرار المحكمة الدستورية العليا القاضي بضرورة مشاركة العسكريين في التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستفتاءات.
وقرر مجلس الشورى، أمس، من حيث المبدأ، السماح للعسكريين بالتصويت ولكن قبل العام 2020، وهو قرار قد يمثل مأزقاً دستورياً جديداً، حيث أنه يتصادم مع قرار الدستورية الملزم لجميع سلطات الدولة والواجب النفاذ فور صدوره، لكنه يقر من جهة آخرى بذلك الحق الدستوري لأول مرة في قانون يشرعه مجلس الشورى المطعون في شرعيته.
المهم في قرار الشورى أن الإخوان يسعون لـ«هدنة» فعلية مع المؤسسة العسكرية التي تستجيب بدورها.
المشهد بدا أنه يحمل دلالة لافتة. فبعد طول غياب عن وسائل الإعلام ظهر وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، فجر أمس، وسط تدريب قتالي لرجال الصاعقة «الكوماندوس» مبتسماً وراضياً. وظهر اليوم ذاته، دخل اللواء ممدوح شاهين ممثل الجيش في النقاشات الدستورية إلى مجلس الشورى ليعلن موافقته على قرار المجلس الذي يتشكل من غالبية «إخوانية» بتأجيل تصويت العسكريين في الانتخابات إلى العام 2020، فيما يمثلا التفافاً على حكم المحكمة الدستورية قبل أسبوعين بالسماح للعسكريين بالتصويت في الانتخابات المقبلة للمرة الأولى منذ العام 1976.
وبدت ابتسامة السيسي في التدريب المبكر بمثابة رسالة واضحة ومزدوجة، فوزير الدفاع منشغل بأمور عسكرية لا سياسية، ثم أن الجيش راض عن تأجيل مشاركة رجاله في الانتخابات، ليبقى السؤال هنا: ما ثمن هذا الرضى؟ وكيف تم؟
ناصر كامل ومحمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد