معرض دمشق الدولي الـ27 للكتاب: الزّوار في نزهة آمنة و"خير جليس" في غيبوبة ثقافية

14-09-2011

معرض دمشق الدولي الـ27 للكتاب: الزّوار في نزهة آمنة و"خير جليس" في غيبوبة ثقافية

الهواء الطلق وإطلالة طريق المطار الدولي والمساحات الشاسعة هي أكثر ما شجع زوار معرض دمشق الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين على الحضور لمتابعة آخر الإصدارات عبر مشاركة بعض دور النشر العربية والمحلية في ظروف اقتصادية صعبة تبدو الأقسى منذ عقود، إذ لم يتجاوز عدد دور النشر في هذه السنة الـ250 بين عربية وأجنبية موزعة على ثلاث قاعات تتسع كل منها لحوالى 70 جناحا معظمها لدور نشر سورية في حين اعتذرت نسبة لا بأس بها من دور النشر عن عدم المشاركة لأسباب تتعلق بأسعار الحجز وخلل في العقود بينها وبين إدارة المعرض.

حزينا كان معرض دمشق للكتاب في هذه الأيام، إذ اضطر القائمون عليه لإقامة مكان صغير لألعاب الأطفال لجذب أكبر نسبة من العائلات، لكن أصحاب الدور أكدوا أن معظم رواد الكتب هم من فئة الشباب وحسب. ربما اقتنع السوري أخيراً أن نزهة المعرض "ببلاش"، فالمواصلات مجانية وأسعار كتب الطبخ والموضة والأطفال أصبحت أكثر منافسة من كتب الأدب والفن والدراسات.
تباينت ردود الأفعال الرسمية حول نتائج المعرض، إذ ألغي على إثرها مهرجان دمشق السينمائي في دورته التاسعة عشرة، وهذا ما توقعته أغلب دور النشر التي لم تشارك من سوريا، متخوفة من تداعياته الجانبية على الحراك الثقافي عموماً.

رواج محدود
حجزت كتب الأطفال التعليمية والترفيهية وعلوم جسم الإنسان المرتبة الأولى في "دار العكيبان" السعودية، الجناح الأكبر والأوسع إلى جانب دور نشر سعودية أخرى، بالإضافة إلى كتب التوجيه الدينية مثل "لا تحزن" و"ابتسم" لعائض القرني، بينما كان كتاب "أمبراطورية الأرض" لمؤلفه ف. ي. كرولف، المدرج تحت الأعمال السياسية هو الأكثر رواجاً في "دار علاء الدين" السورية.
في المقابل كان لـ"دار الفارابي" النصيب الأكبر من رواج كتب الثورة، فأدرجت عناوين راهنة أبرزها "خالد سعيد أيقونة الثورة المصرية" و"ثورة الياسمين... بوعزيزي"، التي تطرقت إلى أقسى أحداث الثورتين المصرية والتونسية، موثقة بأرشيف صحافي وصوري. أما "شركة المطبوعات والنشر" اللبنانية فقدمت مجموعة من كتب "الطب البديل"، بينما سجلت "دار دجلة – ناشرون" الأردنية في رصيدها نسبة أكبر من المبيعات لكتب فنون الإدارة والاقتصاد العلمية.
لم ير الخلق الأدبي طريقاً واضحاً في معرض دمشق للكتاب، إذا بقيت دواوين الشعر الجديدة حبيسة الرفوف في معظم الدور المحلية والعربية المغمورة. قدّم "المركز الثقافي العربي – بيروت" حسماً يصل إلى 45 في المئة على أعمال عبد الرحمن منيف بالإضافة إلى ترجمة روايات الياباني هاروكي موروكامي وترجمات روائية للأميركية ستيفاني ماير. لكن مع ذلك بقي القلق مسيطراً على معظم دور النشر العربية خوفاً من عدم تغطية تكاليف الشحن برغم خفضها وتقديم مجموعة كبيرة من التسهيلات للمشاركين في المعرض. ظلت الخيبة خير جليس ولم يخرج من الزوار من يحمل تباشير اكتشافه عنواناً جديداً سوى عنوان باص النقل الداخلي العائد من أطراف العاصمة إلى قلبها شبه خاوٍ.

غياب محلي!
لم يحضر المثقف السوري على مائدة الكتاب لينعم بجديدها وأصنافها. بقي هاجس ترقبه لتداعيات المعرض هو صميم رؤيته. الجميع كان يترقب هبوطاً في مستوى التفاعل مع الحدث الثقافي الذي لا يمر على دمشق إلا ويشهد آلاف الزوار والضيوف من أنحاء العالم، كما حدث العام الماضي، حيث شاركت أكثر من 500 دار نشر موزعة على 12 صالة ضخمة.
كما انشغل الإعلام الرسمي في تغطية نشاطات المعرض التي لم نسمع بها إلا من خلال مكبرات الصوت الضعيفة، وقد اتسمت بالهامشية والاستهلاك، كما أنها لم تستضف أسماء لها مكانتها الثقافية، بل اقتصرت على محاولات خجولة لجمع حشد محاضراتي يؤكد أن ثمة نشاطا ثقافيا قائما، وفي أحسن الأحوال نقرأ متابعة ميدانية لصحيفة محلية أو موقع إلكتروني رسمي حول حدث لم يجذب إلا الصحافيين والعاملين في الدار الراعية لهذا النشاط.

غرابة
المثير للغرابة أن معظم الجامعات السورية والعربية اختارت أجنحة معينة من بين مئات الأجنحة الفارغة لتصنع دعاية ترويجية لنشاطتها وعروضها التسجيلية التي قد تصلح لإعلان في جريدة أو في أي وسيلة إعلانية أخرى باستثناء معرض ضيق خصص للكتاب.
بينما وجدت بعض السفارات واجهة استثمارية لافتة في بعض أجنحة المعرض لعرض صور سياحية عن مناطقها الساحرة وعلاقتها الطيبة مع السياح، بالإضافة إلى مراجع سياحية أخرى تتعلق بالترويج الميداني أكثر من التثقيف الفكري أو الأدبي.
على الرغم من كل المشكلات، الى الحالة الراهنة التي تعيشها البلاد، ثمة أمل في البحث عن ثقافة نوعية ومختلفة تبتعد عن عقلية الرقيب وتحاول الارتقاء إلى التنوير في الأدب والفكر والفن، وهذا ما أكده القائمون على "دار الساقي" اللبنانية، إذ حملت آمالهم رغبة شديدة في زيارة دمشق والتواصل مع القارئ السوري عن قرب، ومعرفة رأيه حول ما يقدم من أعمال خلاقة ونقدية وغيرها.
اللافت أيضاً في هذه الجولة أن بعض دور النشر المشاركة اكتفت بعناوين العام الماضي ولم تسع الى تقديم تجارب جديدة ومعاصرة، إمعاناً منها بخفة الزوار ومحاولة سد فراغ مدينة المعارض التي تنأى بمساحاتها الشاسعة عن أحزان الكتاب وهموم القارئ السوري الذي أتعبته الغيبوبة الثقافية والاجتماعية.

عمر الشيخ

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...