مناورات دولية واستعراض عضلات إيرانية تقرع طبول المواجهة
الاسبوع الفائت في الخليج كان «اسبوع مناورات» بحرية واسعة وتدريبات على «اعتراض السفن التي تحمل مواد نووية», والمقصود توجيه رسالة واضحة الى ايران مفادها ان «العقوبات الدولية باتت وشيكة» إذا هي لم توقف تخصيب الاورانيوم. انه الحلف الاطلسي الخليجي الجديد ضد «الجمهورية الاسلامية», وهو قابل للتوسع في ضوء «التهديدات» الاخيرة للمنشآت النفطية السعودية التي تم تضخيمها اعلامياً لأغراض استراتيجية.
الرد الايراني على المناورات الاطلسية الخليجية لم يتأخر, وقد جاء في صيغة عرض عضلات جديد على مدى عشرة ايام, في الخليج العربي وبحر عمان, تم خلاله اختبار صواريخ من طراز «شهاب 3» يصل مداها الى ثلاثة آلاف كيلومتر. وبدا واضحاً من التحرك الايراني المضاد انه متزامن مع مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الاوروبية لمعاقبة طهران, وهو مشروع تتحفظ عليه روسيا. وكان قائد الحرس الثوري الايراني يحيى رحيم صفوي اعلن ان قواته ستطلق صواريخ بالستية من نوع شهاب 2 وشهاب 3 مشيراً الى ان هذه المناورات التي اطلق عليها اسم «النبي الكبير 2» تهدف الى «استعراض قوة وعزيمة البلاد في الدفاع عن النفس من المخاطر», وهي صواريخ تصل الى عمق اسرائيل.
والمناورات الاطلسية التي شاركت فيها خمس وعشرون دولة, تعتبر على خلاف مع ايران بشأن برنامجها النووي. ضمت قوات بحرية من الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا واستراليا وبريطانيا, بالاضافة الى البحرين, وقد تم التحضير لها منذ اشهر عدة تحت اسم «الحافة البارزة» بمشاركة الكويت وقطر والامارات بالاضافة الى كوريا الجنوبية وروسيا واليابان, واعتبرت مهمتها الخامسة والعشرين من نوعها في سياق المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة لمنع انتشار الاسلحة النووية. و«المبادرة», كما هو معروف, طرحها الرئيس الاميركي في العام 2003 بقصد الاتفاق على تقاسم معلومات المخابرات المتصلة بأسلحة الدمار الشامل, والتعاون في عملية تعيين «السفن الاهداف» في حالات المواجهة العسكرية.
وقد بدأت المناورات متزامنة مع لقاء آخر انعقد في الرباط, حضره ممثلون عن الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وسبع دول اخرى آسيوية واوروبية, بقصد التهيئة لمبادرة اخرى مهمتها «منع وصول المواد النووية الى ايدي الجماعات المتطرفة». الاجتماع ترأسته الولايات المتحدة وروسيا تنفيذاً لما اتفق عليه بين جورج بوش وفلاديمير بوتين خلال انعقاد «قمة الثماني» في سان بترسبورغ في تموز €يوليو€ الفائت. واختيار المغرب لاستضافة «المبادرة» الجديدة تم على قاعدة ان المملكة المغربية «شريك جيد» للولايات المتحدة وروسيا في مكافحة الارهاب. اما الدول الاخرى التي شاركت فهي المانيا واستراليا وكندا والصين وفرنسا وبريطانيا وايطاليا واليونان وكازاخستان وتركيا, بالاضافة الى «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» والمغرب كمراقبين.
ومناورات البحرين كما «مبادرة المغرب» لا تفاجئان احداً بالطبع من المعنيين بالحسابات الاستراتيجية الاميركية في الخليج والمغرب العربي, وكلتاهما تشكلان بداية تسليح جديد للدول الخليجية المشاركة, وللمغرب نفسه بطبيعة الحال, تحت ستار توفير انواع جديدة من المعدات والتقنيات الجوية والبحرية لرصد وتحديد مواقع الارهابيين من جهة, وادارة المشروع الغربي المضاد لايران على المديين القريب والمتوسط. و«القلق الخليجي» الذي يكثر الحديث عنه في الاعلام الغربي بشأن البرنامج النووي الايراني ركيزة اخرى للتسلح الجديد. وبالرغم من ان المملكة العربية السعودية نأت بنفسها عن المشاركة هذه المرة, لكن الاميركيين يعتقدون انها تبحث الامر بصورة ايجابية, بالرغم من ان التصريحات السعودية الاخيرة €الأمير سعود الفيصل بصورة خاصة€ تؤكد ان المناورات العسكرية الايرانية في ايلول €سبتمبر€ الفائت لا تشكل اي تهديد لدول الخليج المجاورة, والرياض مقتنعة بأن ايران لا تسعى الى برنامج نووي عسكري.
وفي اي حال لا يمكن فصل المناورات العسكرية الاخيرة في الخليج, قبالة الشواطئ الايرانية, عما يسميه الخبراء الاميركيون «الاخطار الامنية التي تهدد التعاون الاميركي الخليجي بعد سقوط النظام العراقي السابق» €مع ملاحظة ان حرب افغانستان واحتلال العراق من صنع اميركي€. وآخر تقارير الخبراء واحد بتوقيع كينيث كاتسمان يشير الى ثلاثة مخاطر اساسية هي:
ان معظم دول الخليج تنظر بحذر الى محاولات ايران تشكيل نظام أمني إقليمي جديد, وتتخوف من ان تستخدم ايران مستقبلاً برنامجها النووي ضد دول مجلس التعاون الخليجي. في هذا السياق يشير التقرير الى ان دول الخليج جددت مباحثاتها مع واشنطن من اجل توسيع المبادرات الدفاعية المشتركة التي تراجعت او قلّ بشأنها في الاعوام الاخيرة.
ان العديد من دول الخليج, خصوصاً السعودية والبحرين, تخشى من تأثير صعود الاحزاب الشيعية في العراق على استقرارها الداخلي, لجهة السعي الى حقوق سياسية اضافية ودور اوسع في الحياة الاقتصادية.
ان قلقاً يسود معظم الدول الخليجية بسبب العنف الدائر في العراق, الذي يتسم احياناً بصراع مذهبي, وهو قلق مرشح للتزايد في حال قرر الاميركيون بصورة مفاجئة سحب قواتهم من العراق.
ويقول كاتسمان ان حجر الاساس في التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة هو مجموعة اتفاقات تعاون دفاعي تسمح للاميركيين بالاحتفاظ بقواعد عسكرية داخل الخليج. في المقابل تقدم واشنطن لحلفائها مساعدات عسكرية في شكل تدريبات واستشارات بالاضافة الى مبيعات كثيرة من الاسلحة. وينقل التقرير عن مسؤولين اميركيين ان هذه الاتفاقات لا تتضمن بنوداً تلزم الطرف الاميركي بحماية الحليف اذا هو تعرض لعدوان خارجي, كما انها لا تعطي الولايات المتحدة بالضرورة الحق في استخدام قواعدها الخليجية لعمليات عسكرية لا توافق عليها الدول المعنية, وما يحصل هو التشاور في حالات الضرورة. وبالرغم من ان القوات الاميركية تركت المملكة العربية السعودية قبل سقوط صدام حسين, فان هذا لم يمنع الطائرات الاميركية من استعمال القواعد والأجواء السعودية في غزو العراق.
ويشير كاتسمان الى ان دول الخليج تسعى دائماً الى شراء معدات عسكرية من الولايات المتحدة ومصدرين آخرين خوفاً مما يسميه «الخطر الا يراني», وثمة معلومات عن ان السعودية وافقت على صفقة لشراء طائرة حربية جديدة هي «ايروفايتر تيفون» من مصنعين اوروبيين بمبلغ 18 مليار دولار, مما احدث حالة انزعاج في الولايات المتحدة, وهناك مخاوف داخل الكونغرس من احتمال ان تستخدم بعض الدول الخليجية هذه المقاتلات ضد اسرائيل يوماً ما. ومعروف ان القانون الاميركي يمنع بيع المعدات العسكرية المتطورة الى اي دولة عربية تقاطع السلع الاسرائيلية, لكن هذا القانون لا ينطبق على بلدان مجلس التعاون الخليجي, بناء على موافقة سنوية من الكونغرس. كما ان معظم دول الخليج تتلقى مساعدات عسكرية اميركية استراتيجية تتصل بالاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة والسياسات النفطية.
ويقول كاتسمان في موضع آخر من تقريره ان العديد من المعدات العسكرية الجوية التي تلقتها دول الخليج العربي تخدم غرض تأمين هذه الدول ضد «التهديدات الايرانية» باعتبار ان «خطر صدام» العراقي قد زال, علماً ان ايران لا تملك القدرة على مهاجمة دول مجلس التعاون من البر.
وهذه جردة بأهم المشتريات الخليجية من الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة:
في العام 2005 اشترت الامارات 80 طائرة اف 16 مجهزة بصواريخ جو جو متوسطة البعد.
وافق الكونغرس في تموز €يوليو€ الماضي على بيع 26 طائرة عمودية من طراز بلاك هوك للامارات.
اجهزة الحكومة الاميركية افادت الكونغرس ان السعودية تعتزم شراء 144 مركبة مشاة مدرعة بقيمة 2 مليار دولار.
اشترت السعودية في شهر تموز €يوليو€ الماضي 58 دبابة من طراز ابرامز بحوالى 3.3 مليار دولار.
الولايات المتحدة اعلنت ان الكويت اصبحت حليفاً رئيسياً خارج حلف شمال الاطلسي €ناتو€ مما يسهل عملية بيع الاسلحة الاميركية للكويت.
بدأت الولايات المتحدة في العام 2005 بتزويد القوات الكويتية بـ16 طائرة عمودية من طراز اباشي بقيمة 940 مليون دولار.
الكويت تنظر حالياً في شراء 10 طائرات من طراز F/A-18.
ومن المعروف ان البحرين اصبحت «حليفاً رئيسياً خارج حلف شمال الاطلسي في العام 2002 وفي العام 2006 افادت اجهزة الحكومة الاميركية الكونغرس ان البحرين طلبت شراء 180 صاروخ Javelin و9 طائرات عمودية من طراز بلاك هوك, وقدرت قيمة الصفقة بـ294 مليون دولار.
وبالرغم من ان معظم الواردات الحربية القطرية تأتي من اوروبا ابدت قطر رغبتها في شراء بعض المعدات الحربية الاميركية مثل نظام «الباتريوت» €PACIII€ وهو نظام دفاع جوي. كما يقال ان قطر ستحاول ان تشتري طائرات حربية حديثة اذا نجحت في بيع طائراتها الميراج Mirage 2000 التي عرضتها للبيع منذ العام 2002.
قامت عمان في العام 2001 بعقد صفقة مع الولايات المتحدة لشراء 12 طائرة من طراز اف 16 بقيمة تقدر بـ825 مليون دولار.
كما قررت عمان ان تشتري من الولايات المتحدة نظاماً استطلاعياً جوياً لطائرات اف 16 تقدر قيمته بـ46 مليون دولار.
وافادت اجهزة الحكومة الاميركية الكونغرس في شهر تموز €يوليو€ الماضي ان عمان ابدت رغبة في شراء 250 صاروخا من طراز Javelin.
هذه الجردة التي تمثل الجزء العائم من «جبل الطلبات» الخليجية لشراء معدات عسكرية متطورة, تبين الى اي حد توظف واشنطن «الخطر الايراني» بعدما سقطت نظرية «الخطر العراقي» في تسويق منتوجاتها العسكرية في منطقة الخليج. و«الاخطار» الاخرى التي تستعملها الولايات المتحدة تبدأ بـ«القاعدة» وتنتهي باحتمال تفشي الصراعات المذهبية على ايقاع ما يجري في عراق الاحتلال. واذا كانت كل الوسائل مشروعة لعقد صفقات التسلح فان «التهديدات الايرانية» كما «التهديدات الارهابية» اقصر الطرق الى توقيع المعاهدات الجديدة بين الولايات المتحدة والمجموعة الخليجية.
المصدر : الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد