مهرجان كان بعد بلوغه الستين
بعد انتهاء الدورة الستين لمهرجان كان السينمائي في فرنسا، يكون هذا المهرجان قد طوى صفحة هامة للغاية في تاريخه.
صفحة تميزت بدعم الأفلام المستقلة، القليلة التكلفة والكبيرة المضمون والمحتوى، وليس أدل على ذلك من منح المهرجان سعفته الذهبية إلى الفيلم الروماني "أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان" ومنح فيلم Paranoid Park لجس فان سانت جائزة خاصة بمناسبة بلوغ المهرجان سنته الستين.
ونبدأ بالفيلم الروماني "أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان" الذي أخرجه كريستيان مونجيو (39 عاما)، فهذا الفيلم لم تتجاوز ميزانيته 600 ألف يورو لكنه استطاع أن يلفت انتباه الجميع إليه وأن يثير إعجاب الكثيرين ممن شاهدوه ورأوا فيه معالجة شديدة الأهمية للأيام الأخيرة في حياة النظم الشيوعية التي كانت تهيمن على جميع مناحي الحياة في دول أوروبا الشرقية.
يحكي الفيلم قصة طالبة شابة تدعى جابيتا، حملت خارج إطار الزواج وعندما أرادت أن تجهض نفسها، وهو كان ما يعتبر عملا غير قانوني آنذاك، اضطرت أن تدفع ثمنا غاليا. ولم تكن جابيتا وحدها التي دفعت الثمن بل دفعته معها صديقتها أوتيليا التي ضحت من أجل إنقاذها.
الفيلم حظي بإشادة غالبية الذين شاهدوه من نقاد وصحفيين وذلك لأنه استطاع أن يصور في رأيهم عالما سريا قاسيا بلا رتوش لأوروبا الشرقية الاشتراكية بالإضافة إلى نقله الدقيق للأبعاد الإنسانية التي غلقت علاقة الصداقة بين جابيتا وأوتيليا.
ويعتبر هذا الإجماع من الأمثلة النادرة التي اتفق فيها رأي لجنة التحكيم المكونة من تسعة أعضاء والجمهور الأوسع من الصحفيين والنقاد على الفائز بجائزة السعفة الذهبية لأحسن فيلم.
مونجيو، بعد أن فاز بسعفة كان الذهبية عبر عن فرحته بقوله "إنه حلم تحقق"، مضيفا أنه يأمل "في أن تكون السعفة الذهبية بمثابة نبأ سار للمخرجين غير المعروفين في دول صغيرة لأنه يبدو لي انه لم نعد بحاجة إلى ميزانية كبيرة وأسماء لامعة في عالم الفن السابع لإنتاج فيلم يثير اهتمام الجميع".
كلام مونجيو صحيح مائة بالمائة والدليل ما حدث في كان عام 2003 عندما فاز فيلم Elephant أو "فيل" لجس فان سانت بالسعفة الذهبية وجائزة أفضل مخرج بالإضافة إلى جائزة خاصة تم منحها للفيلم في إطار فائدته لنظام التعليم الوطني في فرنسا، وهي بالمناسبة نفس الجائزة التي منحت لفيلم مونجيو هذا العام.
ففيلم جس فان سانت، Elephant، لم يلعب بطولته أيا من نجوم هوليوود الفائقي الشهرة ولم يحوِ أية مؤثرات بصرية من ذلك النوع الذي يسلب العقل ويلهب الخيال. فقط معالجة جريئة وعميقة لأزمة أخلاقية عميقة يواجهها المجتمع الأمريكي، تظهر كلما حدث إطلاق للنار في إحدى المدارس أو الجامعات الأمريكية.
نفس القصة تكررت مع فيلم مونجيو الذي قدم صورة معبرة لكيفية تفاعل وتحرك الشخصيات في ظل نظام صارم كالنظام الشيوعي في رومانيا شاوشيسكو.
نفس القصة أيضا تعرض لها من قبل الفيلم الألماني The Life of Others أو "حياة الآخرين" والذي قدم تشريحا عميقا وهادئا لشخصيات الألمان الذين كانوا يعيشون في برلين الثمانينيات، حيث سطوة الحزب الاشتراكي الألماني الموحد بقيادة أمينه العام إريك هونيكه كانت في أوجها، ولم يكن من الممكن حينها تخيل سقوط جدار برلين وانهيار النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية.
فوز مونجيو يمكننا أن نراه انتصارا يشترك في تقاسمه ثلاثة أطراف هم جيل المخرجين الشباب الذين يجتاحون العالم الآن ويجتذبون بأعمالهم أنظار الجمهور، مثل فاتح أكين في تركيا ومحمد أمين في مصر وسميرة مخلمباف في إيران وزياد دويري في لبنان وبالطبع مونجيو نفسه.
والطرف الثاني هو السينما الرومانية التي استفادت من خلال هذه الجائزة في لفت الأنظار إليها وفي فتح "صفحة جديدة في تاريخ السينما الرومانية"، وفق تعبير الناقدة الرومانية انتونيتا بانو.
كما مثل هذا الفوز بالنسبة لصانعي الأفلام في رومانيا حدثا رأى فيه المخرج الروماني الأكثر شهرة، سيرجيو نيكولايسكو، "مصدرا للفخر الشديد للسينما الرومانية وانتصارا كبيرا لها".
والطرف الثالث هو مهرجان كان الذي استطاع من خلال جوائزه الممنوحة هذا العام أن يثبت أنه ليس عجوزا أو مترهلا بالرغم من بلوغه الستين، بل على العكس يبدو المهرجان هذا العام شابا ورشيقا أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد