ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (5)
اليهود في أمريكا
الجمل - ميساء آقبيق: ينتشر اليهود في شوارع نيويورك خصوصا وفي كل أرجاء الولايات المتحدة عموما، وجلهم من أصحاب الأموال والنفوذ. يعملون بلا كلل ولا ملل لكي يحافظوا على مكتسباتهم التي قضوا عشرات السنين وهم يجهدون في جمعها. وبغض النظر عن الوسائل التي حققوا فيها ثرواتهم مشروعة كانت أم غير ذلك فإنهم يمتلكون كل أدوات اللعبة الاقتصادية والسياسية والإعلامية بشكل لا جدال فيه. حاربوا بلا هوادة وبصبر منقطع النظير لتحقيق مآربهم وأنشأوا امبراطورية هائلة من ذوي النفوذ والأيدي الطائلة حتى باتت أغلب المفاتيح في جيوبهم.
لقد لعب اليهود لعبة الديمقراطية بشكل مذهل وجيروها لمصالحهم، فالديمقراطية تتوقف عندهم.. والآن من يجرؤ في العالم أن يتحدث عنهم بسوء؟ من ذلك الذي يستطيع أن يقترب من مراكزهم؟ إن تهمة معاداة السامية تبتلع كل من يتجاوز خطوطا معينة وينتقدهم، وقد يكون المكان الوحيد الذي يمكن انتقادهم فيه بشكل مباشر وصريح هو داخل إسرائيل، فهي دولة يقوم كيانها على أساس أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، واهتزاز هذه الصورة يسحب مكتسباتهم من العالم فيحجم المهاجرون عن الرغبة في العيش فيها، هذا بالإضافة إلى مستوى المعيشة المرتفع جدا الذي يتمتع به المواطن الإسرائيلي.
اليهود في أمريكا لديهم مهمة مقدسة هي حماية وجود وبقاء إسرائيل، ولأن المواطن الأمريكي يقبل الآخر ويحترم العمل والمنطق ويصدق الدعاية الكبيرة التي روجت لإسرائيل على مدار السنين بعيدا عن الحقيقة التي نعرفها، تمكن اليهود من السيطرة على كثير من مراكز صنع القرار. وبامتلاكهم أو ترؤسهم للكثير من الأجهزة الإعلامية الكبرى نشروا الصورة التي يريدونها عن العرب، وهم في أمريكا يعملون بشكل مباشر وبلا غطاء بسبب طبيعة الشعب الأمريكي رغم أن الأمريكيين يعلمون ويتندرون بسيطرة اليهود في هوليوود ومركز البورصة "وول ستريت"، وهذا غير ملموس في بلاد أخرى حيث لا يشعر الشعب كثيرا بهيمنتهم كما هم في فرنسا مثلا مع أن نفوذهم فيها قوي جدا. لكنهم بشكل عام يفضلون إنجاز كثير من أهدافهم بشكل سري، ولأنهم يمتلكون المال أصبحوا مافيا العالم الجديدة التي تدير جيشا جرارا من العناصر العاملة على خدمة متطلباتها.
هذه الصورة قد توضح قليلا الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تقف بلا تردد إلى جانب إسرائيل، السياسيون الأمريكيون لا يستطيعون الفكاك من هيمنة اليهود عليهم.
إضافة إلى أن أهداف الدولة الكبرى في السيطرة على ثروات المنطقة العربية الغنية بالنفط والمنافذ البرية والبحرية والقدرات البشرية الشابة يجعل دعمها لإسرائيل أمرا حيويا.
لا غرابة إذن أن ينشأ حلف قوي واستراتيجي تحكمه المصلحة المشتركة والمتبادلة بين أمريكا وإسرائيل، ولا شيء يجبر أمريكا على اتخاذ مواقف لا تتماشى مع مصالحها طالما أننا لا نعمل على خدمة مصالحنا نحن. وربما لو كنت صاحب منصب عال في الولايات المتحدة، أعتقد أنني كنت سأعمل لما فيه مصلحة بلادي، علما أنني لا أبرّئ أمريكا هنا من مسؤولياتها الإنسانية وصمتها عن كل المجازر التي نفذتها إسرائيل بحق الفلسطينيين والعرب.
غير أن مشكلة الأمريكيين الأزلية أنهم لا يعرفون التاريخ ولا يحاولون التعلم منه، ولو أنهم قرأوا بالتفصيل ماذا ارتكب اليهود بحق البريطانيين في فلسطين بعد كل مافعلته انجلترة لهم بدءا من وعد بلفور إلى تسهيل هجرتهم وغير ذلك، لو أن مؤيدي إسرائيل في أمريكا علموا كم قتلت عصابات اليهود الأوائل في فلسطين من بريطانيين أيام الانتداب، أو توقفوا قليلا عند حادثة حاملة الطائرات يو إس إس ليبرتي لحاولوا التوازن قليلا في مواقفهم، من يدري ربما هم يخافون من البطش اليهودي!..
بكل حال جميعهم ينطلقون من مصالحهم ومصالح بلادهم في جل ما يفعلونه ويطلقونه من مواقف.
لماذا والحال كذلك يتوجب علي أنا في البلاد العربية أن أكره أمريكا وأطلق عليها لقب الشيطان الأكبر؟ وما الذي يدفعني ويمنعني من أن ألوم العرب لتشرذمهم وجهلهم وتعصبهم وطائفيتهم وضعفهم وأذاهم لبعضهم البعض، ولفساد أخلاقهم في ممارسة الكذب والنصب والغش والإدعاء والجشع وتقاضيهم الرشى، وللحاقهم بشهواتهم وانغماسهم في الملذات وفرديتهم وأنانيتهم وحب مصالحهم على حساب مصلحة الوطن، ولتفسيرهم الدين الإسلامي على غير حقيقته، وللهاثهم وراء الاستهلاك من دون إنتاج بسبب بلادتهم واتكاليتهم، ولكثرة كلامهم وقلة أفعالهم وقلة حيلتهم، ولابتعادهم عن مكارم الأخلاق في النخوة وإغاثة الملهوف والشجاعة ولاستسلامهم للأمر الواقع؟ كثيرون يحملون المسؤولية على الحكومات العربية، وهل جاءت الحكومات العربية من كوكب آخر أم أنها من الشعب الذي تنتمي إليه؟
في كل وقت أسمع من يتبرأ من العرب ويتمنى لو لم ينتم إليهم، لماذا إذن نفطر ونتغدى ونتعشى هجوما وهجاء في اليهود والأمريكيين؟ أليس من الأجدى أن نبدأ بإصلاح الخلل ورتق الثقوب الكثيرة التي ظهرت وكبرت في الثوب العربي؟ ربما يتحتم على كل فرد أن يبدأ بنفسه وبعائلته، فقد تتغير الصورة قليلا.
ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (4)
ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (3)
إضافة تعليق جديد