نجدت أنزور «تحت سماء الوطن» الجريح
سبق لـ«المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» أن جرّبت مواكبة الحدث السياسي الذي يعصف بسوريا. في بداية الأزمة، وصلت توصية من أعلى مستويات السلطة في دمشق تفيد بأن يتم الاتفاق مع كتاب شباب ينجزون لوحات كوميدية ناقدة تلامس يوميات الشعب السوري المنتفض. على جناح السرعة، امتثلت المؤسسة الحكومية للتوصية وباشرت بصنع مسلسل «فوق السقف» (2011) للمخرج سامر البرقاوي. لكنّ الرقابة أرادت للعمل أن يخرج كسيحاً من دون أن يضيف جديداً إلى ما قدمته أعمال اللوحات الساخرة قبلاً، بل إنّ بعض لوحاته كانت مجرد استنساخ باهت لما شاهده الجمهور سابقاً، رغم تصوير بعض التظاهرات وكيفية خروجها من المساجد، ومحاولة انتقاد الفساد.
وفي العام التالي، اختار مدير المؤسسة السابق فراس دهني سياسة مختلفة، فقدم مجموعة من الأعمال الناجحة، لكنّ الأزمة ظلّت بعيدة عن خياراته. وحالما عادت الإعلامية ديانا جبور إلى إدارة المؤسسة، بدأت محاولات لتقديم دراما حقيقية تحاكي الواقع السوري الجديد، رغم أنّ العملين المقررين حتى الآن هما اجتماعيان لا علاقة لهما بما يحدث في عاصمة الأمويين، هما «نساء حائرات» لسمير حسين و«حبة حلب» لباسل الخطيب الذي أجرى تعديلات على العمل لتصبح أحداثه دمشقية.
إلا أنّ المفاجأة كانت في التعاون الذي جمع أخيراً المؤسسة بالمخرج السوري نجدت أنزور الذي غاب العام الماضي عن الدراما المحلية. ورغم سوء علاقته بمديرة المؤسسة، إلا أنّ الأخيرة فضلت أن توكل إليه إنجاز مسلسل قوامه عشر ثلاثيات يحمل اسم «تحت سماء الوطن» يتطرّق للمرة الأولى مباشرة إلى تبعات الأزمة السورية. يدخل العمل في أدق التفاصيل ويتوغل في المدن المدمرة والتهجير الحاصل والأيام السورية المضرجة بالدماء. هكذا، سيباشر مخرج «نهاية رجل شجاع» في غضون أيام تصوير المسلسل الذي أنجزت نصه مجموعة من كتاب الدراما السورية، هم: هالة دياب، عبد المجيد حيدر، نور الشيشكلي، وفادي قوشقجي. ويؤدي بطولة المسلسل ديمة قندلفت، شادي مقرش، إسكندر عزيز وبسام لطفي.
تدور كاميرا أنزور لتصوّر أولاً مشاهد ثلاثية فادي قوشقجي التي تحمل عنوان «الحميدية». ترصد الثلاثية قصة سومر الشاب الذي تنقطع سبل الاتصال بينه وبين خطيبته المقيمة في حمص نتيجة سوء الأوضاع الأمنية هناك. وبعد ضغط يمارس على والد الفتاة، يوافق على النزوح إلى دمشق. لكن المعاناة تأخذ بعداً جديداً عندما يفكر والد الفتاة بأنه سيزفّ ابنته بينما الدماء تهدر على التراب السوري ويعزّ عليه أن تتزوج وعائلته مهجرة بعيدة عن بيتها، فيصاب بأزمة قلبية تنهي حياته. يركّز العمل على شريحة كبيرة من الشعب السوري التي رفضت مغادرة مسكنها والنزوح. وعندما وافقت على ذلك مرغمةً بسبب سطوة الخطر المحدق بها، وقعت فريسة لأزمات قلبية سجلتها المستشفيات السورية في السنتين الأخيرتين. فيما يرصد العمل بالمجمل الألم الذي يعتصر قلوب النسبة الأكبر من الشعب التي لم تدخل في لعبة السلاح، ويلقي الضوء في مشاهد معينة على انهيار المنظومة الاجتماعية وتبعات الأزمة المعيشية الخانقة من دون أن تغيب عن أحداثه مشاهد التفجيرات والخطف وطلب الفدية، إضافة إلى الخيارات التي يتخذها بعض السوريين مرغمين من دون أن تتوافق مع ما عرف عنهم من اعتداد بأنفسهم. كذلك، يغوص «تحت سماء الوطن» في النيوميديا، وصراعات مواقع التواصل الاجتماعي واشتداد المعارك في الفضاء الافتراضي. وسيضع مخرج «ما ملكت أيمانكم» المُشاهد في صورة التصنيفات التي أفرزتها الأزمة وفريقي الموالاة والمعارضة. لكن اللافت أنه في ثلاثية «الحميدية» تحديداً، تدخل الدراما السورية باباً جديداً من خلال التركيز على خوف الأقليات مما يحدث في سوريا، وفزعها من القادم ما دام لا جهة معارضة ضمنت حقوق هذه الأقليات مستقبلاً، وقد تعرض عدد كبير منها خصوصاً في حمص للخطف والتصفية. هنا يعكس أنزور هذا الخوف من دون الدخول في التسميات أو التصنيفات الممنوعة في سوريا أصلاً، بل من خلال الإيحاء بأسماء الشخصيات وطقوسها الدينية، ليكتشف المشاهد بنفسه حقيقة هذه الشخصية ومخاوفها وهمومها. هكذا، تبشر المعطيات بأنّ عملاً واقعياً لافتاً سيبصر النور من عاصمة الأمويين وبتوقيع المؤسسة الرسمية... فإلى أي مدى سيبدو موضوعياً؟ على أي حال، يبدو أن التعاون مع نجدت أنزور سيكون واعداً بالنظر إلى الصورة الباهرة التي يتميز بها، هو الذي لمع في استخدام الخدع البصرية التي يرجح أن تستخدم لتصوير الانفجارات والأحداث السورية.
--------------------------------------------------------------------------------
«ملك» الجدل
لا يتوقف المخرج نجدت أنزور عن إثارة الجدل. مسلسله «ما ملكت أيمانكم» أثار عاصفة كبيرة بعد تحريم مشاهدته من قبل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي. ثم عاد أنزور إلى الواجهة عندما ظهر في لقاء تلفزيوني أعلن فيه استعداده لعرض فيلمه «ملك الرمال» في المهرجانات، ثم أفصح عن تلقيه تهديدات بمقاضاته من شركة محاماة بريطانية ادعت أنّها تمثل السعودية . هذه الشركة أعلمت أنزور أنّها ستتحرك ضده، باعتباره المخرج وشريكاً في إنتاج الشريط الذي يتحدث بوضوح عن مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود... لكن المفارقة أنّه بعد هذه الزوبعة، لم يعد أحد يسمع عن «ملك الرمال» ومصيره.
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد