نساء مصريات يتعلَّمن فنون الدفاع عن النفس لمواجهة التحرُّش
في إحدى الصالات الرياضية أو المناطق المخصصة لتعلم فنون الدفاع عن النفس في إحدى ضواحي القاهرة الفقيرة، تلمح مجموعة من النساء في لباس الكاراتية أو بيجامات الرياضة، وقد انهمكن في تعلُّم أساليب القتال الفردي ومواجهة أو صد محاولات المضايقة أو الاعتداء.
ففي هذا المجتمع الذي يطغى ويسيطر عليه الذكور، ليس من العادي رؤية النساء المحجَّبات يتصارعن مع الرجال، لكن مع الارتفاع الملحوظ في عدد حالات المضايقات الجنسية فإنك ترى بالمقابل ارتفاعا في عدد اللواتي يحضرن تلك الدورات كل شهر.
شذى سعيد فتاة تبلغ من العمر أربعة عشر ربيعا وهي إحدى اللواتي سجلن في واحدة من دورات التدريب عن الدفاع عن النفس تلك.
تقول شذى: "كنت عائدة من المدرسة ومتجهة إلى المنزل عندما تعرضت للهجوم، ولم أعرف ما الذي يمكنني فعله."
وتضيف قائلة: "لكنني قد تعلمت الآن كيف أدافع عن نفسي، ولذلك فأنا لم أعد خائفة أبدا. أعتقد أنه يتعين على كل فتاة أن تتبع إحدى دورات الدفاع عن النفس هذه."
وهناك في المنطقة الواقعة وراء النادي الرياضي تقف الأمهات، وبعضهن يرتدين اللباس الإسلامي الذي يغطي كامل الجسم، وقد رحن ينظرن بإعجاب إلى بناتهن.
بعض المشاركات في دورات الدفاع عن النفس تلك سبق لهن التسجيل من قبل. كما أن بين المشاركات نساء من كافة الأعمار، وهنَّ يتدربن على القتال مع بعضهن البعض، وإن كنَّ أحيانا يتدربن على فنون القتال مع زملائهن من الرجال.
أما المدرب الرياضي ريدو فتحي فيقول إنه الأمر بات الآن لزاما على كل امراة أن تقوم بحماية نفسها من محاولات الإزعاج الممجوجة التي يقدم عليها الرجال تجاههن.
ويضيف المدرب فتحي قائلا: "إن عملنا هو إعطاؤهن المهارات التي يحتجنها من أجل حماية أنفسهن في حال حدوث أي شيء."
ويردف بقوله: "إحدى الفتيات المسجلات لدينا تعرضت للاعتداء بينما كانت في طريقها إلى البيت، فقد قام فتى بالإمساك بها من الخلف عندما كانا يركبان الحافلة. لقد استخدمت تقنية جديدة كنا قد علمناها عليها من أجل صده وكبح جماحه حتى تجمع بعض الركاب الآخرين في الحافلة من حولها للمساعدة. وقد تم تسليم الشاب في نهاية المطاف إلى الشرطة."
وليست المضايقات والإزعاجات الجنسية عادة مادة تُطرح للنقاش العلني المفتوح في مصر. لكن استطلاعا للرأي أجراه المركز المصري لحقوق المرأة مؤخرا كشف عن وجود اتجاه ينبئ وينذر بالخطر، وقد أخذ يتبلور في المجتمع.
فمن أصل أكثر من 2000 امرأة شملها الاستطلاع، قالت 83 بالمائة من النساء المصريات إنهن تعرضن لبعض أنواع المضايقات.
والنتيجة المروِّعة أكثر من ذلك، والتي أفضى إليها الاستطلاع، كانت إقرار حوالي ثلثي الرجال الذين شملهم الاستطلاع، وبكامل حريتهم، أنهم قد أساؤوا إلى امرأة ما في وقت ما من حياتهم.
يقول نهاد أبو القمصان، الذي أعد الاستطلاع المذكور، إن اللوم في التحرش الجنسي يقع في غالب الأحيان على المرأة بسبب طريقة لبسها المثير.
يقول أبو القمصان: "معظم الناس الذين سألناهم قالوا إنه لن يكون هناك من تحرش بالمرأة فيما لو كانت ترتدي لباسها بطريقة بسيطة ومتواضعة. لكن عندما تقصَّينا آراء النساء وسألناهنَّ ما الذي كنَّ يرتدينه عندما تعرضن للمضايقات، فقد قالت أكثر من 70 بالمائة منهن إنهن كنَّ يرتدين الحجاب."
ويضيف: "لم يعد من المقبول إلقاء اللوم على الضحية."
وغالبا ما تبلِّغ النساء المصريات عن تلك الاعتداءات والتحرشات التي يتعرضن لها، وذلك بسبب الرغبة بتجنب الإحراج العلني أو جلب الخزي والعار لعائلاتهن. وعلى كل حال، فهناك تعاطف ضئيل للغاية من قبل الشرطة عندما تبلغ إحداهن عن تعرضها لمضايقة أو لإزعاج.
لكن في قضية شكلت علامة فارقة في مصر العام الماضي، أصدر أحد القضاة حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات على رجل لامس مرات عدة جسد امرأة كانت تسير في الشارع بينما كان يقود سيارته بمحاذاتها.
وقد تمسكت الضحية نهى رشيد صالح، واسمها الفني نهى أستاذ وهي مخرجة سينمائية في الثامنة والعشرين من العمر، بسيارة المعتدي عليها، واسمه شريف جمعة، حتى نجحت في نهاية المطاف بجره إلى قسم الشرطة.
ومنذ انتشار أخبار تلك القضية، أصبح الحديث العلني عن مشكلة التحرش الجنسي في مصر موضوعا عاديا يتم التطرق إليه في وسائل الإعلام.
وقد أقرت الحكومة المصرية بشكل متأخر بأن لديها مشكلة لا بدَّ من مواجهتها وهي التحرش. وهناك الآن تشريع يجري تمريره من قبل البرلمان، حيث يقدم تعريفا للتحرش الجنسي ويعتبره جريمة يعاقب عليها القانون، الأمر الذي سيجعل من السهل على النساء الإبلاغ عن حالات التعرض للمضايقات والتحرش.
لكن النساء المشاركات في دورة تدريب الكاراتية يقلن إن القضية تحتاج إلى جهد منسق بشكل أفضل وتتضافر فيه كافة أطياف المجتمع المصري، مع ردِّ فعل عنيف من قبل الرجال أنفسهم، وذلك إذا ما قُيِّض لهن (أي لمن يتبعن دورات الدفاع عن النفس) الفوز في الشارع بالحصول على الشرف والاحترام اللذين يحظيان به في صالات التدريب الرياضي.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد