وعيد أميركي وحلول بديلة لشرقيّ الفرات
لم يتوقف النشاط التركي العسكري قرب الحدود مع سوريا، رغم المحاولات الأميركية ــــ المستمرة أيضاً ــــ لتحييد مناطق شرقيّ الفرات عن معركةٍ تتوّعد أنقرة بشنّها خلال «موعد قريب». وترافقت هذه الرسائل الميدانية مع تسريبات نقلتها وكالة «الأناضول» التركية عن مصادر داخل «الائتلاف» المعارض، تقول إن الولايات المتحدة بعثت رسائل إلى المؤسسات والفصائل المتعاونة مع الجانب التركي، تحذّرها من المشاركة في أي عملية عسكرية قد تنطلق شرقيّ الفرات. وعلى خلاف الرسائل الأميركية السابقة التي عادة ما تحمل لهجة النصح أو الإبلاغ، فقد ذهبت الرسالة التي لم تكشف الوكالة الجهة الرسمية التي صدرت عنها، إلى القول إن «مشاركة الائتلاف أو الجيش السوري الحر بأي شكل في العملية، تعني الهجوم على الولايات المتحدة وقوات التحالف (الدولي)، وهذا سيؤدي إلى صدام مباشر معها»، على حدّ زعم «الأناضول».
ولفتت إلى أن تداخل القوات الأميركية مع «قوات سوريا الديموقراطية» يجعل من غير الممكن مهاجمة الأخيرة من دون استهداف قوات «التحالف» والقوات الأميركية والاشتباك معهما، مضيفة أنه «حينما ترقص الفيلة، عليك أن تبقى بعيداً عن الساحة»، في كناية عن الخسائر التي قد تلحق بتلك الفصائل إن شاركت في الهجوم. ورغم أنّ الرسالة لم يؤكّدها مصدر آخر، غير أنها تعزز التصور الموجود عن جدية الخلافات الأميركية ــــ التركية بشأن شرقيّ نهر الفرات والدعم الأميركي المقدم إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.
ودفع ذلك الرئاسة التركية، عبر المتحدث باسمها إبراهيم قالن، إلى تجديد موقفها الرافض لإنشاء «دولة أو كيانات شبيهة بالدولة على الحدود مع تركيا»... على اعتبار أنها «تهديد لأمن تركيا القومي». كذلك خرجت الفصائل المسلحة المنضوية ضمن «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، لتأكيد مشاركتها في أي عملية مقبلة، رغم التحذيرات الأميركية.
ووسط قلق أوروبي من «أي تحرك أحادي الجانب» في شرقيّ الفرات، تتهم أوساط محسوبة على «الوحدات» الكردية، الجانب الروسي بالتواطؤ مع تركيا والتغاضي عن الهجوم المحتمل، إلى جانب محاولة الاستفادة من التوتر الأميركي ــ التركي المتجدد في ملفات أخرى مرتبطة.
وفي المقابل، تشير معلومات أولية إلى احتمال عودة نشاط بعض القنوات المجمّدة بين «مجلس سوريا الديموقراطية» ودمشق، رغم العقبات التي قد تحول دون تجيير ذلك لمصلحة القيام بإجراءات (سريعة) منسّقة بين الجانبين. وفي الوقت نفسه، لا تدلّ توجهات أنقرة الحالية في رفض المماطلة الأميركية، ولا سيما مبادرة «نقاط المراقبة»، على قرب التوصل إلى حلّ بديل.
وتنقل أوساط إعلامية مقربة من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» عن مصادر كردية سورية، قولها إن الأميركيين يخططون لنشر آلاف العناصر من «بيشمركة روج آفا» الذين تدربوا في العراق، في المناطق الحدودية، بما يشكل فصلاً بين الأراضي التركية ومناطق سيطرة «الوحدات» الكردية. ورغم عدم صدور أي تصريح رسمي في هذا الخصوص، قالت شبكة «باس نيوز» إنه «سيجري خلال الأيام القليلة المقبلة، نشر الدفعة الأولى... وسيكون قوامها 400 مقاتل، على أن يصل العدد الإجمالي إلى 8 آلاف». وكانت تركيا سابقاً قد سمحت لقوات «بيشمركة روج آفا» بالدخول عبر أراضيها للمساعدة في طرد «داعش» خارج منطقة عين العرب (كوباني) في تشرين الأول من عام 2014.
وفي مقابل التركيز الأميركي على حساسية أمن الجنود الأميركيين في شرقيّ الفرات، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده «لن تعرّض حياة الجنود الأميركيين للخطر، وستركّز على التنظيمات الإرهابية، تماماً مثلما جرى في عفرين وفي عملية درع الفرات»، مضيفاً أن هناك قنوات تواصل بين الجيشين التركي والأميركي للحيلولة دون وقوع حوادث غير مرغوب فيها. وعلى الجانب السوري من الحدود، دعا «الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي» إلى عقد «اجتماع طارئ» في مدينة القامشلي، الخميس المقبل، وذلك بهدف «سدّ الطريق أمام التهديدات التركية».
ووفق بيان صدر عن الحزب، إن أي اتفاق للقوى السياسية شرقيّ الفرات سيتيح التواصل لاحقاً مع كل الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة السورية، لنقاش طرق وآليات منع الاعتداء التركي المحتمل.
وبرز أمس في ضوء تلك التطورات، حديث لوزير الخارجية التركي، ضمن مؤتمر في الدوحة القطرية، اعتبر فيه أن «على الجميع أن يعيد فتح قنوات التواصل» مع الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، في حال كسبه «انتخابات ديموقراطية وحرّة» مستقبلاً. الموقف التركي، برغم أنه يصبّ في مصلحة المصالح المتبادلة مع روسيا وإيران عبر مسار «أستانا/ سوتشي»، يضاف إلى جملة من التطورات الخاصة بوضع سوريا داخل الإقليم.
وكان آخر تلك التطورات، وصول الرئيس السوداني عمر حسن البشير، إلى سوريا، في زيارة لافتة لرئيس إحدى الدول العربية، هي الأولى من نوعها منذ مقاطعة معظم تلك الدول لدمشق في عام 2011. واستقبل الرئيس الأسد البشير في مطار دمشق الدولي، ثم توجّها إلى قصر الشعب لعقد محادثات. وأشار الرئيسان إلى أنّ ما يحصل في المنطقة، وخاصة في الدول العربية، يؤكد ضرورة استثمار كل الطاقات والجهود من أجل خدمة القضايا العربية. وأوضح الرئيس البشير أن سوريا دولة مواجهة، وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية، وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع، وفق ما نقلت وكالة «سانا» الرسمية عنه. وأعرب البشير عن أمله أن تستعيد سوريا عافيتها ودورها في المنطقة بأسرع وقت ممكن.
الأخبار
إضافة تعليق جديد