خيارات مفاضلة الشراكة الأميركية مع دول شبه القارة الهندية
الجمل: تشهد الساحة الأميركية المزيد من الخلافات حول طبيعة العلاقات الأميركية الآسيوية, وعلى وجه الخصوص إزاء منطقة شبه القارة الهندية, والتي ينظر الخبراء الأميركيون إليها باعتبار أن نجاح واشنطن في السيطرة هلة هذه المنطقة, سوف يتيح لأميركا الإمساك بأحد أهم مفاتيح السيطرة على القارة الآسيوية.
واشنطن وإشكالية الخيار الهندي:
يعتمد قرار السياسة الخارجية الأميركية على ما يمكن أن تفضي إليه معايرة المزايا والمنافع والتي يمكن الحصول عليها, وفيما يتعلق بمنطقة شبه القارة الهندية, فقد برزت العديد من وجهات النظر التي سعت إلى مقاربة كيفية التعامل مع المنطقة, وما هو أفضل سيناريو يمكن أن يحقق استخدامه تعزيز المصالح الأميركية بأكبر ما يمكن, ويقلل مخاطر الأمن القومي الأميركي إلى أقل ما يمكن؟ هذا وفي معرض الإجابة على هذا السؤال, فقد انقسم الخبراء الأميركيون إلى:
•فريق راهن على أولوية الشراكة الاستراتيجية مع الهند, لأنها تمثل الكيان الإقليمي الرئيسي في المنطقة, إضافة إلى قابلية الهند للدخول في الشراكات الاستراتيجية مع أميركا, وعلى وجه الخصوص في ملف استهداف الصين, وملف استهداف الحركات الإسلامية, إضافة إلى عدم وجود أي حساسية لها مزاياها الخاصة, ولما كانت الخصوصية التقليدية الجارية بين الهند والباكستان تشكل عاملا محفزا لكل من نيودلهي وإسلام أباد لجهة السعي والتسابق من أجل بناء الشراكة مع أميركا, فإن واشنطن تستطيع القيام بلعبة المناورة بالشراكة الاستراتيجية مع الطرفين, عن طريق تجميد الصراع الهندي-الباكستاني من جهة, ودفع كل طرف باتجاه اعتماد جدول أعمال إقليمي خاص به, ولا يتضارب مع جدول أعمال الطرف الآخر.
حتى الآن لم يستقر خيار الإدارة الأميركية بشكل نهائي على طرف محدد في منطقة شبه القارة الهندية, وتقول المعلومات, بأن خبراء مجلس الأمن القومي الأميركي منقسمون إزاء المفاضلة, بحيث يناصر الخبراء المرتبطون بجماعات اللوبي الإسرائيلي الخيار الهندي, وتنقسم البقية بين عدد كبير يناصر خيار الجمع بين الشراكتين, مع وجود أقلية صغيرة تراهن على أفضلية الشراكة مع الباكستان, طالما أن تمركز أميركا في باكستان سوف يردع الهند من مغبة السعي لبناء الروابط مع خصوم أميركا, وعلى وجه الخصوص الصين وروسيا.
خيار جدول الأعمال الأميركي المشترك: إلى أين؟
سعت إدارة بوش الجمهورية السابقة, ومن وراءها إدارة أوباما الديموقراطية الحالية إلى اعتماد دبلوماسية جدول أعمال مشترك إزاء دبلوماسية منطقة شبه القارة الهندية, وذلك لجهة الآتي:
•بناء الشراكة مع باكستان على أساس اعتبارات الأجندة الأمنية الأميركية إزاء أفغانستان, وإيران, وغرب الصين, ومنطقة آسيا الوسطى, إضافة إلى ملف الحرب ضد الإرهاب.
•بناء الشراكة مع الهند على أساس اعتبارات الأجندة الأمنية الأميركية إزاء منطقة المحيط الهندي, وتثبيت منطقة جنوب شرق آسيا, واستهداف جنوب غرب الصين, إضافة إلى تعزيز الروابط مع حلفاء أميركا, وعلى وجه الخصوص إسرائيل.
نلاحظ أن جدول أعمال دبلوماسية أميركا إزاء الهند, وجدول أعمال دبلوماسية أميركا إزاء الباكستان, برغم أنهما يختلفان على أساس اعتبارات الجانب التطبيقي-التنفيذي بسبب اختصاص كل واحد منهما بمسرح إقليمي محدد المعطيات, فإن هذين الجدولين يرتبطان بشكل وثيق ويكملان بعضهما البعض, لان كل واحد منهما يتيح مزايا ومنافع إضافية تجتمع جميعها ضمن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية المحصلة النهائية للمصالح الأميركية في منطقة شبه القارة الهندية, وجنوب وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى.
دبلوماسية واشنطن وإشكالية الحفاظ على قواعد اللعبة:
تقوم دبلوماسية واشنطن إزاء منطقة شبه القارة الهندية على مبدأ تعزيز الفرص, وتفادي المخاطر, فهي من جهة تسعى إلى دفع الهند باتجاه التعاون التجاري والتكنولوجي إضافة إلى الاهتمام بالقضايا المتعلقة بأمن المحيط الهندي, وذلك بما يتيح دفع الهند باتجاه الجنوب, أما باكستان, فتسعى واشنطن إلى دفعها باتجاه الشمال حيث حرب أفغانستان, والتغلغل في آسيا الوسطى, وما شابه ذلك, وبكلمات أخرى, فإن أحد أهم المحرمات في الاستراتيجية الأميركية هي أن لا تنظر نيودلهي شمالا حيث باكستان, وأن لا تنظر إسلام أباد جنوبا حيث الهند, وذلك لأن النظرة الهندية-الباكستانية المتبادلة تتقاطع في أزمة ملف كشمير, وهو ما تسعى واشنطن لتفاديه.
برغم نجاح واشنطن في توزيع المهام والتخصصات الإقليمية بين إسلام أباد ونيودلهي, فإن مشكلة واشنطن الحقيقية تكمن في داخل النظام السياسي الهندي, وبنفس القدر داخل النظام السياسي الباكستاني, وذلك بسبب الصعود الأصولي الكتعاكس:
•في باكستان أصبحت الحركات الأصولية الإسلامية مثل الجماعة الإسلامية وحركة طالبان باكستان وغيرها أكثر صعودا باتجاه الوصول إلى السلطة.
•في الهند أصبحت الحركات الأصولية الهندوسية مثل حزب بهارتيا جاناتا وغيره من جماعات اليمين الديني الهندوسي أكثر صعودا باتجاه الوصول إلى السلطة.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن ينفجر الوضع في حالة وصول الأصولية الدينية في البلدين, وذلك لأن وصول أي أصولية دينية إلى السلطة في أحد البلدين, سوف يترتب عليه تسريع وصول الأصولية الدينية إلى السلطة في البلد الآخر, وبالتالي, فإن واشنطن تبذل قصارى جهدها من أجل الحيلولة دون وصول أي طرف أصولي.
المشكلة الأكثر خطورة في الوقت الحالي تتمثل في تأثير العامل الإسرائيلي, وذلك, لان جماعات وأيادي اللوبي الإسرائيلي تمارس ضغطا متزايد على عملية صنع واتخاذ القرار الأميركي باتجاه تفعيل الخيارات الآتية:
•السعي لإنفاذ خيار تقويض القدرات النووية الباكستانية, ثم ترك باكستان للأصولية الإسلامية.
•السعي لإنفاذ خيار دعم القدرات النووية الهندية ثم ترك الهند للأصولية الهندوسية.
لم يتوقف سعي جماعات اللوبي الإسرائيلي عند حدود الضغط داخل الإدارة الأميركية, وإضافة لذلك, فقد سعت إسرائيل وتحديدا حزب الليكود الإسرائيلي إلى تعزيز العلاقات والروابط مع حزب بهارتيا جاناتا الأصولي الهندوسي, والذي أصبح مؤخرا يمثل المنافس الرئيسي لحزب المؤتمر الهندي الحاكم في الساحة السياسية الهندية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد