كيف فرط عقد ثوار زياد الرحباني في نزل السرور
الجمل ـ باسل محمد يونس: أطل زياد الرحباني مسرحياً على جمهوره لأول مرة عام 1973 بعمل "سهرية" ذو الصبغة الرحبانية التقليدية حيث كان عمره وقتها 18 سنة فقط لا غير، بعدها بعام بدأت ملامح المسرح الزيادي بالتبلور والظهور عبر عمل "نزل السرور"... وهنا كانت بداية مشوار المسرح الزيادي في رفض التقليد أو الغوص في عالم المثاليات والخيال على شاكلة "سهريه" أو أسلوب الأخوين رحباني... دون أن يفهم من هذا التوصيف أي انتقاص لأعمال الرحابنة التي نحب، ولكن من أجل إبراز الإضافة البسيكولوجية والاجتماعية والجرأة الزيادية في وضع الإصبع على الجرح بأسلوب المضحك المبكي.
مسرحية نزل السرور اتخذت الشكل السياسي الثوري الواقعي الذي يمس جوهر الشعب في حياته اليومية، لم يكتفي زياد بالأغاني الرائعة التي أدى أغلبها، الفنان الراحل صاحب الصوت ذو النكهة الخاصة "جوزيف صقر"، فأضاف إلى موسيقاه "المضادة لجميع الأمراض" حوار عميق في دلالاته خصوصاً في آخر ربع ساعة من المسرحية... زياد لم يقبل لجمهوره مجرد مسرح خيالي أو مضحك وخاصة أن الحرب الأهلية كانت على قد بدأت بالنهوض وهو عملياً كان قد تنبأ بها قبل أن تبدأ بعام من خلال نزل السرور، واستعرض آثارها فيما بعد في "فيلم أميركي طويل وشي فاشل"... في نزل السرور اقترب زياد من الشخصيات والواقع وفيها اتضحت ثوريته و يساريته كفكر، أي دون وخارج الإطار الحزبي كما يؤكد زياد في مقابلاته.
تدور أحداث المسرحية في فندق صغير "نزل السرور" يقطنه مجموعة أشخاص من الطبقة الفقيرة، القاسم المشترك بينهم هو التعتير والخنوع، المسرحية تطرح ضعف وجبن الشعب في اتخاذ قراراته المصيرية وخنوعة وتعلقه بالتاريخ، حيث يقول، زياد في دور زكريا، جملة مؤثرة في آخر المسرحية... "أنا بعرفو تاريخنا ناطر كف من غيرنا...".
يتم اقتحام الفندق من قبل رجلين كانا قد طردا من عملهم بسبب التحريض الدائم لزملائهم على الثورة... الرجلين: عباس وفهد "بروليتاريا يائسة رثة في قمة التعتير"... يقرر عباس و فهد البدء بالثورة من نزلاء الفندق في زمن الإضرابات والمظاهرات ... يفرضون على النزلاء خيارين: البدء معهم بالثورة أو تفجير الفندق فوق رؤوس قاطنيه... الثورة والتي يبدو أن زكريا، أحد نزلاء الفندق "رجل محشش طردته زوجته بسبب سكره الدائم ولعب القمار وإهماله لبيته وأولاده"، قد اقتنع بها وأن ثورة عباس وفهد سوف تحل مشكلته وتؤمن مستقبل أفضل لأولاده... لكن النزلاء كانوا غير مقتنعين بضرورة الثورة ولم ينجحوا في إيجاد حل ينقذهم من هذه الورطة الثورية.
الحل كان برشوة عراب الثورة "عباس" بصبية جميلة وغنية اسمها "سوسن" ابنة عبلة صاحبة الفندق مع أنها كانت مخطوبة، ويتم إخراج "صفقة إلغاء الثورة" على أنها مجرد تأجيل لدواعي ثورية محضة و تسند المهمة للأستاذ رؤوف "منظر ثوروي شغلته التنظير والعلاك الفاضي" فيتلي على النزلاء بيان تأجيل الثورة ويذهب عباس مع، مكاسبه الثورية، أي سوسن وأموال أمها عبلة خصوصاً أنها ابنتها الوحيدة.
لزياد رؤية واضحة وساخرة من التراث، عندما يسخر على لسان بركات "المطرب وقيصر الملحن" من "أبو الزلف" و"الدلعونا" ومن "شلح الزنبق" و"نبع المي" و"كتف الوادي" ...الخ.
أبو الزلف والدلعونا ينتميان حقاً إلى التراث أما المفردات الأخرى فتنتمي إلى تعابير الرحبانة التي يبدو أن زياد يصنفها أو يعتبرها من عائلة التراث وهو ليس غاضب منها، إنما يتعاطى مع الموضوع بواقعية أكثر وجرأة من خلال تعرية كل ما نتغنى به ولم يعد له أثر في حياتنا الواقعية.
تهرب سوسن من عباس لاحقاً وتعود للفندق لتنبه النزلاء أنه عائد إلى الفندق ليقتل النزلاء، يهرب الجميع، ما عدا الراقصة تحيات وزكريا الذي كان في قمة التحشيش وعم يحلم بمستقبل أفضل لأولاده بعدما اقتنع بضرورة الثورة التي أجهضت بسوسن وأموال أمها... بالنهاية يصعد عباس إلى الطابق الثاني ليعقد اجتماع ثوري خاص واستثنائي حميم مع الراقصة تحيات... زكريا يرفض الهرب ويفشل فهد في إقناعه بمغادرة الفندق.
الأهم في المسرحية كان الحوار الذي دار بين زكريا وفهد... يقول زكريا لفهد "هيك بتوعدونا بثورة و بترجعوا تلغوها ... نحنا يا خواجة فهد، تاريخنا متل بيينا... وين هوي بينا... شو عملتولنا ببينا... وينك يا بيينا ولوه هيك بتوعدوني بثورة وبترجعو بتلغوها؟ بشرفي أنا انوعدت فيها وكنت قاعد ناطركن هون.. كنت واعد ولادي جبلهن لعب من الثورة...أنا بعرفو تاريخنا ناطر كف من غيرنا.. قول أنا شرشوح، شرشوح وولادي تعودوا عالحقيقة... بس أنت.. أنت معك سلاح وشرشوح... عم تلعبو فينا يا خواجة فهد.. صرلكن زمان عم تلعبو فينا.. عطيني رشاش واحد لولادي.. رشاش واحد.. ثورة وحدة.. ولو يا خواجة فهد.. ولو يا أستاذ فهد.. فهد.. فهد... أنت بتعرف شو بيعملوا فيهن ولادي"... بما معناه أن الثوار فرطوا.
من الأغاني المعبرة في المسرحية:
يا نور عينيا.. يا نور عينيا.. رحنا ضحية .. ضحية الحركة الثورية يا نور عينيا.. يا نور عينيا.. يا نور عينيا عينيا
كنا في احلى الفنادق.. جرجرونا عالخنادق.. وشكلنا ليس بلائق.. قبل ما جيت يا عفريت.. كنا نغني عالاراصية
عالاراصية منين منين.. والله سقوها دمع العين يا عيني عيني ملا تنين.. والله رحنا ضحية يا نور عيني.. عيني.. يا اراصية
يا من تهدد بالرشيش.. بكل أنواع الفتيش يا من تهدد بالرشيش.. بكل أنواع الفتيش
طالبن تحسين عيشي.. ثائر حار ياكل النار.. ونحن من.. أه.. مزيكاتية.. مزيكاتية مزيكاتية مزيكاتية
يا نور عينيا.. رحنا ضحية يا نور عينيا.. رحنا ضحية الحركة الثورية يا نور عينيا.. يا نور عينيا.. يا نور عينيا عينيا.
مقاطع من المسرحية:
http://www.youtube.com/watch?v=AOqDlEF8_E8&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=AhnB1IG3MwM
http://www.youtube.com/watch?v=FAfMCIhD1q4&feature=related
التعليقات
كان يجدر بكاتب المقالة ان
الى من كتب "كان يجدر بكاتب المقالة ان يشير الى المصدر".
إضافة تعليق جديد