الربيع العربي في فيلم أمريكي طويل
الجمل ـ باسل محمد يونس: السؤال الذي يطرح نفسه عن ما يسمى الربيع العربي أو الربيع الأطلسي الناتوي، هو عن دور الولايات المتحدة في كل هذه الثورات؟ هل صحيح أنها ورائها بالتمويل والتخطيط؟ وخصوصاً استهداف البلاد التي شاركت في الحرب الباردة بهدف زعزعة استقرار الأنظمة التي تشكل عائق أمام الهدف الكبير، أي أجندة العولمة كم تريدها واشنطن؟
أظن أن أي إجابة موضوعية على هذا السؤال تحتاج إلى مراجعة التاريخ الحديث و النظر قليلاً إلى الوراء، وصولاً إلى ما حدث أثناء الثورات البرتقالية في أوكرانيا للحصول على دلائل باتجاه أن أحداث كييف عام 2005 تصب في هذا المنحى أو الافتراض؟
هل الضخ المالي من قبل واشنطن لحركات المعارضة في تلك البلدان من أجل تغيير النظام كان لمجرد معاناتها من فرط في الإنسانية؟ ولماذا تشح الإنسانية في ملفات أخرى على هذا الصعيد؟
أوتبور في صربيا، الحركة المعارضة في بلاروسيا، حركة كمارا في جورجيا.. كل حركة مدروسة بدقة ولها علامة خاصة مع رموزها... "البرتقالية في أوكرانيا وثورة الورود في جورجيا وثورة التيوليب في قيرقيزستان وثورة الدينيم الزرقاء في روسيا البيضاء وثورة الفجل في لبنان 2005. جورجيا 2008، أوكرانيا وإيران 2009. كل الرموز مختلفة لكن لها نفس الهدف والراعي أي واشنطن.
الأحداث تعود لعام 2003 بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة أعلن بوش في قمة الثماني في تموز 2004 عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، هدف واشنطن هو تحويل الشرق الأوسط إلى سوق مفتوح كما حدث في أوروبا الشرقية بما يشبه الصدمات الكهربائية.
من الذين شاركوا فيما يعرف بـ"ثورة الأرز" عام 2005، " فريقاً إعلامياً أجنبياً وصل إلى بيروت عقب مقتل الحريري مباشرة . واجتمع هذا الفريق بقادة "ثورة الأرز" وقدم نفسه على انه مجموعة من الخبراء الأوكرانيين المتخصصين في صناعة الثورات. جاؤوا إلى لبنان بهدف مساعدة اللبنانيين في صناعة ثورتهم على حد تعبيرهم. وبعد أيام من وصول الفريق بدأت تصل وفود إعلامية من تلفزيونات عالمية عدة وعقدت اجتماعات مع إعلاميين وسياسيين من الفريق الذي يسمي نفسه ثورة الأرز لوضع الخطط لإدارة المعركة الإعلامية ضد سوريا وحلفائها في لبنان. وكان أول طلب للفريق الأجنبي هو تغيير اسم الحراك من انتفاضة الأرز إلى "ثورة الأرز"، على اعتبار أن كلمة انتفاضة ترتبط في ذهن الإعلام الغربي بالانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والتي يلخصها الإعلام الغربي بكلمة واحدة "الإرهاب".
الفريق الأوكراني كان وراء فكرة إضاءة الشموع في ساحة الشهداء وكتابة الشعارات باللغات الأجنبية وإعطاء حيز واسع للنساء في هذا الحراك وذلك كله بهدف كسب تعاطف الرأي العام الغربي.
منذ أن تقرر إطلاق الثورات الناتوية جرى وضع المنطقة على صفيح ساخن، ما يفرض تصعيد وتيرة التحرك إلى حين تحقيق المستوى المطلوب. الفوضى تتجه إلى جميع الدول التي تمثل عائقاً أمام الهدف الكبير أي أجندة العولمة كما تريدها واشنطن، إذ أن المطلوب بالفعل تغيير الأنظمة في العالم العربي بمقدار خدمة هذا الهدف. وإلا ما سر استقرار مستعمرات النفط الخليجية التي تعيش في ظل العصور الحجرية على صعيد حقوق الإنسان والحريات ومعاملة المرأة؟ لماذا الشعب لا يريد في أماكن أخرى من أرجاء الوطن العربي وفي مستعمرات النفط على وجه الخصوص؟ لماذا لا يسقط النظام في اليمن؟
الربيع الناتوي يؤكد المد الأميركي في المنطقة، من الواضح أنّ الاحتجاجات الموجهة على شكل مد ديمقراطي في بلدان معينة، ومنتقاة بدقة شديدة في المنطقة العربية، ستؤدي إلى تحوّلات تفتح الطريق إلى مشهد إقليمي جديد، ركبته واشنطن من خلال أنشطة خاصة في تلك البلدان، على شاكلة ثورات أوروبا الشرقية عام 1989>
كيف يمكن تفسير الهجوم الأميركي والصدور المفاجئ، بعد تأجيل طويل، في حزيران 2011 للقرار الاتهامي لمحكمة الحريري، ثم قضية اغتيال السفير السعودي في واشنطن.
هذا العام، تستمر الصورة الأميركية في رسم الشرق الأوسط العربي الناتوي؛ ففي مصر، في الأحد عشر يوماً الأولى من شباط 2011، تفادت واشنطن أن يتحوّل سقوط حليف لها على يد ثورة شعبية إلى كارثة أمريكية ، كما جرى في طهران 1979. فأقامت صيغة، الجيش ـ الإخوان المسلمين، وهو ما يبدو أنّه يتعمم في تونس، وفي ليبيا. وتلك الصيغة في طريقها إلى أن تطبق في صنعاء عبر المبادرة الخليجية.
الديمقراطية تبعث من جديد في الشرق الأوسط، لكن ما يبدو أنه ثورة عفوية تلقائية هو في الحقيقة عبارة مخطط استراتيجي دقيق تم تحضيره بمساعدة خبراء حرفيين، حتى أدق التفاصيل تم دراستها بعناية شديدة ... من دراسة ثغرات كل مجتمع أو بلد والدخول أو رفع شعارات تمس وجع الناس لكن كان المراد بها جر الأمور إلى مكان آخر، في ظل العولمة أصبحت هذه الصناعة سلاح حقيقي في وجه أي نظام في العالم... هؤلاء الخبراء مدعومين من منظمات أمريكية، مسرح عمل هؤلاء هو البلاد التي تصنف من قبل الدول الغربية على أنها تحتوي على مصالح هامة للغرب لا يبدو مجرد مصادفة؟
منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي، خبراء صناعة الثورات يتبعون إستراتيجية محددة أي إستراتيجية أوتبور الصربية التي كانت قد أسقطت ميلوسيفتش، هذه العملية التي كانت قد نجحت في إزاحة ميلوسيفتش في أواخر التسعينات أصبحت المعيار والنموذج الذي يقتدى به لبقية الثورات، حتى أن هناك مدرسه لتعلم الثورات اسمها كانفاس "مركز استراتيجيات المقاومة غير العنفية" تختصر في كلمة كانفاس في صربيا وهذا ليس سراً هذه المدرسة لم تكن بعيدة عن أحداث جورجيا وأوكرانيا ... بعد سقوط ميلوسفيتش أصبحت أوتبور ظاهرة عالمية حتى أن شعارها أصبح مشهوراً "القبضة" كتوقيع لصناعة الثورات. أنشأت في صربيا وعادت وظهرت في جورجيا "حركة كامارا"؟ ثم لحقتها حركة أبورونا في روسيا. بعدها أتى دور إيران في 2009.
الكاتب والمحاضر الأمريكي في جامعة برينستون ويليام أندل كتب على مدى 30 عام عن خطط واشنطن الجيوسياسية حتى أنه انشأ شبكة معلومات واسعة أخذت على عاتقها الغوص في خطة واشنطن السرية وهو يؤكد أن منظمة أتبور الصربية مرتبطة بواشنطن ولا تعمل لوحدها وتلقى التمويل منها أي أنها تنفذ أجندة سرية لواشنطن كاشفاً أن الأشخاص الذين يعملون في كانفاس الصربية، في أكثر من 50 دولة، مهمتهم الأساسية تنفيذ أجندة واشنطن. يتم استهداف البلدان الواقعة على لائحة وزارة الدفاع الأمريكية أي الدول المطلوب زعزعة استقرارها وتغيير أنظمتها.
في حوار أجرته صحيفة «الأهرام» المصرية مؤخراً مع الكاتب والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل يقول: بأن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس ربيعاً عربياً وإنما سايكس بيكو جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه.. منوهاً بأن الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعل لا يتم بطريقة تسليم المفتاح.
لافتاً إلى أن الاعتراف الأمريكي الغربي بالإخوان المسلمين لم يأت قبولاً بحق لهم ولا إعجاباً ولا حكمة، لكنه جاء قبولاً بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة في الإسلام لصالح آخرين، مضيفاً بأن نشوة الإخوان بالاعتراف الأمريكي الغربي بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف.
مشيراً إلى أن المشروع الغربي وهو أمريكي يزحف كحركة كماشة ومسعاه إغراق المنطقة في صراع سني ـ شيعي، وقد بدأ زحف هذا الخط من عدة سنوات.
الدكتور أسعد أبو خليل يرى أن هناك جدلية بين الإرادة الشعبية العربية في كل مكان وبين الإصرار الأمريكي والغربي الذي لا يريد للإرادة العربية الحرة أن ترتقي إلى مستوى الثورات الحقيقية وهذا لم يحدث لا في مصر و تونس.
يخطأ من يظن أن أمريكا سوف تنسحب وتترك المنطقة دون العودة... صحيح أن أمريكا هزمت في العراق، أي أنها لو لم تنهزم لما انسحبت، لدرجة أنها تستجدي وتفاوض حكومة المالكي من أجل تمديد الاحتلال وهناك فشل ذريع في أفغانستان وأكثر من دولة عربية، لكن أمريكا هذه إمبراطورية عالمية أي أن انسحابها من العراق لن يمنعها من التدخل في تفاصيل حياتنا اليومية.
إضافة تعليق جديد