«أنا القدس» يثير أسئلة تسويق دراما القضية الفلسطينية الصعبة
عندما أعلن المخرج باسل الخطيب عن إنشاء شركة إنتاجه «جوى»، كان الرجل قد أمضى نحو ست عشرة سنة من العمل في الدراما التلفزيونية السورية والعربية، قدّم خلالها كل الأشكال الفنية وتناول كل المواضيع الممكنة من أعمال تاريخية، ملاحم شعبية إلى سير ذاتية إلى أعمال رومانسية. كان من الطبيعي أن تكون باكورة أعماله مسلسلا يعلن من خلاله «أنا هنا.. وسط سوق الإنتاج الدرامي السوري»، يكون خلاصة تجارب سنوات عمله الطويلة لجهة تحقيق الشرط الجماهيري وشرط الرواج التسويقي بين المحطات. إلا أن باسل الخطيب يبدو مشغولاً بحسابات أخرى، أقلها تحقيق مشاريع فنية ضخمة مؤجلة، يدرك أن شرطها الجماهيري تضمنه جودة العمل ورقي مضمونه، أما حسابات التوزيع والتسويق فتأتي في مرحلة لاحقة من دون أن يغفل أهميتها لاستمرار عمل شركة إنتاجه. على هذا النحو يعلن باسل الخطيب عن تحضيره لمسلسل «أنا والقدس» من تأليفه، بمشاركة أخيه تليد الخطيب كباكورة لأعمال شركته «جوى» بالتعاون مع جهة إنتاجية مصرية هي أفلام محمد فوزي، في وقت تكشف مصادر ذات صلة أن أجندة عمل شركة باسل الخطيب للفترة القريبة المقبلة تحفل بأكثر من عمل يتعلق بالقضية الفلسطينية، منها فيلم سينمائي، الأمر الذي يرجّح توجهاً فنيا واضحا للمخرج الخطيب باتجاه الموضوع الفلسطيني، أقله في هذه الفترة من عمر شركته. هي فترة عصيبة على كل حال، ولا سيما حين يتعلق الحديث بالقدس وما تواجهه من محاولات تهويد وتعديات على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.
توجه باسل الخطيب السابق، مخرجاً ومنتجاًَ، باتجاه الموضوع يمكن أن يكون مفهوماً. إذ ما انفك الرجل يتحدث عن قناعته بأن تناول الموضوع الفلسطيني، إعلامياً ومنه الدراما بطبيعة الحال، لم يلق ما يستحقه بعد، وان هناك تقصيرا كبيرا جدا على كافة الأصعدة من قبل المنتجين والمنابر الإعلامية في المنطقة العربية تجاه قضية فلسطين والشعب الفلسطيني. ربما نحن نحفظ للمخرج الخطيب توجهه في هذا الوقت باتجاه هذه الموضوعات بالذات، في وقت تتخبط فيه الدراما العربية عموماً بين موضوعات تستحق وأخرى لا تستحق.
بكل الأحوال، فإن الحسابات السابقة لا علاقة لها بحسابات الربح والخسارة التي يفترض أن تضعها أي شركة إنتاج درامي نصب عينيها. فمشروعها بمقدار ما هو فني، هو اقتصادي أيضاً، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الصعوبات التسويقية التي لاقتها الأعمال الدرامية المتعلقة بالموضوع الفلسطيني حتى الآن، فسيبدو إنتاج «أنا القدس» كباكورة لأعمال شركة إنتاج مغامرة بحد ذاتها. ولعل باسل الخطيب هو أكثر من يدرك ذلك، فقد سبق وقدم أكثر من عمل درامي مشابه، لقي الصعوبات التسويقية التي نتحدث عنها، فإلى أين يمضي المخرج الخطيب منتجاً اليوم؟
سبق وكرر الخطيب أكثر من مرة في حوارات جمعتنا، أن ما نراه موضوعاً خاسراً تسويقياً في الأعمال التي تتناول القضية الفلسطينية هو مشروع رابح على المدى البعيد، على الأقل بالنسبة إلى العاملين فيها، «فهذا كسب معنوي لهم، وسيسجل لنا جميعا»ً. مع هذا، فالحديث عن مشروع «أنا القدس» على النحو السابق سيبدو مثيراً لشهية طرح الكثير من أسئلة الاستهجان، إذ يبدو غريباً أننا ما زلنا حتى الساعة نتكلم عن صعوبات تسويقية عندما يتعلق الأمر بالدراما التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، رغم أننا نتحدث اليوم عن نحو خمس وسبعين فضائية عربية مختصة بقطاع الدراما والسينما والمسلسلات والثقافة العامة، وفي ظل الحماسة العربية التي أثارها مشهد أو اثنان في مسلسل «وادي الذئاب» وتبني فضائية «أم بي سي» لعرض المسلسل التركي «صرخة حجر»، فهل نشهد حماسة موازية لتبني عرض مسلسل «أنا القدس» ومسلسلات أخرى ذات قيمة فنية عالية تتصدى للقضية الفلسطينية؟
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد