«الإسلام الأوروبي»: تقليدٌ لاهوتي جديد تطلقه برلين من داخل الصفوف الجامعية
بعدما أطلقت ألمانيا الإصلاح البروتستانتي ومنحت الفاتيكان قيادتها الحالية، ها هي اليوم تقود جهودا واسعة لتسويق تقليد أوروبي لاهوتي للوافد الجديد: الإسلام.
... في أحد الصفوف الجامعية المضاءة في مدينة أسنابروك الصغيرة، شمال غرب ألمانيا، يشارك 30 من أئمة المساجد الألمانية في دورة برعاية الحكومة للتفاهم بين الأديان. التجربة، واحدة من أخرى عدة في أنحاء القارة، تغطي مواضيع تتراوح بين الإصلاح والدستور الألماني، وتأتي بعد الهجوم المزدوج الذي نفذه «سفاح أوسلو» يوم 22 تموز الماضي في النروج.
هجومٌ لفت نظر الأوروبيين إلى العقود الطويلة التي نبذوا خلالها المجتمعات المسلمة التي تعدّ اليوم 44 مليون مسلما يقيمون في أوروبا، وفق إحصاء لمركز «بيو»، أي 6 في المئة من سكان القارة، وهو الرقم الذي قد يرتفع إلى 8 في المئة في العام 2030.
تغذت شعبية اليمين المتطرف في أوروبا في السنوات الأخيرة بمخاوف زرعها الشعبويون (أصحاب الفكر الشعبوي المتطرف المعادي للأجانب) واهمها ان تنامي هجرة المسلمين، الذين لا يزالون متشبثين بلغاتهم الأصلية وثقافاتهم، يجرف الهويات الثقافية الوطنية الأوروبية. كذلك، ينمو في السياسة الفكر القائل ان مبدأ استيعاب السكان المسلمين في المجتمع الأوروبي قد ضل طريقه، مع ازدياد القلق من عواقب سياسية واجتماعية -اقتصادية وأمنية.. هذا ما ظهر في كلمة شهيرة في الخريف الماضي أعلنت فيها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ان التعددية الثقافية في ألمانيا «فشلت تماما».
وعليه، تحاول الحكومات الأوروبية بتعليم أئمة المساجد المحلية في إطار النظم الوطنية الجامعة، التوفيق بين ممارسة الإيمان بروح الهوية الوطنية وبين قيم ما بعد التنوير والتقاليد، وهي التي أطلق البعض عليها تسمية «الإسلام الأوروبي». ودخلت الخطة الجديدة طريق التنفيذ في هولندا حيث تموّل الحكومة حاليا برامج جامعية للاهوت الإسلامي، فيما بدأت فرنسا دعم دورات مدنية للقيادات الدينية المسلمة، في خطوة لتحويل الأئمة الأجانب إلى «أئمة على الطريقة الفرنسية» بحسب وصف صحيفة «لو فيغارو».. جامعة اوسلو ايضا تسير على الخطى ذاتها حيث تنوي بالتعاون مع جامعة آبسالا في السويد تقديم دورات إسلامية في الخريف المقبل. اما المانيا، فها هي الحكومة تمنح خمساً من جامعاتها العامة ما يصل الى 4 ملايين يورو (5.7 ملايين دولار) لكل منها لتطوير برامج اللاهوت الإسلامي. واكتسبت تجربة أسنابروك، الأولى من نوعها في ألمانيا، قدرا كبيرا من الاهتمام، مع إحاطة الكاميرات والصحافيين بالطلبة: رجال يرتدون سترات متقنة ونساء محجبات...
في ألمانيا، يعتبر البرنامج تحولا نموذجيا واسع النطاق على صعيد الاعتراف المتأخر بأن الإسلام أصبح الآن جزءا دائما من الحياة الألمانية. حتى هذه اللحظة التي تدعم فيها الحكومة مثل هذه المبادرات، تتواصل النقاشات على صعيد الطبقة الحاكمة حول ما إذا كان الإسلام «ينتمي إلى ألمانيا»، وهو الجدل الذي بدأ مع الرئيس الالماني كريستيان وولف الذي أجاب بـ«نعم» خلال خطاب ألقاه لمناسبة الذكرى العشرين لإعادة توحيد ألمانيا. اما بعد توليه مهام منصبه في آذار الماضي، فبدا وزير الداخلية الالماني هانز بيتر فريدريش في موقع المعارض لوولف لافتاً «إن القول بأن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا ليس حقيقة يدعمها التاريخ».
... الطالب المسلم، الإمام يافوز، المولود في ألمانيا، يشتكي من سياسة التمييز تجاه المسلمين في البلاد. يافوز الذي يعيش في وطن معظم رجال الدين المسلمين فيه جاؤوا من الخارج، هو من أصول تركية، وهي الجنسية التي تشكل ثلثي الملايين الأربعة من المسلمين في ألمانيا... هاجر والد يافوز إلى برلين خلال السبعينيات بغرض العمل فبقي كغيره من المهاجرين والعائلات المسلمة في ألمانيا. ومع بلوغه عمر المراهقة، أُُرسل يافوز إلى تركيا للدراسة في مدرسة دينية إسلامية لتعلم الإسلام واللغة وثقافة أهله، قبل أن يعود إلى ألمانيا بصفة الإمام. انزعاج يافوز من تمسك الألمان بدوائرهم الثقافية اليهودية - المسيحية، بدا في حمله صحيفة ألمانية عنونت بالخط العريض: «الألمان الأكثر تشكيكا بالمسلمين»، في مقال تناول دراسة أظهرت ان 60 في المئة من الألمان لديهم سلوك سلبي تجاه المسلمين.
مجموعات إسلامية عدة رحّبت بدعم الحكومة لبرامج الدراسات الإسلامية، في خطوة وصفتها بـ«المتقدمة» على طريق فهم المسلمين ومساواتهم بالمجموعات الدينية الأخرى. ويقول الناطق باسم المجلس التنسيقي للمسلمين في ألمانيا أرول بورلو «اننا نرى في ذلك خطوة أولى تخدم انخراط الإسلام البنيوي في ألمانيا».
أما المطلوب من المسلمين - الأتراك في غالبيتهم، فيبقى «معرفة مخاطبتهم الجيل الجديد من المسلمين الألمان لأنهم غالبا ما يعرفون القليل عن المجتمع الألماني حتى أنهم لا يتقنون اللغة الألمانية بعد مضي سنوات على وجودهم في البلاد» بحسب ما رأى الاستاذ في العلوم الدينية في جامعة أسنابروك، روف سيلان. وقال «التحدي هو ان 90 في المئة من الائمة في البلاد من اصول تركية ويسوّقون لإسلام موجّه خاص بتركيا.. ما نريده هو أئمة متقدمون وشباب وخطباء.. ولكن اذا نظرنا إلى موقع يوتيوب فلن نرى سوى ائمة راديكاليين»...
السفير نقلاً عن «وول ستريت جورنال»
إضافة تعليق جديد