«التشليح» مهنة جديدة تجتاح اللاذقية
في الطريق إلى قرية بيت ياشوط على طريق اللاذقية ـــ جبلة، يمكن تخيّل الحكايات التي يرددها أهالي الساحل السوري عن الخطف والقتل والسرقات. لا مشاة على طول الطريق مع اقتراب المساء. الناس، هنا، سئموا الأسطوانة المشروخة التي يردّدها السوريون عن «بلاد الأمن والأمان». هُم يعيشون اليوم في منطقة تعجّ بالعصابات التي ترى في كل غريب فرصة لكسب المال. «سلّم ما لديك أو تُقتَل»، هذا هو شعار المرحلة في المناطق المسمّاة «آمنة». و«الأمان» صفة تُلصَق بها لتمييزها عن مناطق أُخرى «غير مؤيدة». لكلّ منطقة على الأرض السورية لعنتها. والمواطنون في الساحل السوري ضاقوا ذرعاً بمن يرتدون البزّة المموّهة، تشبّهاً بـ«حماة الديار» لتحقيق مآرب شخصية وإجرامية.
غسان، سائق الأجرة الأربعيني، أحد ضحايا هؤلاء. شاءت الصدفة وحدها أن يبقى على قيد الحياة. أقلّ الرجل شاباً بلباس مموّه على طريق جبلة ـــ بانياس. يقول: «كان الشاب يرمي السلام على الحواجز. ويقدّم لهم بطاقة ما. كانت السماء تمطر بشدّة، والظلام يهبط. لكنني لم أخشَ شيئاً. فكّرت في ألا آخذ المال من الشاب لأني خجلتُ من أخذ المال ممن يدافع عن البلاد وأهلها. إلا أنني فوجئت بظهور مسلحين على جانب الطريق يرتدون لباساً عسكرياً أيضاً، فرفع الشاب سلاحه في وجهي وأمرني بالتوقف. ساقني أحدهم جانباً وبدأ يساومني كم أملك من المال لأدفع لهم، ليتركوني على قيد الحياة». رصاص مباغت صدر قرب الطريق جعل الشبان يركضون كل في اتجاه وسمح لغسان بالتواري بين أشجار أحد البساتين القريبة حيث لجأ إلى أحد المنازل. ويتابع: «عرف أهل المنزل المسلحين من خلال الأوصاف التي أعطيتها، وقالوا إنهم من شبّان المنطقة». حرّر الرجل محضراً في قسم الشرطة، وأبلغه الضابط المسؤول أن حالته تحمل الرقم 19 بعد حوادث عدّة في المنطقة نفسها، مع فارق أن أصحاب الحالات السابقة كلّهم قُتلوا. خسائر غسان «اقتصرت» على سرقة سيارته و20 ألف ليرة سورية كانت داخلها.
في معظم حالات السرقة، يدّعي المسلحون أنهم جنود من الجيش السوري. يجبرون الضحية على النزول من السيارة. يأخذون أمواله وهاتفه الجوّال وسيارته. وأي محاولة للمقاومة ستُفضي حتماً بأي مدنيّ أعزل إلى الموت من دون أن يرفّ جفن للقتَلة. وهُنا لا يهمّ إن كان الضحية مؤيداً أو معارضاً.
يسأل زياد، وهو أستاذ جامعي من مدينة جبلة، عن سرّ تغاضي المسؤولين عمّا يجري. «قانون الغاب بات يسود الساحل السوري»، حيث «القوي يأكل الضعيف من دون شفقة، وتسقط جميع الأعراف أمام سلطة السلاح، وتتحكّم بالناس عصابات محلية لا همّ لها سوى السرقة والقتل».
يفصّل عصام، أحد العناصر الأمنيين في المنطقة، كيف بدأت عمليات الخطف والسرقة. «في المرة الأولى، قُتل رجل في بيت ياشوط بهدف سرقة سيارته. استعادت الدولة سيطرتها على الأوضاع سريعاً وألقيَ القبض على الجناة. إلا أنها كانت فكرة رابحة بالنسبة إلى أشخاص آخرين، فعادت مثل هذه العمليات الإجرامية إلى الظهور على أيدي عصابات محلية، ترأسها أو تدعمها شخصيات معروفة، ولا يمكن ردعها بسهولة».
ويوضح الرجل «خريطة الطريق السوداء» مبتدئاً بطريق جبلة ــــ بانياس، وطريق بانياس القديم الواصل مع بيت ياشوط، بالإضافة إلى بعض الطرق الفرعية مثل طريق القرداحة القديم وطريق المزيرعة والبهلولية والهال. هذه الطرق جميعها «غير سالكة بسبب تراكم المسلّحين». شكاوى كثيرة يجهر بها أهالي المنطقة. يسخر حسن، وهو مزارع من بيت ياشوط، من شماتة الساحليين بصراعات مقاتلي «داعش» و«الجيش الحر»، «فيما تنهشهم عمليات السرقة والقتل على أيدي أبنائهم». وعلى رغم إلقاء القوى الأمنية القبض على أكثر من 20 متورطاً في أعمال الخطف، إلا أن مصدراً أمنياً أكّد لـ«الأخبار» أنّ أعداد هؤلاء «تتجاوز المئات ويعملون في وضح النهار». تسيير دوريات من عناصر الأمن الجنائي، هو كل ما فعلته الدولة السورية للوقوف في وجه هذه الظاهرة، والسيطرة على أماكن حُكمها. أمرٌ لا يُقنع المواطنين الذين يعرفون جيّداً أن تورط بعض الأسماء المنتمية إلى عائلات متنفّذة ممن يهلع البعض من مجرّد ذكرها، سيقف حائلاً، كما جرت العادة، في وجه تنفيذ القانون. وليبقى اللاذقيون، أسوةً بأبنائهم الفقراء من عناصر الجيش السوري، عرضةً للموت وإن تعددت الأيادي المشاركة في قتلهم.
زينب بهجت
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد