«الجزيرة» و«العربيّة» تتفقان على «عظمة» أردوغان
لا يتردّد الإعلام الغربي في إلصاق لقب «السلطان»، باسم رجب طيب أردوغان. صورةٌ حرص الرئيس التركي على ترسيخها، وتلقّفتها بعض الفضائيّات العربيّة، على وقع التصعيد العسكري بين روسيا وتركيا. هنا، هو أكثر من سلطان، بل رجل لا يخاف، و «حامي الإسلام» المعادي لإسرائيل.
تتشارك وسائل الإعلام الروسيّة، وعشّاق فلاديمير بوتين على مواقع التواصل، في صناعة صورة عن الرئيس الروسي كرجل خارق، وقيصر روسيا الجديد الذي لا يقهر. على النمط ذاته، يسير بعض الإعلام العربي حديثاً في التعاطي مع رجب طيب أردوغان، وخصوصاً «العربيّة» و «الجزيرة» اللتين تجهدان لتركيب صورة إعلاميّة ذات معالم محدّدة ومختارة بعناية للرئيس الروسي.
في سياق تشييد صورة «السلطان» التي يسعى أردوغان لتثبيتها في الإعلام التركي والعالمي، تركّز الفضائيّتان الخليجيّتان على سمات محددة لشخصيته، فهو أوّلاً «المعادي لإسرائيل»، انطلاقاً من حادثة سفينة مرمرة (2011)، وعناوين دعم غزة، وحادثة مؤتمر دافوس الشهيرة، حين انسحب أردوغان من المؤتمر العام 2009، إثر مشادة كلاميّة مع شمعون بيريس. يصرّ الإعلام الخليجي على التذكير بتلك المحطّات باستمرار، والإشارة إلى أنّ الرئيس التركي لم يفوّت فرصة لتوجيه سهام النقد لإسرائيل. في هذا السياق، لم تلتفت القناتان إلى التقارب السياسي الأخير بين تركيا ودولة الاحتلال.
من سمات أردوغان أيضاً، أنّه «الرجل الذي لا يخاف»، بدليل جملته الشهيرة «نحذِّر الروس من اللعب بالنار» والتي تحولت إلى شعار رئيسي يتردّد في برامج القناتين المختلفة، كما في حلقة من برنامج «دي أن آي» قدّمها نديم قطيش على «العربية الحدث» و «المستقبل» (27/11) بعنوان ساخر هو «أردوغان «يعتذر» من روسيا»، حيث تمحور الحديث على تَقدُّم تركيا وثباتها.
هو أيضاً الرجل المحبوب من شعبه، ويظهر ذلك من خلال الاحتفالات بنتائج الانتخابات البرلمانيّة التركية الأخيرة في نشرات الأخبار والبرامج المختلفة على القناتين. كما احتفت القناتان على سبيل المثال مطوّلاً بخبر إنقاذ أردوغان للشاب التركي الذي أراد الانتحار بالقفز من أعلى جسر البوسفور.
على شاشتي «العربيّة» و «الجزيرة» يظهر أردوغان دوماً كرب العائلة المحافظ والمنفتح في آن معاً، وذلك ما تظهره «تقارير خفيفة» لا تتناول الجانب السياسي ظاهرياً وإنما الاجتماعي، رغم أنّها مفعمة بالرسائل السياسية، منها مثلاً تقرير عرضته «العربيّة» قبل مدّة عن فيديو يظهر الرئيس التركي وزوجته يغنيان في مناسبة عامة. وتصف المذيعة نجوى قاسم في حينه صوته بأنّه «جميل وقريب من أصوات مغنين تقليديين أتراك».
هو أيضاً، رجب طيب أردوغان، وليس أردوغان فحسب. والتركيز على لفظ اسمه كاملاً بشكل دائم على القناتين المذكورتين، لا يدع مجالاً للاعتقاد بأن المسألة مجرّد مصادفة، بل هي مقصودة لأنّ الاسم بكامله وتحديداً رجب طيب، يفتح الباب نحو التقارب مع العرب والمسلمين، لأن هذا الجزء مفهوم لمشاهدي القناتين على عكس لفظة أردوغان الأعجمية.
تحرض القناتان على إكساب الشخصيّة صفات العظمة بالدمج بينها كشخصية اعتبارية وبين تركيا كدولة، ضمن منظومة يورث فيها كل منهما (الدولة التركية والرئيس التركي) سماته للآخر. وعن هذا الطريق تضاف عدة سمات لأردوغان، فهو الإنسان الصبور والعقلاني لأنّ الجامعة العربية انتفضت من أجل دخول «100 جندي تركي فقط» إلى العراق، حسب المقدم في حلقة الاتجاه المعاكس الأخيرة عام 2015، في حين لم تقم تركيا ـ أردوغان بأي رد فعل متهوّر تجاه هذه المسألة.
هو كذلك الشخص الحكيم الذي لا تمرّ عليه الألاعيب الماكرة، وهو أيضاً صاحب الحق في حماية تركمان سوريا. ففي التقرير الذي افتتح به المقدم برنامج «حديث الثورة» على قناة «الجزيرة» (28/11) يرد حرفياً: «يضرب بجنون في سوريا (والمقصود روسيا ـ بوتين) حتى تتوجع تركيا، فهذه جبال التركمان.. يعتقد الأتراك أن الروس يحاولون استغلال حادثة الطائرة لزيادة نفوذهم العسكري في المنطقة ويحذرهم الرئيس التركي من اللعب بالنار (...) لكن أنقرة لا تبدو غافلة عما تصفه بمكر موسكو، فهل ينبغي الخشية من كلمات خريج مدرسة المخابرات السوفياتية القديمة؟».
وفي سياق البناء الإعلامي للشخصية، يجري اللجوء إلى إبراز أضدادها، لتسليط الضوء على جوانب مهمّة في شخصيّة أردوغان من دون نسبها إليه مباشرة. فالقول مثلاً بأن أردوغان «حامي الإسلام» بشكل مباشر، أمر فج قد يصعب هضمه. أما «تساؤلات» فيصل القاسم في حلقة برنامجه «الاتجاه المعاكس» (15/12) «ألم تصبح روسيا عدواً مبيناً للإسلام والمسلمين على ضوء تحرشاتها الصليبيّة بتركيا؟» فتسمح بإسناد الصفة المطلوبة بشكل سلس. علماً أنّه ليس «حامي الإسلام» فقط، بل «حامي السنّة» بحسب المعجم الذي تتبنّاه القنوات الخليجيّة. وهذه الصفة يمكن بناؤها مثلاً في عنوان اختارته «الجزيرة» للقائها مع أردوغان على «يوتيوب» (11/12): «لقاء خاص ـ أردوغان: روسيا تشكّل حلفاً طائفياً بالمنطقة». بهذا الخصوص «يسجّل» لـ «الجزيرة» أن لهجتها الطائفية، في موضوع أردوغان تحديداً، أكثر حدّة من لهجة «العربية».
تتناسق صورة أردوغان بشكل «مثير للإعجاب» عبر شاشتي «الجزيرة» و«العربيّة»، وتكاد لولا أن «الحقائق أشياء عنيدة»، أن تنافس الشخصية الإعلامية المقدمة للرئيس الروسي.
مأمون الحاج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد