«الدين السوري العام»: تمخّض الجبل فولد فأراً!
«الأرض مقابل الدين»، عبارةٌ تهويليّةٌ اشتغل البعض على ترويجها سنواتٍ عدّة «مُبشّراً» بأنّها ستكون مخرجاً مُحتملاً تسلكه الدولة السوريّة لحل مشكلات الدين العام الذي «سجّل أرقاماً فلكيّة» وفق تلك المزاعم. لكنّ هذه العبارة سُحِبت من التداول فجأة، أو تكاد، عقِب إصدار البنك الدولي تقريره الإحصائي للديون الدولية International Debt Statistics 2018. التقرير المذكور كشف عن أنّ حجم الدين العام السوري لا يتجاوز 3.5 مليارات دولار، وبحصّة 195 دولاراً فقط للفرد الواحد. (تقدّر الأمم المتحدة عدد سكان سوريا بحوالى 18.283.000 نسمة، أما مكتب الإحصاء المركزي السوري فيقدر العدد بـ 24.422.000 نسمة، ما يخفض حصة الفرد الواحد من الدين العام إلى 144 دولاراً فقط). وفي كلتا الحالتين، يمثّل الرقم خيبةً أمل حقيقيّة لكلّ من كان يراهن على إغراق سوريا بالديون إلى حدّ عجزها عن السداد. لتقدير حجم مخاطر الدين العام، يعمد الاقتصاديون إلى قياس نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي من جهة، وحصة الفرد فيه من جهة ثانية. قبل الحرب، كان الاقتصاد السوري يتغنّى بناتج محلي متنوع الأسس يقدر بـ 60 مليار دولار سنوياً، وبنسبة نمو رائدة تصل إلى 5 في المئة، وتوقّعات إيجابية عالمية بتطور هذا الناتج إلى 79 مليار دولار سنويّاً لو لم تدقّ الحرب طبولها. أفرزت الحرب خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تُقدّر بـ 169 مليار دولار، تمّت إضافتها كرقم أساس في تقديرات خسائر الحرب التي خاضها الاقتصاد السوري باستراتيجية انكماشية تقشفيّة ارتأتها الحكومات المتتابعة حلّاً.
وصل الناتج المحلي الإجمالي حسب التقديرات إلى 45 مليار دولار، بناء على آخر إحصاء قام به «معهد التمويل الدولي». وبمعزلٍ عن العجز وهشاشة التمويل المخصص لإعادة الإعمار، يأتي حجم الدين العام مقبولاً وقابلاً للسداد، ما أبعد سوريا عن تقرير «بلومبيرغ» للتصنيف الائتماني الذي حدد الدول الأكثر خطورة في احتمال عجزها عن إيفاء ديونها.
ووفق التقرير المذكور، جاء لبنان في صدارة الدول الشرق أوسطيّة بنسبة 154% دين عام من الناتج المحلي. تلته مصر بكتلة دين وصلت الى 203 مليارات دولار، ثم البحرين فتركيّا. سجّلت توقّعات النمو الاقتصادي السوري لعامي 2018 و2019 نسبة 3 في المئة، وهي نسبةٌ جيّدة لبلدٍ لم تضع الحرب أوزارها فيه بعد، ولا سيّما بالمقارنة مع نسب سالبة سُجّلت في سنوات الحرب الطويلة (أشدّها قسوة سُجّل عام 2012).
إلى الآن لا تزال الأخبار «جيّدة»، لكن الأخبار السيئة ستأتي في حال استمرار الاستراتيجية التقشفيّة التي اختارها الاقتصاد السوري بوجهه الحربي مع التركيز على تحقيق أقل سعر صرف وعلى ترشيد الإنفاق. إذ لا يبدو مقبولاً أن يستمر منهج «الاقتصاد الحربي» في حقبة «السلام والبناء». إنّ «إعادة الإعمار» التي تتحقق من ورائها توقعات نسبة النمو تحتاج إلى دعم بميزانية أكبر بكثير من رقم 100 مليون دولار (مخصصات «إعادة الإعمار» وفقاً للموازنة السورية لعام 2018). وهو رقم قد لا يكفي لإصلاح بعض الطرقات. وفوق ذلك، تم توجيهه للبناء وليس لإعادة إعمار أهم النسج المتهتكة من الاقتصاد السوري، وهو الاقتصاد الصناعي الذي تم تدميره بشكل ممنهج لتتجاوز خسائره حاجز الـ 18 مليار دولار.
نسرين زريق - الأخبار
إضافة تعليق جديد