«الرقة للفنون الشعبية» تنجو من «داعش»: «قمر على الشرق» في دار الأوبرا السورية

سنوات طويلة من الحرب وضعف التمويل عانته فرقة «الرقة للفنون الشعبية». فبعد اندلاع الحرب في سوريا وسيطرة تنظيم «داعش» على حاضرة الفرات في آذار 2013، كان من الصعب على مؤسسها الفنان إسماعيل العجيلي إعادة لم شمل أفراد فرقته التي اتهم التنظيم الأسود أعضاءها بـ«الزندقة» قبل أن تلتئم من جديد للرقص على مسارح العاصمة.
هكذا جاء الإعلان عبر التلفزيون الحكومي عن عرض الفرقة الجديد «قمر على الشرق» (دار الأوبرا السورية) كمفاجأة من وزارة الثقافة لجمهورها، معيدةً الأمل برؤية نجوم «قصر البنات» يحيون ذكريات مهرجاني بصرى وتدمر وسواها من الفعاليات الجماهيرية التي لطالما لمع فيها نجم هذه الفرقة الاستعراضية الراقصة على أشهر مسارح الأرض.
«الوطنية السورية للفنون الشعبية» هو الاسم الجديد لفرقة «الرقة». ويعكس هذا التغيير رغبة لدى القائمين عليها، بأن تكون «الرقة» ممثلاً حصرياً للثقافة الشعبية السورية في مهرجانات العالم والأسابيع الثقافية في الخارج، وذلك بعد احتكار هذا الدور لسنوات طويلة من قِبل فرقة «إنانا» لصاحبها الفنان جهاد مفلح والذي غادر البلاد منذ العام الأول للحرب، معتكفاً في الأكاديمية التي أسسها في العاصمة القطَرية الدوحة.
عشر لوحات راقصة قدمتها «الرقة» بعد سبع سنوات من الغياب، ليكون للفرقة التي ذاعت شهرتها منذ تأسيسها في العام 1969 على مسارح عربية وأوروبية برنامجها الفني اللافت مع لوحة «راية العلالي» (تأليف موسى زغيب وألحان وغناء إيلي شويري ونادر خوري)، تبعتها فقرة غناء فلكلوري لكل من رنيم عساف وعاصم سكر. مقدمة أتت كتمهيد لأوبريت «قمر على الشرق» من تأليف وأشعار باسم القاسم وألحان شربل روحانا وغناء سيمون عبيد وعلي حليحل وخولة الحسن وسمية بعلبكي.
ومهد النص الموسيقي الذي أعده الفنان سمير كويفاتي من أرشيف الفرقة، مع تطوير على بعض جوانبه اللحنية، من جديد لبناء مستويات من رقص فلكلوري يعتبر ذاكرة لحفظ التراث اللامادي في منطقة وادي الفرات السورية. فالعادات وقيم الشجاعة والكرم والفروسية والاعتزاز بالأرض، إضافةً لدور المرأة العربية في الوقوف إلى جانب الرجل في صد الغزو وحماية حياض القبيلة. كلها تحولت إلى رقصات وأغنيات وسوالف لطالما رددها أهل الجزيرة السورية عبر رواة ومحدّثين وقُصاص مخيلة شعبية اتسمت بتنوعها الحركي والغنائي كجسر يصل البادية الشامية بحواضرها.
«يا خطار الليل»، «مكحول»، «البداوية»، «يا رمح الرديني»، «قومي العبن يالبنات»، «المعركة» و«شروق الشمس»، «يما قولي» و«الشهيد»، عناوين اللوحات التي جسد راقصو وراقصات «الرقة» من خلالها سيرة الحضارات النهرية التي نشأت على كتف الفرات العظيم، راجعين بجمهورهم إلى عروضٍ لا تنسى للفرقة، كان الأديب الراحل عبد السلام العجيلي قد كتب لها معظم نصوصها، جنباً إلى جنب مع الشاعر طلال حيدر، بينما وضع أبرز ألحانها الراحل زكي ناصيف في تجربة مشابهة لفرقة «كركلا» اللبنانية.
الزي المتحرك الذي صممه الفنان علي الحايك وبمساندة إضاءة جبران حجل وديكور محمد كامل ترك للهودج والخيمة العربية حضورهما الدائم في عمق الخشبة، فيما تتالت مشهديات «الرقة» الراقصة كـ «نمرة» تلو «نمرة» من دون الوصول إلى صيغة كلية لعرض مسرحي متجانس، بل آثر المخرج صيغة التجاور الجسدي لراقصيه وراقصاته، مؤرخاً بذلك السيرة المفقودة لمدينته المختطفة.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير