«بوابة فاطمة» حيث طعم المسرح ورائحته الأخاذة...

16-07-2008

«بوابة فاطمة» حيث طعم المسرح ورائحته الأخاذة...

أخذنا روجيه عساف وشريكتاه حنان الحاج علي، وزينة صعب دي ميليرو، نحو عالمه المسرمن المسرحية حي، بهدوء، هو بالتأكيد هدوء العارف لأسرار المسرح، والعاشق للعتبة المفتوحةعلى الاجتهاد والابداع.

وذلك في عرضه المسرحي «بوابة فاطمة» الذي استضافته الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 وقدم على خشبة الحمراء. من «10 تموز ولغاية 13 تموز» طبعاً لم يحاول إثارتنا بطريقة مجانية «كما يفعل بعض تلاميذ المسرح» بكثير من الإبهار البصري. إنما خلط لعبته المسرحية بفن السينما والفوتوغراف. بما يخدم عرضه المسرحي.. وظف الفنون تلك لخدمة العرض المسرحي. ‏

يقول عساف: «بوابة فاطمة عرض مستوحى من يوميات الحرب الأخيرة على جنوب لبنان ويتعامل مع قصص معيشة بلغة مسرحية متعددة الوسائط». ‏

أما شخصيات العرض الثلاث، فقد قدّمت ذواتها على الخشبة، بعيداً عن الفذلكات الزائدة، وبعيداً عن البدائية في طرح المشاعر والانفعالات.. شخصيات تحكي وتروي وتسرد، تقول لنا، وتحاورنا وتشركنا كمتفرجين في لعبة المسرح.. 
 ‏ وتشعرنا مثلاً أن الممثلة زينة لا تريد متابعة التمثيل في العرض، شخصيات هي الأقرب للحياة وجوهرها. ‏

وعساف هذا المشغول بالمسرح يدخل إلينا مفتتحاً عرضه بحديث عن قدرة علاء الدين ومصباحه السحرية. يمرر الينا بذكاء «تضايقه من التكييف في صالة المسرح الذي كاد يعطل عرض العمل»، ثم يمرر لنا أيضاً تضايقه من جمالية البروشور الغائبة.. التي تحوّلت بيد الجمهور الى مراوح.. وداخل هذا التقديم الذكي يطلب منّا إطفاء هواتفنا النقّالة.. عساف وفريقه الفني يحوّلان الحزن والكوارث التي عاشها الناس في جنوب لبنان إبان حرب تموز الأخيرة. إلى دراما، تصبّ تأثيرها الوجداني علينا وتلك الصبية الجنونية، التي يصوّرها شاب متيم بها في ليلة زفافها الى شاب آخر. تروي عبر الصورة السينمائية المرافقة للمشهد.. جمالية الحياة.. قوتها.. قيمة عيشها، المشهد برمته صراع الجمال ضدّ الموت الذي أرسلته «اسرائيل» للبنان وأهله. ‏

عساف يروي حكاية الحرب، التي عاشها لبنان.. لكنه يسرد بمنطق المسرح المنحاز لجماله ومتعته، مسرح لا يتخلى إطلاقاً عن نصّه ومعناه.. في السرد المسرحي المتقطع شكلاً، والمتواصل حكاية. وتاريخاًَ. أمام إعادة كتابة المأساة الإنسانية، عبر خشبة المسرح.. هنا سيخجل التاريخ من فجائعية المأساة. فيتحمل المسرح.. تزويدنا بالوثيقة ولكن عبر اللعبة الفنية وبين المشهد والمشهد.. تعيد الصورة المسرحية تزويدنا أيضاًَ بالمآسي. عن امرأة لبنانية انقطعت في بيروت، وحين عادت الى قريتها لم تجد من كامل عائلتها، البشر والحجر، سوى البوابة الخارجية. ‏

وأيضاً.. تعاد لنا الحكاية ممزوجة بدراميتها المسرحية. عن أفراد وناس وأطفال، وامرأة كانت تعتني للأطفال في الملاجئ. كي لا يموتوا من الفزع. 
 ويمكن للدمعة «دمعة المتفرج» أن تشاركه التراجيديا، وشخصياً لم استطع حبسها، لابل شعرت أن الدمعة ضرورية لنبكي على الإنسان في هذا الشرق. حيث المأساة تعانق المأساة، والكارثة تلاحق الكارثة.. ‏

الصور الفوتوغرافية المحمولة على شاشة سينما خلفية كانت تروي، وتعبّر... هي صور من القرى والبلدات التي قصفتها آلة الحرب الصهيونية، خراب مخيف ترسله «إسرائيل» من ذاكرتها المجنونة، حيث رهابها التاريخي من قضية الأمن (هكذا توضح تلك الشخصية الاسرائيلية: كانت الصورة الفوتوغرافية جزءاً هائلاًَ من المشهد، وتمكنت بقدرتها الهائلة على التعبير، من إكمال المشهد المسرحي.. يقول عساف: «أثناء عرض «بوابة فاطمة» يبحث الحكواتي عن مفاتيح الحكايات التي يرويها، فكل باب يفتح على حيز لبناني مختلف، وكل مكان يؤدي الى باب جديد، ولكن ما نفع الأبواب المنصوبة في مكان خال من الجدران؟ ندخل ونخرج دون أن يتغيّر موقعنا، كل واحد منّا يبقى في الجانب ذاته من الأشياء، الجانب الذي هو فيه، هناك «بوابات» وليس هناك منازل. كما أن هناك مفاتيح وليس هنالك أبواب». ‏

أما تلك اللحظات الكوميدية في العرض فكانت بحق منتهى التهكم على رقابات عفا عليها الزمن وعقليات عصملية ـ الضحكة ـ كانت جزءاً من الحياة التي يسعى المسرح لتكريسها. «بوابة فاطمة» حمل لنا طعم المسرح الحقيقي ورائحته الأصلية.. ‏

مصطفى علوش

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...