دون كيشوت عرض مسرحي فيه نبل المقولات الكبرى

13-04-2009

دون كيشوت عرض مسرحي فيه نبل المقولات الكبرى

قالوا: (ذاك جنون ـ تلك طواحين وليست طغياناً ـ فلا تصغ إليهم ـ حربك تصلح في كل مكان ـ في كل زمان).

ممدوح عدوان ‏

‏ ضمن عرضه المسرحي (دون كيشوت) الذي قدم على خشبة الحمراء في دمشق حاول المخرج مانويل جيجي أن يكون قريباً جداً من حالة التوازن بين الفكرة وشكل ظهورها على الخشبة، أما فارس الزمن الحزين ـ دون كيشوت الحكاية والعرض فظهر محمولاً على كتف الأحلام الكبرى والأخلاق المندثرة والقيم الغائبة (لعب الدور الممثل مصطفى الخاني)، كان هذا الفارس يهجو زمناً مضى، زمناً يريده كما يشتهي، الحب فيه ممزوجاً , بالوفاء والإخلاص، حب يذوب فيه العاشق مع عشقه، دون كيشوت الباحث عن معارك كبرى لا يترك سيفه ولا حلمه ولا تلك المقولات التي قرأها في الكتب. 
 ‏ أخذني هذا الدون كيشوت إلى الزمن الحاضر الذي نعيشه حيث تضيع المفاهيم والقضايا الكبرى، زمن يجري فيه تسليع العواطف والمشاعر، زمن التعمية والتجهيل فالحب هذه القيمة التي تجعل للحياة معنى والذي وصفه مارسيل بروست: (الحب كالنار لا يحيا إلا في حالة تأجج، نشك في الحبيب دونما مبرر، ونصدقه إذا نفى دونما مبرر) يتحول الآن إلى حالة استهلاكية بحتة، حالة من الإشباع المؤقت لمجموعة من البهلوانيات القادمة عبر رسائل الموبايل، دون كيشوت المسرح أعادنا إلى تلك الصرخة الحقيقية التي يحملها العاشق، جعلنا نقارن بين الحلم والواقع الرهيب الذي نعيشه وتلك الطواحين المتخيلة كانت حقيقة في عقل العاشق الفارس. ‏

مع الدون كيشوت حلقت الممثلة (سوسن أبو عفار) في دور سانشو التابع، أبو عفار انشغلت بالشخصية، فأعطتها من روحها، أخذت الشخصية إلى تلك الكوميديا الظريفة وحيث الضحكة لحظة حياة أو لحظة تمسك بالحياة، الضحك والفكاهة في هذا العرض كانا ممزوجين بمرارة التراجيديا التي حملها دون كيشوت، أو هو الحزن الذي يأتي فيخلق من حضوره بذور فنائه، حزن ممزوج بالتحدي، أبو عفار كانت فارسة الخشبة في هذا العرض الممتع، فارسة مشغولة بالجمال المسرحي فتألقت وهي تحكي وتدافع عن الدون كيشوت. ‏

أما نهال الخطيب هذه الممثلة الجميلة فقدمت دورها لتعدينا بحب الركح، هذا الفضاء الجمالي الواسع، نهال كانت تمثل بروح من يعمل بكامل روحه وجسده، أما الخاني فكان في العرض الذي حضرناه يوم الخميس 9 نيسان قريباً من نبض الفكرة التي دافعت عنها الشخصية. ‏

المقاطع الراقصة لم تكن منفصلة عن السياق العام للعرض إنما كانت جزءاً من البنية الدرامية للنص الذي حمل توقيع: طلال نصر الدين وإعداد محمد عبود، لابل كانت ضرورة درامية لأنها حملت للعرض الكثير من الحركة والمتعة اللازمتين له. ‏

مانويل جيجي هذا المخرج العتيق أراد الابتعاد عن البهرجة والفذلكة فأبعد كل المحسنات الغير ضرورية أبقى على الروح المسرحية فأمتعنا بعرض ظلم إعلامياً وإعلانياً، مانويل كان ميالاً للمسرح كما يراه هو، أي هو مسرح مانويل جيجي، لم يخل هذا العرض من منغصات قادمة من أفراد تربوا على (الميوعة والأنانية) فالموبايل تركوه مفتوحاً لأنهم مفتونون بهذه الرنات التي جعلتنا (نلعن الساعة التي دخلوا فيها العرض) أفراد يعتقدون أن الخشبة هي صالون (البابا والماما) ويبدو أننا سنعاني كثيراً من هذه النماذج في المسرح وغير المسرح. ‏

دون كيشوت مانويل جيجي محاولة مسرحية لكسر الرتابة في حياتنا الثقافية، عبر عرض فيه رائحة المسرح ونبل المقولات الكبرى. ‏

مصطفى علوش

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...