«تشرنوبل» يحيي مخاوف الإسرائيليين من «ديمونا»
يوماً بعد يوم، تُضاعف «شيخوخة» مفاعل «ديمونا» النووي الخوف لدى الإسرائيليين من احتمال حصول كارثة قد تفوق بخطورتها انفجار مفاعل «تشرنوبل» السوفياتي. القائمون على المفاعل الإسرائيلي أقّروا أخيراً بحصول تسرّبات إشعاعية، تسبّبت بإصابة عدد من العمال بأمراض سرطانية، وهو ما استدرج تحذيرات متجددة، في ظلّ تقديرات بامتلاك إسرائيل ما بين 80 و90 رأساً نووياً.
بعد أسبوع على اعتراف القائمين على مفاعل «ديمونا» الإسرائيلي، لأول مرة، بحدوث تسربات إشعاعية (لم يحدّدوا حجمها أو زمانها)، ذكر التقرير السنوي لـ«معهد استوكهولم لأبحاث السلام» (سيبري) لعام 2019، أول من أمس، أن «إسرائيل، التي لطالما اعتمدت سياسة التكتم في شأن مفاعلها النووي، تمتلك ما بين 80 و90 رأساً نووياً». جاء ذلك في وقت يتصدّر فيه مسلسل تلفزيوني (إنتاج أميركي)، يحكي وقائع كارثة «تشرنوبل»، قائمة متابعات الإسرائيليين، ومن بينهم البروفسور آريه إلداد، الجرّاح والمسعف الحربي الإسرائيلي والكاتب في صحيفة «معاريف»، والذي أعرب عن قلق «لا يمكن للإسرائيليين أن يتجاهلوه»، اعتراه بعد مشاهدته المسلسل، بسبب مفاعل «ديمونا» النووي جنوب فلسطين المحتلة.
إلداد قال إن «متابعة واقع قصة المفاعل النووي في أوكرانيا تُشعرنا بالقلق. صحيح أنها دليل على أن الإشعاعات النووية هي تهديدات، لكن ثقافة الكذب من شأنها أن تتسبب بأضرار أكبر».
وأضاف إنه «في 26 نيسان عام 1986، حدث ذلك الانفجار الضخم في المفاعل النووي لإنتاج الكهرباء في تشرنوبل في أوكرانيا، وقد قُتل على إثره العشرات، فيما أصيب عشرات الآلاف بالإشعاعات النووية التي تسربت عقب الكارثة، ومعظم هؤلاء ماتوا نتيجة إصابتهم بسرطانات مختلفة، ومئات الآلاف تعرضوا للإشعاعات في أماكن أخرى، قبل أن تُخلى منطقة سكانية كاملة». الفحص الدقيق للتغيّرات الفيزيائية التي تسببت بانفجار «تشرنوبل» قد تكون «لا شيء» أمام ما تَكشّف من سلسلة «الأكاذيب السوفياتية» كما سمّاها، مستشهداً في هذا الإطار بـ«حادثة مشابهة وأقلّ ضراوة حدثت قبل سنوات من حادثة تشرنوبل، وأُخفيت ليس فقط عن الجمهور، ولكن عن العلماء والتقنيين والموظفين في مختلف المفاعلات النووية التي كانت منتشرة في الاتحاد السوفياتي».
كلامه هذا يحيل إلى «العمليات التجميلية» التي أجريت لمحاربة «شيخوخة» مفاعل «ديمونا» النووي، والذي أصبح عمره اليوم قرابة الـ 60 عاماً. عمليات تستهدف إطالة عمر المفاعل حتى عام 2043، لكن أسبابها قد لا تكون العامل الرئيس في احتمال حصول كارثة مشابهة لـ«تشرنوبل»، إنما سياسة الغموض التي تتبعها إسرائيل، وإنكارها حتى وقت قريب حصول تسرّبات لمواد إشعاعية. «كل إسرائيلي لا يمكنه الهرب من سؤال: هل من الممكن أن يحدث ذلك عندنا؟» يضيف إلداد، منبّهاً إلى حقيقة أن «مفاعلات إنتاج الطاقة النووية التي من عمره (أُنشئت في الفترة نفسها التي أُنشئ فيها ديمونا) أُغلقت في دول العالم بفعل تحذيرات، وأن معظم المواد المعدنية التي بُني منها لبّ المفاعل استُبدلت بها أخرى جديدة، فيما يستحيل تبديل لبّ المفاعل نفسه».
وفي إشارة غير مباشرة إلى أن سياسة المسؤولين الإسرائيليين قد لا تختلف عن «الكذب السوفياتي»، ذكّر بأنه «حتى شمعون بيريز الذي كان في منصب المدير التنفيذي لوزارة الأمن في السنوات التي اشترت فيها إسرائيل التكنولوجيا النووية من فرنسا، وبنت في أعقاب ذلك المفاعل... حتى بيريز نفسه قبل موته بأعوام كان مستعداً ليبادر إلى تفكيك المفاعل كجزء من مشروع تفكيك كل المفاعلات النووية في المنطقة، ومن ضمنها تلك التي في إيران. لكن أحداً في إسرائيل لم يُصْغِ لمبادرته. وبعد موته فقط، سُمي معهد البحوث النووية على اسمه».
وكان «مركز الأبحاث النووية في ديمونا»، قد أقرّ، قبل أيام قليلة، لأول مرّة، بحصول تسرّبات لمواد مشعّة، وحوادث على مرّ السنين في أوقات مختلفة لم يحدّدها. جاء هذا الكشف بعدما أميط اللثام عن وثيقة تثبت وقوع تلك الحوادث، وذلك ضمن دعوى للتعويض قدّمها العامل السابق في المفاعل الذري الإسرائيلي، فريدي طوفيل، والذي أصيب بالسرطان نتيجة تعرضه للإشعاع، لكن «لجنة زوهر» التي تبحث في دعاوى عمال «مركز الأبحاث النووية» انحازت إلى الأخير.
وقال طوفيل، الذي بيّن أن الوثيقة وصلت إليه عبر البريد الإلكتروني أخيراً، إنه اكتشف أنه تعرّض بالفعل لحوادث لم يهتمّ أحد بإطلاعه عليها خلال سني عمله في المفاعل. وأضاف، في مقابلة مع إذاعة «ريشت بيت» العبرية، إنهم «لو تصرفوا باستقامة وشفافية لكانوا أطلعوني على الأمر، وأُجريت لي الفحوص الطبية اللازمة في وقت مبكر. هذا التستر يؤكد أن جسدي تعرض للسموم التي تسببت بمرضي، وأنهت حياتي في جيل 56 عاماً (عندما اكتشف المرض)».
وتساءل طوفيل: «لماذا لم يسأل أطباء الأورام الكبار وقضاة المحكمة المركزية، الأعضاء في اللجنة، المفاعل النووي الأسئلة المطلوبة، بعدما وَضعْتُ الوثيقة الجديدة أمامهم؟». لكن «زوهر» اعترضت على أقواله، وقالت إنه «جرت مداولات وجلسات كثيرة معه لفحص ادعاءاته، وقد عبرت اللجنة عن موقفها من الادعاء بأن هناك صلة بين التعرض للمواد المشعة ومرضه، بمهنية تامة».
الأخبار
إضافة تعليق جديد