«داعش» في جنوب سوريا: حرب «النصرة» والاختراق السعودي
قادت «جبهة النصرة» مجموعة من الفصائل التابعة لـ «الجيش الحر» في الجنوب السوري لشنّ حملة عسكرية ضد فصائل يشتبه أنها مقربة من خصمها اللدود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش».
وفيما فضحت هذه الحملة صوريّة البيانات التي صدرت عن «الجيش الحر» قبل أسبوعين، وتضمنت إعلان مقاطعة «جبهة النصرة» عسكرياً وفكرياً، ثارت العديد من التساؤلات حول الدور الملتبس الذي تقوم به كل من إسرائيل والسعودية و «غرفة عمليات الموك» في إدارة العلاقات بين الفصائل في تلك المنطقة الشديدة الحساسية.
ولم يعد خافياً أن «جبهة النصرة» تسعى بكل إمكاناتها لقطع الطريق أمام «داعش» بغية منعه من التسلل إلى المدينة الوحيدة (درعا) التي لا يوجد له فيها موطئ قدم، بشكل معلن على الأقل. وخاضت نهاية العام الماضي معارك عنيفة ضد «لواء شهداء اليرموك»، بعد اتهام قائده أبو علي البريدي بمبايعة «الدولة الإسلامية» سراً. وتوقفت الاشتباكات آنذاك بسبب مساعي الوساطة بين الطرفين، لكن الجمر بقي مشتعلاً تحت الرماد، وظلت «النصرة» تعدّ العدة لمواجهة كانت تدرك أنها لن تكون بعيدة بسبب المعلومات التي وقعت بين يديها من خلال التحقيقات التي أجرتها سابقاً مع متهمين بالتعامل مع «داعش».
وفي محاولة لاستثمار المناخ الموائم الذي ساد بعد سلسلة الانجازات التي تحققت في الشمال، وكان أهمها السيطرة على إدلب وجسر الشغور، رأى «أمير النصرة في الجنوب» أبو جليبيب الأردني أن الفرصة سانحة لتنفيذ مخططه، القاضي بالقيام بحرب استباقية ضد الخلايا التي لديه شكوك حول علاقتها مع «الدولة الإسلامية»، ومحاولة التخلص منها قبل أن يستفحل خطرها، ضامناً أن مثل هذه الخطوة لن تثير اعتراضات كثيرة، في ظل المساهمة الفعالة لـ «النصرة» في تحقيق إنجازات الشمال.
وعليه، فإن قرار الحرب ضد هذه الخلايا، وعلى رأسها «سرايا الجهاد» و «لواء شهداء اليرموك»، كان متخذاً وفي طريقه إلى التنفيذ. أما الرواية التي أعلنتها «النصرة» بعد ذلك، وادّعت فيها أن «سرايا الجهاد» غدرت برتل كانت أرسلته لإطلاق «معركة تحرير مدينة البعث» في القنيطرة، ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون ولعدم تحميلها مسؤولية البدء بالاشتباكات.
وتشير المعطيات إلى أن «جبهة النصرة» كانت أرسلت رتلاً جراراً، بقيادة النقيب المنشق سامر السويداني، لمداهمة معاقل «سرايا الجهاد» في القحطانية والعدنانية جنوب القنيطرة، وقتل واعتقال عناصرها، غير أن الرتل تعرض إلى كمين مسلح سقط بسببه السويداني قتيلاً مع أربعة عناصر، فيما أقدمت «سرايا الجهاد» على تصفية ثمانية عناصر آخرين وقعوا أسرى بين يديها. وبالرغم من أن السويداني يقود لواء «أحرار نوى» إلا أن مصادر متقاطعة أكدت لـ «السفير» أنه كان قد بايع «النصرة» منذ مدة غير قصيرة.
وتردد صدى الكمين الموجع الذي تعرضت له «جبهة النصرة» في أرجاء الجنوب السوري كافة، حيث سارعت غالبية الفصائل في المنطقة إلى استنكار الكمين، معربة عن استعدادها لإرسال قوات بهدف قتال من أسمتها «خلايا الخوارج» وطردها من الجنوب. وعلى رأس هذه الفصائل «أحرار الشام» المعروفة بقربها المنهجي من «جبهة النصرة». لكن ما بدا مستغرباً أن بعض فصائل «الجيش الحر»، وأهمها «جيش اليرموك» و «الفرقة الأولى»، سارعت إلى التحالف مع «جبهة النصرة» لقتال «داعش»، متناسية البيانات التي كانت أصدرتها قبل حوالي أسبوعين، وأعلنت فيها مقاطعتها لها عسكرياً وفكرياً وهددت بعزلها ما لم تفك ارتباطها مع «القاعدة». كما طالبت «دار العدل»، في بيان صدر أمس، الفصائل كافة بالمشاركة في قتال «الخوارج».
وبالفعل وصلت أرتال التعزيزات إلى محيط معاقل «سرايا الجهاد» في بلدتي القحطانية والحميدية في ريف القنيطرة الجنوبي، واللتين تقعان على الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى، عرف من بين القتلى ثلاثة سعوديين هم خباب الخالدي وأبو جندل الجزراوي وأبو ابراهيم الجزراوي من «جبهة النصرة»، وأبو سمير الفاعوري القيادي في «أحرار الشام»، وأبو مصعب التدمري من «أسود الشرقية». وفي المقابل، تحدثت مصادر «أحرار الشام» عن حدوث مقتلة كبيرة في صفوف «الخوارج»، مؤكدة أسر العشرات منهم.
وبينما لا تزال الاشتباكات مستمرة في ريف القنيطرة الجنوبي، كان «لواء شهداء اليرموك» ينصب كميناً تمكن خلاله من اعتقال قائد «لواء بروج الإسلام»، وعدد من عناصره في منطقة الشجرة، ما أدى إلى انتقال التوتر نحو ريف درعا الغربي.
وكان لافتاً أن الاشتباكات في القحطانية أدت إلى سقوط قذائف عدة بالقرب من إحدى المستوطنات في الجولان المحتل من دون أن يؤدي ذلك إلى أي ردة فعل إسرائيلية.
وبات الهدوء الذي تبديه إسرائيل تجاه ما يجري على «حدودها» يحتاج إلى تفسير، فما السبب وراء طمأنينة قادة إسرائيل إلى أن الجيران الجدد لن يقوموا بأي سلوك يضر بمصالحهم؟ وهل لدى إسرائيل ضمانات بأن التكفيريين لن يقدموا على استهدافها، ولو من باب «الخطأ الفردي»، حتى تقبل بوجودهم على حدودها دون أي تحفظ؟
من جهة أخرى، شكك بعض قادة «جبهة النصرة» في وجود دور لـ «غرفة عمليات الموك» وراء اندلاع الاشتباكات الأخيرة. واتهم أبو ماريا القحطاني بعض الفصائل، من دون تسميتها، بأنها «تأخذ الأسلحة من غرفة الموك ثم تبيعها إلى الدواعش الذي يقتلون فيها أخوتنا»، ملمحاً إلى أن تسريب هذه الأسلحة إلى «الدولة الإسلامية» قد يكون مقصوداً من قبل «الموك». وأشار إلى أن «الموك منعت بعض الفصائل من المشاركة في قتال داعش» من دون أن يذكر أي تفاصيل تشرح أسباب المنع وخلفياته.
بدوره، أكد «مزمجر الشام»، الذي بات حسابه على «تويتر» يحظى بمتابعة واسعة، ما قاله القحطاني حول دور «الموك»، محذراً من وجود علاقة بين الغرفة وبعض الفصائل. وقال: «هناك جماعتان ـ في الشمال وفي الجنوب ـ في غرفة الموك على علاقة بداعش. لا ندري هل هو اختراق أم تقصّد من الموك لدعم داعش بطريقة غير مباشرة!».
ولم يكتف «مزمجر الشام» بذلك بل أكد أن «الاستخبارات السعودية استطاعت تحقيق خرق كبير في تنظيم داعش عبر أبو بكر جمعة» المنسق الأكبر للتنظيم «خارج الحدود».
فهل الهدوء الإسرائيلي والاختراق السعودي، والدور الذي تقوم به «غرفة الموك»، تكفي لتفسير ما يجري في الجنوب السوري، أم أن الأمور لا تزال في بداياتها، ومن المحتمل أن يتكشف خلال الأيام المقبلة المزيد من الحقائق والأسرار حول دور هذه الدول ومخططاتها والمآلات التي تريد الوصول إليها.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد