«زلّة» أردوغان الحقيقية: دمشق وحلفاؤها يردّون ويتوعّدون
بينما يتابع الجيش السوري وحلفاؤه عملياتهم العسكرية على عدد من محاور أحياء حلب الشرقية، التي كانت أبرز نتائجها أمس السيطرة على القسم الأكبر من حي الشيخ سعيد جنوب المدينة، أثارت التصريحات التي قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس، حول دخول قوات بلاده إلى سوريا بهدف إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ردود فعل قويّة من دمشق وحلفائها.
إذ استنكرت وزارة الخارجية السورية التصريحات أمس، وأكدت أنها ستردّ بقوة ضد أي تدخل في شؤونها الداخلية، موضحة أن التصريحات «تضمنت حقيقة أهداف العدوان التركي على سوريا، وكشفت بوضوح الأطماع والأوهام التي تغذي فكر هذا الطاغية». وقال مصدر رسمي في الوزارة، لوكالة «سانا» الرسمية، إن دمشق «لن تسمح بالتدخل في شؤونها وستقطع اليد التي تمتد إليها، وإذا كانت تحارب الآن أدوات هذا الطاغية وعملاءه، فإن غداً لناظره قريب». وطالب المجتمع الدولي «بوضع حد لسلوكيات أردوغان وتدخلاته في شؤون دول المنطقة، التي تشكل تهديداً للسلم الإقليمي والدولي وتتناقض مع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب».
ومن جانبها، طالبت موسكو الجانب التركي بتقديم توضيحات حول تصريحات أردوغان الأخيرة. ونقلت وكالة «تاس» الروسية عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قوله إن «تصريحات أردوغان كانت مفاجأة جدية للجانب الروسي... ويجب أن ننتظر صدور توضيحات قبل أن ندلي برأينا»، موضحاً أن الرئيس التركي «لم يثر هذا الموضوع خلال اتصالاته الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين». وشدد على أن هذه التصريحات «لا تتماشى أبداً مع الرؤية الروسية حول الوضع في سوريا»، ولكنها «لن تنعكس على نحو سلبي» على علاقاتنا الثنائية مع أنقرة.
التوضيح التركي لم يتأخر، إذ أفاد مصدر في الرئاسة التركية لوكالة «نوفوستي» الروسية بأن تصريحات أردوغان «لا يجب أن تؤخذ بحرفيتها»، معرباً عن أمله في «أن يتم التغلب بسرعة (مع روسيا) على سوء الفهم الذي حصل». وبالتوازي، اتصل الرئيس التركي مساء أمس بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، للمرة الثالثة خلال أسبوع واحد. وبرغم أن الرئاسة التركية اكتفت بالقول إن الزعيمين بحثا التطورات الأخيرة في سوريا، واتفقا على تسريع الجهود لوقف الاشتباكات وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين في حلب، فإن أوساطاً إعلامية تركية رجّحت أن الدافع الأساسي للاتصال الأخير هو توضيح الموقف الرسمي التركي لدى موسكو، إزاء التصريحات الأخيرة المنقولة عن أردوغان.وأضافت مصادر الرئاسة التركية أن الاتصال تطرق إلى زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لولاية أنطاليا جنوبي تركيا، التي وصل إليها أمس، للمشاركة اليوم في اجتماع «مجموعة التخطيط الاستراتيجي المشترك» التركية ــ الروسية، وإلى الزيارة التي سيجريها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، في 6 كانون الأول المقبل لموسكو.
وفي السياق، نقلت وكالة «تاس» الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، قوله إن التصريحات التركية ستحضر على طاولة البحث بين الوزيرين لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، خلال لقائهما في أنطاليا. وأضاف بوغدانوف أن الاجتماع سيكون فرصة جيدة لتوضيح النيات الحقيقية للجانب التركي. وكانت المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا، قد أعلنت أن موسكو تتعامل مع التصريحات الرسمية الصادرة عن أردوغان، فيما نُقل التصريح الذي يتضمن عن الرئيس بشار الأسد «على نحو غير رسمي».
وعلى صعيد متصل، هاجمت طهران التصريحات التركية، ونقلت وكالة «تسنيم» الإيرانية عن المساعد السياسي للقائد العام لقوات الحرس الثوري، العميد رسول سنائي، قوله إن أردوغان لا يملك القدرة الكافية لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. وأوضح سنائي أن تركيا «لو كانت تملك قدرة كهذه لكانت قد نجحت في الماضي في تشكيل منطقة عازلة»، موضحاً أن تصريح أردوغان إن كان صحيحاً «لا يعدّ أمراً جديداً، وربّما عُدّ نوعاً من المواساة للإرهابيين الذين يمرّون في حلب بظروف الحصار الصعبة والاحتجاجات الشعبية». وأشار إلى أن سوريا تمر اليوم «بمرحلة مصيرية يشهد فيها الإرهابيون ظروفاً صعبة»، مضيفاً أن التطورات التي حصلت خلال الأشهر الماضية «جعلت هزيمة الإرهاب أمراً حتمياً».
وبالتوازي مع الزوبعة التي أثارتها أنقرة، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر معارض أن وفداً من الجانب الروسي التقى خلال الأيام الماضية مع عدد من ممثلي الفصائل المسلحة المعارضة في أنقرة، لبحث تهدئة في مدينة حلب. وقال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته إن الاجتماع الأخير حصل يوم الاثنين الماضي، موضحاً أن الفصائل التي شاركت في هذه المحادثات مرتبطة بـ«الائتلاف السوري» المعارض ولا تشمل «جبهة فتح الشام».
وأفادت مصادر مقربة من المعارضة السورية بأن الفصائل المسلحة تدرس برعاية تركية، التزام الطرح الروسي السابق الذي يقترح هدنة في مدينة حلب تتضمن دخول مساعدات وإخلاءً للجرحى والمصابين، بشرط فك ارتباط فصائل الأحياء الشرقية بـ«جبهة فتح الشام» وإخراج مسلحيها من المدينة. وكان جاويش أوغلو، قد التقى مساء أمس بالمنسق العام لـ«الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة رياض حجاب، في العاصمة أنقرة.
وفي الميدان، تشير المعطيات إلى أن عمليات الجيش السوري وحلفائه على الأرض مستمرة، إذ أعلن مصدر في غرفة العمليات المشتركة في حلب «التزام الجيش السوري وحلفائه تحرير المواطنين في ما بقي من الأحياء الشرقية لحلب»، مضيفاً أن «أوضاع المسلحين المزرية تعبّر عن حجم الضربات المؤلمة التي وجهها الجيش والحلفاء إلى مجاميعهم». وشدد على أن أية «محاولة من الإرهابيين، للقدوم لنصرة المهزومين في حلب ستواجه بقوة».
وفي المقابل، نقلت وكالة «رويترز» عن رئيس المكتب السياسي لجماعة «فاستقم كما أُمرت»، زكريا ملاحفجي، قوله إن فصائل المعارضة المسلحة لن تنسحب من شرق حلب، وتعتزم مواصلة القتال، مضيفاً خلال حديث من تركيا إلى أن «انسحاب فصائل المعارضة أمر مرفوض... وهذا قرار الفصائل».
إلى ذلك، دعا رئيس «المجلس المحلي لأحياء حلب الشرقية» بريتا الحاج حسن، إثر لقاء في باريس مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت، إلى إنشاء «ممر آمن» للسماح للمدنيين بمغادرة الأحياء الشرقية في المدينة. وبدوره أكد ايرولت أنه سيتم بحث قضية حماية المدنيين في مجلس الأمن الدولي، خلال اجتماع مقرر مساء أمس.
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد