«صراع على الرمال»مضارب أشبه بالكورنيش وخيم مفروشة بأثاث فاخر
حملة إعلامية ضخمة سبقت عرض مسلسل «صراع على الرمال». ومنذ الحفلة التي أقيمت في فندق «فور سيزنز» في دمشق مطلع العام لإعلان العمل، كان حجم التوقعات يكبر، وخصوصاً أن المشروع ينفذ تحت إدارة مخرج موهوب هو حاتم علي، ويشارك فيه نجوم كتيم حسن، وباسل خياط، وعبد المنعم عمايري وصبا مبارك ومنى واصف. علي أكد منذ البداية أنه سيقدم شيئاً لم نعتده في الدراما البدوية التي كانت تُعامل كدراما من الدرجة الثانية. ولفت إلى أن العمل موثق جيداً، وفيه زمان ومكان واضحان. لكن لا الإبهار البصري، ولا الإشارة إلى أن أحداث المسلسل تجري في نجد في القرن الثامن عشر، ولا الرجوع إلى مصادر لتوثيق الملابس والأمكنة، كانت كافية لإعطاء الانطباع الواقعي. ذلك أن المسلسل يسبح في عوالم الفانتازيا، غير التاريخية. وإن كان قد رُجِع إلى مصادر، فهي على ما يبدو لوحات الاستشراق التي قدَّمت صورة متخيلة عن الشرق، وكان لها ذرائعها الجمالية. ومواقع التصوير التي توزعت بين سوريا والمغرب والإمارات، لم توفر صورة لمكان واحد ذي هوية جغرافية واضحة، فالطبيعة الغرائبية كانت هي المطلوبة، والجماليات المجانية، لتحقيق صورة حلمية لصحراء تظهر أشبه بفردوس مفقود، مثّلت الأولوية. في بادية أسطورية، وفي مضارب لا يكفُّ الناس فيها عن الحركة كأنهم يتمشون على الكورنيش ـــــ فالإنتاج ضخم، وبالإمكان توفير أي عدد من الحشود ـــــ ومع خيم (وليس بيوت شعر)، مفروشة بأثاث فاخر، يتنقل الأبطال والبطلات حيث يضربون المواعيد الغرامية على مرأى من الجميع، فلا حرارة الطقس الصحراوي تجبرهم على الاختباء في الظل، ولا التقاليد المفترضة تمنعهم من تبادل كلمات الغزل علناً.
«خيال وأشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم» تقول شارة العمل، والحكاية البسيطة التي لا تزيد على صفحتين ألّفها حاكم دبي، تحولت إلى سيناريو عمل تلفزيوني على يد الكاتب هاني السعدي. وهذا الأخير استنفر كل إمكانات حرفته لتقديم حبكة درامية مدروسة وخطوط متفرعة ولعبة تشويق يجيدها، لكن بمعزل عن علاقته بالمكان والبيئة. المسلسل حكاية كلاسيكية عن قصة حب تنشأ بين شاب وفتاة من قبيلتين متخاصمتين، وبطل مضاد شرير يعمل على الإيقاع بين القبيلتين ليصل إلى السلطة. وهي ثيمات تكررت كثيراً في الأدب العالمي، وهاني السعدي يسترجع في هذا العمل عوالمه الفانتازية التي بدأت مع «غضب الصحراء» لهيثم حقي، و«البركان» لمحمد عزيزية، وصولاً إلى سلسلة الأعمال التي حققها معه نجدت أنزور. وهذه الموجة التي تلاشت من الدراما السورية، بعد دخولها إلى مراحل أعلى من النضج، ها هي تعود محمولة على موجة الحنين البدوي المطلوبة اليوم، بعدما أصبح المنتج الخليجي هو المتحكم بتوجهات الدراما السورية. وإذا كانت حكايات محمد بن راشد وقصائده قد وظفت في عمل سابق لم يلق الاهتمام هو «آخر الفرسان» لنجدت أنزور، مع رشيد عساف وملكة جمال لبنان السابقة جويل بحلق، فإن هذا التوظيف يذهب بعيداً في «صراع على الرمال». ففي كل حلقة، هناك وقفات مع أشعار الشيخ على لسان الشاعر عامر (باسل خياط) والفارس فهد (تيم حسن). وهي تتحول إلى أغنيات بصوت حسين الجسمي، مع لقطات تأملية تقف موقف الجلال من الكلمات العظيمة. وتأثير الأشعار وصل إلى حد تفصيل لهجة العمل على مقاسها، فما نسمعه ليس لهجة بدوية، بل خليجية ولهجة الإمارات تحديداً.
ممثلو الدراما السورية حضروا بقضهم وقضيضهم في المسلسل، وبعضهم اكتفَوا بأدوار صغيرة في هذا العمل المكلف (6 ملايين دولار) ونال شرف الظهور فيه، إلى درجة أننا نشك في أنه قد لُجئ إلى الكومبارس! أما المخرج حاتم علي الذي قد يكون المسلسل بالنسبة إليه «خبطة» العمر، فلا نعتقد أن «صراع على الرمال» يمثله، وبتنا نفتقده للعام الثاني على التوالي. إذ كان السنة الماضية مشغولاً بعمل مثير للجدل هو «الملك فاروق» الذي تكشفت أبعاد الاحتفاء بشخصيته الفذة، مع البرامج التي لم توقف mbc و«العربية» بثها عن جلالته.
- الممثل الذي رأيناه في أدوار كوميدية، وفي دور الشاب الذي يعاني مشكلات نفسية، يقدم في «صراع على الرمال» واحداً من أفضل أدواره. ولا نبالغ إن قلنا إن عمايري هو البطل الحقيقي للمسلسل، فالشخصية التي يؤديها «ذياب» ـــــ أو «الرقيط»، إذ تكسو وجهه بقع البهاق ـــــ هي المحرك الرئيسي للأحداث، بمعزل عن الخط الرومانسي الساذج للهنوف وفهد، و«الصفنات» الشعرية لعامر. وعبد المنعم عمايري يؤدي دور «الرقيط» باقتدار، فهو ليس الأفضل إجادة للهجة فحسب، بل القادر أيضاً على نقل الصراعات النفسية للشخصية الأقل تسطحاً بين شخوص المسلسل. وهذا «الشرير» الكلاسيكي هو الأكثر جاذبية وإغراءً، ويدفعنا باستمرار إلى التعاطف معه. وفي «صراع على الرمال»، يضيف إلى مهنته ممثلاً، بدلاً من أن يتحول إلى مجرد فتى شاشة.
23:00 على «دبي»
منار ديب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد