«ماملكت أيمانكم»جديد نجدةأنزورعن أحوال المرأة بين التشددوالحداثة!
يتصدى مسلسل «ما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدة أنزور لعدد من المسائل والإشكاليات التي يشهدها العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، والمسلسل، الذي يصور حالياً وينتمي الى ما يسمى بـ «الدراما الاجتماعية المعاصرة»، يتخذ من دمشق مسرحاً لأحداثه الرئيسة بحيث تكون نموذجاً لما يجرى في مدن عربية أخرى. وتبدو حكاية المسلسل، التي كتبتها هالة دياب، فلسفية للوهلة الأولى، إذ يشير الملخص الى ان هذا العمل يبحث في ثلاثية (الروح، الجسد، العقل) لتمثل الروح «الخط الأوسط، ذلك ان الجسد بدون روح تتحكم بغرائزه وضعفه يمسي جثة متحركة وهشة، وكذلك العقل بدون روح تشرف عل طموحه وخباياه يمسي أداة مادية بحتة يفقد مع الوقت غرضه كأداء لتقوية الجسد وقيادته».
لن نتوقع من هذا المســـلسل، بالـــطبع، ان يغـــرق في هذه الطـــروحات الفلســفية المعـــقدة، فالـــدراما التلفزيونية التي توجه الى المــلايين، وتحل ضيفاً في كل بيت، تســـعى الى تبســـيط الأمور، ودائماً ضمن قالب قصصي جذاب، ومشوق. هذا ما يؤكده أنزور، الذي يقول إن مســـلسه هو «بمثابة إضاءة لجوانب من أزمة المجـــتمعات الـــعربية عبر منـــاقشة هـــموم وقضايا وهواجـــس ثلاث نساء تختلف طباعهن وتطلـــعاتهن وثقافتهن وفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية الدينية».
ويوضـــح أنزور ان «المسلسل يهدف الى شرح معادلة تفـــيد بأن هيمنة أي ضلع من أضلاع المثلث على حساب ضلع آخر تحدث خللاً، ونحن نركز على فضيلة الاعتدال التي تمثله الروح لضبط الطرفَين: الانحلال «الحداثي» الأخلاقي من جهة، والأصولية «السلفية» المتزمتة من جهة أخرى».
- عنوان المسلسل في ذاته يختزل الكثير من أجوائه، فهذا التعبير المستمد من القرآن الكريم، والذي ينطوي على أبعاد ودلالات دينية معروفة حول «الجواري، والإماء، وتعدد الزوجات»، يؤول، هنا، على نحو رمزي للتدليل على واقع المرأة المتأرجحة بين صورتين متناقضتين بشكل فاقع: صورة الحداثة، والتمدن التي تصل، أحياناً، حد الانفلات، والصورة المغايرة الأخرى التي تتمثل في المرأة المغيبة خلف حجب سميكة من الإرث والعادات والتقاليد والتفسير الأصولي الخاطئ للدين، كأن «يقام الحد» على إحدى شخصيات المسلسل وهو ما يتناقض مع جوهر الدين.
صورتان تتجاذبان المرأة، وأنزور، الذي ينتج العمل كذلك، يسعى الى رسم لوحة صادقة لمجتمع ممزق لا يستطيع التحرر من عبء الإرث الثقيل، ولا يستطيع الاستغناء، في الآن ذاته، عن آخر الابتكارات التكنولوجية، لنكون، والحال كذلك، إزاء واقع ساخر، مليء بالمفارقات.
وينأى أنزور، كما يؤكد، عن أي نوع من «التبشيرية أو الوعظية، فالواقع مـــغاير للطـــموحات والتمنيات»، ويرفض اتخاذ موقف داعم لطرف ضد آخر، بل يبذل جـــهدا لتقديم صورة دقيقة، وموضوعية عما يحدث في المجتمع، إذ يكتفي برصد هذا الواقع المتشابك، المتداخل بكل تفاصيله تاركاً للمشاهد العثور على المقولة النهائية عبر أسئلة تتوالد مع كل حلقة جديدة.
مدير الإنتاج عصـــام الداهـــوك يقول إن «التصوير سيتم في عدة دول وهي، بالإضافة إلى سورية، السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا»، وينـــفي داهوك الانطباع السائد بأن «الدراما المعاصرة لا تستلزم امكانات إنتاجية ضخمة»، إذ يقول إن تكلفة اســـتئجار «فيلا» حديثة تفوق، أحياناً، تكلفة بناء موقع تاريخي جديد للتصوير، بينما يقول مدير التصـــوير والإضاءة المصري محمد حبيب، الذي جمــعته مع أنزور تجارب درامية ســـابقة عديدة، إن «تكنيك الصـــورة والإضاءة يختلف من مسلسل الى آخر، ذلك ان مهمة مدير التصوير تتمثل في الاهـــتمام بالمشاهد واللقطات وزوايا التصـــوير بحيـــث يخدم فكرة العمل».
لافتاً الى ان «النقل الإخباري المباشر للمشاهد واللقطات يضعف من بنية الحكاية الدرامية، لذلك فإن كل مسلسل يتطلب بناء مشهدية بصرية مقنعة، تسهم في إيصال محتوى العمل ومضمونه».
- يقول الممثل فايز قزق إن دوره في المسلسل ثانوي، فهو يجسد شخصية أستاذ جامعي مثابر ودؤوب. لكنه «يخضع في لحظة ما لنزوة عابرة تتسبب في سقوطه كمثل أعلى لطلابه»، وإذ يعرب قزق عن استيائه من هذا السؤال التقليدي حول دوره في مسلسل ما، فإنه وجد في هذا اللقاء فرصة لشن هجوم عنيف على التلفزيون، إذ اعتبره «الجنين القذر للثورة الصناعية الكبرى، أما المسرح فهو نتاج طقس إنساني ذي جذر ديني رحيم»، ويضيف قزق أن «التلفزيون أداة اعتقال للشعوب، وخصوصاً في دول العالم الثالث، ففي حين لا تستطيع الأنظمة بناء سجون ضخمة للمجتمع برمته، فإنها تحول كل منزل إلى سجن للأسرة، وتحول الغرف الى (زنزانات منفردة) حيث يصعب على كل فرد التواصل مع الآخر».
ورداً على سؤال حول سبب مشاركته في الأعمال التلفزيونية طالما أن التلفزيون «مخرّب الى هذا الحد»، يرد قزق «أنا ممثل، وإنْ كنت قادماً من الخشبة، ومن الغباء أن أتجاهل حقيقة أن ما أتقاضاه من عمل عشرة أيام في مسلسل تلفزيوني يفوق ما أتقاضاه خلال سنتين من التدريس في المعهد المسرحي أو الوقوف على الخشبة».
إبراهيم حاج عبدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد