«محور المقاومة» يستعد للحرب… ويســتبعدها؟
صحيح انّ «محور المقاومة» يعتمد في سلوكه استراتيجية الاستعداد للحرب كما لو أنها ستقع غداً، من باب التحَسّب لكل الاحتمالات والمفاجآت، إلّا أنّ التقديرات السائدة لدى قوى أساسية فيه تستبعد وقوع الحرب الآن، سواء بين إيران والولايات المتحدة أو بين «حزب الله» واسرائيل، على رغم من كل مؤشرات التصعيد.
تميل قوى «المحور» الى الاعتقاد أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يستند في قراراته الى حسابات التاجر ورجل الاعمال، لن ينزلق بسهولة إلى حرب مكلفة مع إيران، يعرف كيف تبدأ لكنه بالتأكيد لن يعرف كيف تنتهي. ربما يغالي ترامب في استعراض القوة على حافة الهاوية للضغط على خصمه والإيحاء له بأنه جاد في تهديداته، إلّا أنه لن يتجاوز في لحظة الحقيقة تلك الحافّة إلى المجهول الذي بعدها.
وترامب الذي يستعمل كل الوسائل الممكنة لفرض «خوّات الحماية» على بعض دول المنطقة وتدفيعها مبالغ طائلة، لن يتورّط بخفة في حرب باهظة الثمن من شأنها أن ترتّب أعباء هائلة على واشنطن، إضافة الى أنه يدرك أنّ الفارق في موازين القوى لا يعني انّ الحرب ستكون نزهة، ولا ينفي حقيقة أنّ إيران اصبحت قوة إقليمية وازنة تملك من «الامتيازات» الجغرافية والأوراق العسكرية ما يكفي لتحويل المواجهة معها الى مغامرة.
من هنا، تميل جهات وازنة في «محور المقاومة» إلى التعاطي مع تلويح ترامب باستخدام القوة العسكرية ضد طهران، على أساس أنه جزء من الحرب النفسية التي يُراد لها أن تعوّض عن الحرب الحقيقية المتعذّرة في الوقت الحاضر. وهناك من يُشبّه سلوك ترامب بالشخص الذي يصرخ و»يهَوبر» لتخويف غريمه، وعندما يتدخل المصلحون لتهدئته، يزيد من «الهوبرة» ويندفع الى الامام للايحاء أنه يريد ان يستخدم العنف، فإذا تُرك لشأنه وخَلت الساحة أمامه، بقي في مكانه من دون أن يتجرأ على الضرب.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ استعراض العضلات المفتولة والبوارج الحربية إنما كان يرمي إلى إجبار إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات، في أقصر وقت ممكن، ولمّا أخفقت هذه المحاولة وبَدت إيران مستعدة للتعامل مع أسوأ سيناريو مفترض، تراجع الرئيس الأميركي وانخفض منسوب التصعيد.
والتدقيق في الموقف الأميركي يُبين أنّ ترامب عاد وربط خيار شَن الحرب بتعرّض القوات أو المصالح الأميركية في المنطقة لأي اعتداء، في إشارة إلى أنه لن يخوض مواجهة عسكرية سوى إذا اقتضَت الضرورات الأميركية ذلك، وليس لخدمة مصلحة أي طرف إقليمي آخر مهما كان مستوى تحالفه مع واشنطن.
والمقتنعون ضمن «محور المقاومة» بأنّ فرضية الحرب ضعيفة، أقله حالياً، يلفتون إلى أنه لو كان ترامب جاهزاً لخوضها ما كان ليلجأ من الأساس إلى اعتماد سلاح التشدد في العقوبات والحصار، كخيار أقل كلفة، لافتين إلى أنّ العقوبات المالية والاقتصادية تشكل في حسابات الرئيس الأميركي الحرب الوحيدة الممكنة في الوقت الحاضر.
ويشير هؤلاء إلى أنّ ترامب، الذي يتهَيّأ لإطلاق صفقة القرن، يبدو مهتمّاً بـ»تحييد» طهران في هذه المرحلة، في اعتبار أنّ إيران والقوى الحليفة لها هي الجهة الوحيدة التي لا تزال قادرة على عرقلة مشروعه. وتبعا لذلك، فإنه يسعى إلى إضعاف هذا المحور وتقليم «مخالبه» إمّا بالتهويل وإمّا بالتفاوض، لتسهيل عبور تلك الصفقة الى المنطقة.
أمّا ايران فإنها تتحرك بين حدّين: لا حرب ولا مفاوضات. لم تُخف ايران عدم حماستها للمواجهة العسكرية، وإن تكن مستعدة لها تماماً، لكنها في الوقت نفسه غير جاهزة للتفاوض المباشر مع الولايات المتحدة وسط الظروف الحالية، لأنها ليست في وارد الرضوخ للمطالب الاميركية. أقصى ما تستطيع طهران القبول به في هذا التوقيت هو التفاوض غير المباشر من خلال الوسطاء الذين تطوّعوا لنزع الفتيل، أي القطريين والعراقيين والعُمَانيين.
«الحرب انتهت قبل أن تبدأ»، هذا هو الاستنتاج الذي تنتهي إليه شخصية قريبة من أحد أطراف «المحور»، مشيرة إلى أنّ «معادلة الردع» تمنع حالياً العدوان الأميركي على إيران والعدوان الاسرائيلي على «حزب الله»… إلّا إذا أصيب دونالد ترامب أو بنيامين نتنياهو بنوبة تَهوّر.
الجمهورية
إضافة تعليق جديد