أبواب ماغدا زابو

11-02-2013

أبواب ماغدا زابو

ما هي الشخصية الروائية؟ لا تستطيع "المعرفة" مطلقاً أن تجيب، مقدما، عن هكذا أسئلة يطرحها الكاتب، على الأقل حين يعتقد أن عليه أن يطرحها. في بعض الحالات، النادرة، لكن المليئة بالشغف في جميع الأحوال، نجد أن الكاتب يصبح أسير شخصيته شيئا فشيئا، أي تصبح اللعبة الصغيرة أسيرة اللعبة الكبيرة.
ربما يمكننا أن ننطلق من هذه الزاوية لندخل إلى عمل الكاتبة المجرية ماغدا زابو في "الباب" (ترجمة فرنسية عن منشورات "فيفيان هامي") إذ نجد كم ان الروائية ماغدا، تقع أسيرة لايميرانس، بطلة كتابها، إذ تغدو هذه الأخيرة هي من يأمر، من يقرر، من يسيطر على الكلب "فيولا"، الذي يشكل بدوره "شخصية" من شخصيات الكتاب. كلّ شيء أصبح يمر عبر هذه "المنظمة" التي تدعى ايميرانس، التي يتعرض الجميع لمفعول هداياها الغريبة، لسخريتها، لهجائها، وليكتشفوا بمرور الوقت هذا الفعل الناجع "لحنانها السلطوي الصاقل".
ماغدا زابو من جيل يسبق جيل كيرتيش (نوبل للآداب) بكثير، فهي ولدت عام 1917 وعرفت كيف تجتاز كلّ المخاطر التي تعرضت لها بلدان أوروبا الوسطى. تعرضت حياتها الأدبية لكل أنواع الجحود والإنكار، قبل أن تعود وتكلل بأرفع الجوائز في بلادها بعد سقوط الجدار. ما جعلها تغرق في غبار المناخ القاسي للاشتراكية التقدمية. زابو كانت حازت أول جائزة أدبية تمنحها الدولة المجرية العام 1949، بيد أن الجائزة هذه ألغيت بعد ثلاثة ساعات من إعلان النتائج، لتجد نفسها وزوجها وقد تم طردهما من عملهما. لا شيء غريبا في ذلك، انه "منطق الصباحات الثقافي، الصباحات التي تغني"، مثلما وصفت ذلك في احد حواراتها الصحافية. منذ ذلك الحين، بدأت تعيش حياة انطوائية، منعزلة، كتلك التي عاشها الكتاب "المنشقون"، حياة "تبدأ من تلك الضجة التي تقترب من الأبواب التي تصفق، التي تقترب من الخوف الذي ليس في الواقع سوى خوف الزنازين، التي تنغلق عليها".
من هنا يمر كلّ شيء في كتاب زابو، أي كلّ تاريخ المجر بدءا من العام 1945 وحتى سقوط جدار برلين، مرورا بكل اختلاجاته، بثورته المجهضة العام 1956 من قبل الدبابات السوفياتية (أي قبل براغ بزمن طويل)، بالمواثيق الإيديولوجية، بعمليات النفي الإجبارية، بالحياة المتزعزعة، كل شيء، لكن بطريقة خفية، ما بين السطور. كما لو أن التاريخ كان محفورا "على الزجاج المقوى، المدعم بخيوط حديدية لذلك الباب، والباب، عند الكاتبة، ليس سوى باب المبنى المواجه لمبناها".
ومن هنا أيضا ربما كان الأدب المجري في حاجة إلى جائزة كيرتيش لنعود ونكتشف بعض تلك الأسماء "المجهولة"، لكنها أسماء تؤكد علو كعب ذاك الأدب الذي بقي سجينا لعقود باسم "الحرية" الاشتراكية. أدب، في حاجة فعلا إلى قراءته كي نكتشف ذاك الكائن الذي عرف كيف يواجه أبشع آلات القمع والاضطهاد، لينتصر في النهاية.

إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...