أدب الأطفال من أيسوب إلى هاري بوتر
إن تعلم القراءة يمثل خبرة حياة كاملة ويحددها كما يقول فرانسيس سبافورد في مذكراته الرائعة «الطفل الذي بنته الكتب»:
نستطيع أن نتذكر القراءات التي أحدثت فينا تحولاته لقد كانت هناك أوقات وقع فيها كتاب معين داخل عقولنا، وهي على استعداد تام له شأنه شأن محلول شديد الإشباع ,وفجأة تغيرنا « والحقيقة أن الكتاب الذي ترجمته الدكتورة ملكة أبيض والصادر عن وزارة الثقافة السورية -2012م وهو من تأليف سيث لير يتحدث عن هذا التغيير الذي ذكره سبارفورد في مذكراته، فهو يبين كيفية صنع المخيلة المتعلمة ويظهر الأطفال وهم يجدون عوالم جديدة داخل الكتاب أو كتباً داخل العالم .
الأوساط المتغيرة
يخاطب الكتاب الأوساط المتغيرة للحياة العائلية والنمو الإنساني والالتحاق بالمدرسة ومجالات النشر والإعلان، تلك الأوساط التي يجد فيها الأطفال أنفسهم فجأة أحياناً ولا شعورياً أحياناً أخرى وقد تغيروا يوما تحت تأثير الأدب، ولكن من هم الأطفال حيث يخلص المؤلف إلى تعريف «ماركس وارتوفسكي» فيلسوف القرن العشرين: «الأطفال هم ما يعده الآخرون وما يعدون أنفسهم كذلك خلال اتصالهم الاجتماعي وتفاعلهم مع الآخرين» وهكذا فإن أدب الأطفال يتمثل في الكتب التي يجري تداولها في الطفولة تلك التي تنمي التواصل الاجتماعي والتي تعلم وتبهج خلال تفاعلها مع القراء..
يحاول الكاتب أن يعرض تاريخاً لما سمعه الأطفال وقرؤوه، قصصهم، أناشيدهم، وألعابهم, المراجع التي تم تأليفها حول هذه الموضوعات، أو التي جرى تكييفها للقراء من أعمار مختلفة مميزا بين ما كتب خصيصاً للأطفال وما قرأه الأطفال، أي بمعنى أوضح هو أي الكاتب يعرض تاريخ استقبال ومستقبلين، وهو الأمر الذي أكدت عليه الناقدة «فكتوريا خان «في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بقولها :»إن هدف الدراسات الأدبية يجب ألا يكون تفسير النصوص, بل دراسة مواضعات التفسير المتفق عليها وتالياً مواضعات إنتاج النصوص واستقبالها في الفترات التاريخية المختلفة «فتاريخ أدب الأطفال يقدم سردا لمواضعات تفسير النصوص، استقبالها في الفترات التاريخية المختلفة ولكن الأعمال نفسها تركز على موضوعات تجمع بينها قواسم مشتركة في الغالب».
المدرسة مسرح
يؤكد الكاتب على دور المدرسة كمسرح لأدب الأطفال وذلك منذ العهود القديمة اليونانية وإلى العصر الحالي: فالقديس أوغسطين على سبيل المثال يتذكر في اعترافاته كيف كان عليه حفظ أجزاء من الإلياذة حين كان تلميذاً، ومدارس العصر الوسيط وعصر النهضة كانت منشغلة بأيسوب وخرافاته وفتيات القرن الثامن عشر كن يحصلن على خبرتهن من كتاب» سارة فيلدنغ «المربية» والصبية من «توم براون» إلى هاري بوتر»كانوا يجدون مغامراتهم المسرفة في الخيال في الصف أو المكتبة أو الملعب وهنا تجدر الإشارة أن العديد من كتب الأطفال في القرن العشرين تعلم فكرة تنظيم القوائم والمقصود بذلك قائمة بصفات واقعية أو خيالية تشير إلى تقدم المساء والانتقال إلى النوم
إذاً لقد كان العالم مسرحاً ولكنه كان أيضاً كتاباً للطبيعة فقد كانت المؤلفات من العصر الوسيط عن الحيوانات والنباتات والأحجار الكريمة تقدم أدلة مصورة عن مخلوقات الله وكان كل عنصر يصور ويشرح ويشار إلى المعنى الأخلاقي الذي يستخلص منه، وقد أحدثت الاكتشافات الكبرى في القرنين السابع عشر والثامن عشر صلات خيالية جديدة وفتحت خطوطاً للمواصلات عبر الكتب، فهناك خط مباشر بين جزيرة روبنسون كروزو إلى كتاب «حيث توجد الأشياء المتوحشة» لـ«موريس سنداك» وفي القرن التاسع عشر كان لعمل تشارلز داروين أثر عميق في سرديات الطفولة .
سوق تخيلية
يذكر الكاتب أن هناك تجارة في أدب الأطفال حتى قبل أن ينشئ نيو بري مكتبته في أواسط القرن الثامن عشر، وكان الخطاطون والطابعون والناشرون يدرجون كتب الأطفال في سجلاتهم، ومما يجدر ذكره أن حكايات أيسوب كانت من أوائل المجلدات التي كان يطبعها كل طابع تقريبا في جميع أنحاء أوروبا
وفي فرنسا عدت مدينة روان مركزاً لكتب الأطفال في القرن الثامن عشر، وفي أواخر القرن التاسع عشر وضعت مؤسسة بيير جول هتزل معياراً لتأليف كتب الصغار وتسويقها، وفي أمريكا أنشئت المكتبات العامة، وأعلن عن تخصيص جوائز لأدب الأطفال وحين أصبح كَتّاب الأطفال محكّمين في الذوق والثقافة أصبح أدب الأطفال تجارة عامة.
إن كتب الأطفال بحسب «سيث لير» تمثل الآن أكثر مجالات الطباعة ربحاً، ووسائل الإعلام التقليدية والحديثة تجعل من القراء الصغار السوق الأول للكتابة التخيلية .
وهكذا يؤكد المؤلف أن تاريخ أدب الأطفال في القرن العشرين هو إلى حد كبير تاريخ هذه المؤسسات (المكتبات العامة, دور النشر,بائعي الكتب..)أيضا تاريخ الجدل حول جمهور القراء ومدى مناسبة الكتب والميداليات والجوائز بصورة تعكس الاهتمامات الاجتماعية والحاجات التجارية.يهدف«سيث لير» من كتابه الذي بين أيدينا إضافة إلى إثارة الكثير من الأسئلة لأن يكون مرجعا لبحوث مادة أدب الأطفال التي أخذت تزدهر في الدراسات الأكاديمية حديثاً وتشجيع قيام دراسات لاحقة بهذا الشأن المهم فقد وجدت جميع الثقافات طرائق للكتابة إلى أطفالها بدءاً من العصور القديمة والعصر الوسيط وعصر النهضة في أوروبا والدول الحديثة والمجتمعات ما قبل الصناعية.
رولا حسن
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد