أربعون عاماً من الاحتلال والجولان مازال يحافظ على عروبته

22-08-2006

أربعون عاماً من الاحتلال والجولان مازال يحافظ على عروبته

أربعون عاماً من الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري، لم تفقد خلالها هذه الهضبة هويتها العربية رغم المحاولات الإسرائيلية المتواصلة. آثار معارك حرب عام 1967 لا تزال ظاهرة في قرى الهضبة المحتلة، لتذكّر بأن الوضع القائم ليس أساسياً، إنما مرحلة ستطوى مهما طال الزمن.
في قرية الخشنة في الجولان المحتل، صعد مستوطنان أحدهما مسلح ببندقية «إم 16»، برفقة فتاتين، درج مئذنة مسجد القرية، المزنرة بشرفتين، العلوية منهما مدمرة جزئياً.
كانت المئذنة من دون هلالها، وآثار الرصاص والقذائف تطرز واجهاتها المشيدة من حجارة البازلت المائلة إلى الحمرة، وهناك فجوات كبيرة في جدران المسجد المشيد بحجارة سوداء. وهناك رسوم وكلمات باللغة العبرية، مثل «حيوانات»، «حزب ديكل»، «مساعدة 51»، كلمات قد لا تعني شيئاً، لكنها تغطي واجهة مسجد لا تقام فيه الصلوات. مسجد أصبح مهجوراً، أصبح مكاناً يعبث به العابثون..
لا شيء يدل على أن سوريا، وجيشها كانا في هذه البقعة، لكن الدمار المتصدئ بفعل السنين يدل على حدوث قصف جوي دمر مساكن إسمنتية، وبيوتاً قديمة متناثرة من الحجارة البازلتية، بعضها لا تزال تحمل على أكتافها بقايا سقوف قرميدية.
يقع المسجد على حافة طريق رقم 87، الذي يشق وسط الجولان. هناك هيكل لبناء قد يكون مدرسة. وهناك سهول ممتدة، مزروعة بالحبوب. وهناك أشجار تين وكرمة.
حلت المستوطنات مكان القرى المدمرة. وحمل بعضها أسماء منحوتة من أسمائها العربية السورية. هناك قطيع من البقر يرعى في الحقول. ومجموعة من الشبان المستوطنين يقودون جرارات حراثة في السهول الممتدة المجاورة لبلدة الخشنة.
يقول أهل الجولان من القرى الدرزية الأربع الباقية، إن الخشنة كانت بلدة يسكنها أكثر من 1900 نسمة. يتذكرون أنها كانت مشهورة بصناعة القبعات والعربات الزراعية، وكانت تعج بالنشاط التجاري، لمركزها في وسط الجولان.
يذكر الجولانيون، وخصوصاً كبار السن، أسماء القرى التي قد لا تعني كثيراً لمن يسمعها أول مرة، لكنها تعني الكثير لأهلها وأحفادهم. أكثر من 100 ألف سوري شردوا خلال حرب عام 1967.
الخشنة هي واحدة من 18 قرية مدمرة من الجولان المنسي. شيدت إسرائيل مستوطنات يصل عددها إلى ثلاثين، أقامت معسكرات تدريب، ومراكز عسكرية، زرعت مناطق بالألغام. استغلت ثروتها المائية التي تقدر بـ 12.5 مليون متر مكعب.
وموقع هضبة الجولان الاستراتيجي يجعلها صلة وصل بين لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. كانت ضمن الحدود التي رسمها ديفيد بن غوريون، مؤسس الدولة العبرية. وتكرر ذكرها في المطالب الصهيونية منذ بداية القرن الماضي.
في هذه الأيام، يجلس الجولانيون في بيوتهم هادئين. يجنون التفاح من حقولهم في الموسم، ويعملون في ورش البناء والزراعة في مستوطنات الهضبة وإسرائيل. وفي المناسبات الوطنية، يرفعون العلم السوري، ويرددون النشيد الوطني «حماة الديار عليكم سلام». ولا يخلو بيت في الهضبة من شعار النسر السوري.
هناك مؤشر يدل على التغلغل اليهودي في الجولان. تحمل المحلات التجارية في القرية لوحات مكتوبة باللغة العبرية، إلى جانب العربية. والناس هناك يتحدثون بالعبرية والعربية حتى مع بعضهم. يلاحظ سلمان فخر الدين، أبرز المشتغلين بالسياسة في الجولان، ضمور الوعي السياسي لدى غالبية الجيل الجديد، الذي يبتعد عن قضايا الوطن. ولهذا حرص فخر الدين على إرسال ابنه تحرير للعمل في مؤسسة إعلامية فلسطينية في رام الله.
المد الاستعماري الإسرائيلي بدأ يصيب الفئة الشابة في الجولان، حيث بدت علامات تراجع لتأثير التيار الديني الدرزي، فانتشرت صالات البلياردو، وتخلت الصبايا عن لباسهن التقليدي، واستبدلن به ألبسة غربية. وتقول ربة البيت نجوى أيوب إن الجولان يشهد ثورة على التزمت الديني بين صفوف الشباب. وتتابع قائلة: «إن الجيل الجديد لا يريد أن يعيش كما عاش أهاليهم».
ربما كانت إطاحة بعض العادات التقليدية المذمومة أمراً محموداً، لكن الوعي القومي بين جيل الشباب، ليس من أولويات الجيل الجديد الذي يئس من الانتظار.
ويبقى سؤال يحمل في طياته خشية من أن تصبح القرى العربية الدرزية على الشريط الحدودي مع سوريا منسية إلى الأبد. القرى إلى اليوم بقيت متمسكة بموقفها القومي، فإلى متى ستبقى صامدة في وجه المد التهويدي الثقافي والإعلامي والاقتصادي؟
الجولان المنسي يواجه أعتى حملة إسرائيلية لإلغاء ثقافته العربية، لكن شيئاً من المخزون الثقافي لا يزال يرفض الانخراط في تغريبة أبدية. فهل سيبقى سيف سلطان باشا الأطرش مرفوعاً بوجه إسرائيل؟

سعيد الغزالي

المصدر: الاخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...