أسعار العقارات في سورية إلى أين؟
لوحظ منذ بداية الأحداث في سورية في منتصف آذار الماضي تباطؤ حركة البيع و الشراء مع استقرار نسبي للأسعار، لكن مع اشتداد الضغوط على القطر انخفضت أكثر حركة البيع و الشراء مع ملاحظة زيادة عرض للعقارات التي تقع في (المعضمية، القدم،...) مقابل طلب قليل جدا على الشراء في هذه المناطق.
و الذي ساهم أيضا في انخفاض حركة البيع و الشراء هذه هو العدد الكبير جدا من المخالفات التي تم إنشاؤها و التي تقدر بعشرات الآلاف الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير للطلب على الشقق النظامية من جهة و استقرار أسعار العقارات بشكل عام.. هكذا يصف الدكتور مظهر يوسف- الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق واقع سوق العقارات حالياً.
أمل لن يتحقق..!!
وأضاف د. يوسف , مبشراً الحالمين بمنزل العمر, إنه لا أمل حالياً للموظف في الحصول على منزل يتناسب مع ظروفه، فكل الإشارات الحالية تدل على أن هذا الأمل لن يتحقق على المدى القريب، فقد لاحظنا أن الشركات العقارية اتجهت إلى بناء الفلل و غيرها، و خطط الدولة للسكن الشبابي تسير سير السلحفاة، و في حال تم إنشاء هذه الشقق فعددها لا يتناسب نهائياً مع عدد الراغبين بشراء شقة حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى تسجيل حوالي 250 ألف حالة زواج سنويا يقابلها بناء 100 ألف شقة سنويا على مستوى القطر و من جميع جهات القطاع العام و الخاص.
من جهة أخرى صرحت وزيرة الإسكان والتعمير –حسب كلام د. يوسف - إن احتياجات سورية من المساكن تقدر بحوالي 880 ألف وحدة سكنية بكلفة إجمالية تقدر بحوالي 1144 مليار ليرة سورية وإن الوزارة وضعت ضمن خطتها الحالية تأمين 570 ألف مسكن بكلفة 741 مليار ليرة وذلك بعد الانتهاء من المباني قيد التنفيذ.
بالعودة إلى البيانات الإحصائية السابقة يتبين أن حجم ما يبنى هو حوالي 100 ألف مسكن سنويا، و بالتالي لبناء 880 ألف مسكن, و إذا بقيت وتيرة البناء كما هي, فسنحتاج إلى حوالي 9 سنوات، خلال هذه الـ 9 سنوات سيكون عدد حالات الزواج في حده الأدنى أكثر من 2,25 مليون حالة (بمعدل 250 ألف حالة زواج سنويا)، و بالتالي لنتخيل حجم الطلب المستقبلي على المساكن, و بالتالي الحل لن يكون على المدى القريب.!
أما الصعوبات الحقيقية في ملف العقارات و التي أوصلت هذا الملف إلى هذه النقطة فيمكن اختصارها بالتالي:
مسؤولية الدولة
السبب الرئيس لهذه النتيجة هو عدم تدخل الدولة بشكل فعال من خلال:
-عدم توزيع أراضي للجمعيات السكنية.
- تأخر المخططات التنطيمية.
- فساد البلديات و غض النظر عن المخالفات.
-غياب تخطيط حقيقي لحل الأزمة، و البحث عن حل من دون أي أعباء على الدولة.
و تبقى الخطوات التي قامت بها الدولة من خلال السكن الشبابي أو السكن العمالي عبارة عن خطوات إعلامية لا أكثر، فستقوم الدولة ببناء حوالي 63 ألف مسكن شبابي إضافة إلى حوالي 22 ألف مسكن عمالي سيتم توزيعها خلال السنوات القادمة أي بمجموع حوالي 85 ألف مسكن في حين بلغ عدد حالات الزواج في العام 2009 حوالي 250 ألف حالة زواج .
عامل الزمن
التأخر الزمني في معالجة الأزمة، فنلاحظ فترات طويلة لإعداد أي دراسة أو قانون, يقول الدكتور يوسف ، وبعد الصدور تتأخر التعليمات التنفيذية, أيضا كل تأخير في حل مشكلة السكن سيؤدي إلى تفاقم المشكلة و ما لا حظناه في الفترة الأخيرة من ازدياد عدد المخالفات بشكل كبير يؤكد ذلك.
العرض و الطلب
من العوامل المهمة أيضا الخلل بين العرض و الطلب، فبمقارنة بسيطة بين عدد حالات الزواج و عدد وحدات السكن المنفذة خلال السنوات 2005، 2006، 2007 نلاحظ و جود نقص بحوالي 353158 مسكناً، و كل تأخر في حل أزمة السكن سيفاقم المشكلة.
الجدول رقم /1/: الفجوة بين عدد حالات الزواج و عدد وحدات السكن المنفذة خلال الفترة 2005 ـ 2007 بحسب الجدول رقم1.
العامل النفسي
العامل الإضافي الذي يسبب ارتفاع أسعار العقارات هو العامل النفسي المتعلق بأصحاب العقارات، فغياب أي مؤسسات متخصصة في التخمين العقاري، والدور السلبي للدولة و الخلل بين العرض و الطلب أدى إلى عدم وجود ضوابط حقيقية لهذه السوق و بالتالي كل شخص يحدد الأسعار على هواه. أيضا قرار أصحاب العقارات يتأثر بالشائعات و المحيط من المعارف و الأقارب، فيكفي أن يقنع احدهم جاره أن سعر بيته قد ارتفع بمقدار مليون ليرة سورية حتى يتمسك الأخير بالسعر الجديد، كذلك غياب الشفافية في الحصول على المعلومات الضرورية يزيد من قوة الشائعات.
الاستثمارات الخارجية
يبقى عامل أخير من الصعب قياسه ألا و هو الاستثمارات الخارجية و خاصة من الخليج العربي التي أدت إلى ضخ كمية كبيرة من الأموال في القطاع العقاري الأمر الذي أدى إلى فورة العقارات في مرحلة من المراحل. هذا العامل ترافق مع ازدياد أعداد العراقيين خلال الفترة الماضية الأمر الذي أدى إلى تمسك أصحاب العقارات حاليا بالأسعار التي كانت معروضة عليهم خلال الفترة الماضية.
سعر الأراضي
في حين تشكل قيمة الأرض بنداً مهماً بالنسبة لبعض المناطق و خاصة في ريف دمشق، حيث تبين نتيجة البحث و الاستقصاء أن قيمة الأرض للشقة الواحد تقدر بحوالي مليون ليرة سورية.
الخدمات
أيضا تمكن إضافة عامل إضافي ألا و هو الخدمات المتوفرة في منطقة السكن و خاصة المياه، هذا العامل يمكن أن يفسر اختلاف أسعار العقارات بين بعض المناطق مثل المعضمية و غيرها.
التكاليف
أما موضوع تكلفة البناء فيتحمل المسؤولية نظرياً ولكن ليس مسبباً حقيقياً، و إنما يتم استغلال هذا الموضوع حجة لرفع الأسعار، حيث يجد تجار البناء و المتعهدون الفرصة سانحة لاستغلال كل ارتفاع في أسعار المواد الأولية ليتم عكسه بعدة أضعاف على سعر الشقة أو العقار, أما في حالة انخفاض أسعار المواد الأولية فالأثر سيكون محدودا على العقارات كون الكثير من العقارات كان قد بني في فترات سابقة ترافقت مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، و بالتالي حتى نرى هذا الأثر لابد من الانتظار فترة من الزمن لحين بناء عقارات جديدة.
و بالتالي لن يكون لانخفاض أسعار المواد الأولية أثر حاسم أو ملموس على أسعار العقارات و خاصة على المدى القريب.
أيضا يبين الجدول رقم /2/ تغير تكلفة المسكن الجيد و العادي خلال الفترة/ 1995 -- 2007 /في دمشق و ريف دمشق، و يظهر في الجدول أن نسبة ارتفاع التكلفة بلغت في حدها الأقصى 72 % للمسكن العادي في ريف دمشق، و مع ذلك لم يصل سعر المتر المربع إلى 12 ألف ليرة سورية وتكفي مقارنة هذا الرقم مع أسعار السوق لنلاحظ الفجوة بين الرقمين.
عدم فعالية الإجراءات الحكومية
بالرغم من قيام الدولة بإصدار العديد من القوانين الهادفة إلى تحريك قطاع العقارات، إلا إننا لم نلاحظ نتائج ملموسة للأسباب التالية:
كما ذكرنا سابقا، إهمال عامل الزمن في حل المشكلة، مع العلم أن كل تأخير في طرح و تنفيذ الحلول سيفاقم المشكلة.
عدم حل مشكلة الملكية بشكل عملي، فهناك عدد كبير من العقارات التي لا يعرف من صاحبها الحقيقي إضافة إلى أنها غير موثقة عقارياً و خاصة في مناطق المخالفات الأمر الذي يعوق أي حل للمشكلة بالرغم من صدور القانون رقم /33/ الذي قضى بتثبيت الملكيات العقارية والذي يعد خطوة أساسية للبدء بحل مشكلة العقارات، إلا أن الخطوات التنفيذية لهذا القانون تسير أبطأ من السلحفاة حيث تم اختيار ثلاث مناطق وهي دمشق وحلب وحمص عينات لتطبيق القانون عليها كمرحلة بهدف تقييم التجربة من حيث الإجراءات والكلف والصعوبات الناجمة عن عملية التطبيق بغية تسهيل هذه الإجراءات وتطوير التعليمات التنفيذية بما يتوافق مع غاية القانون وتحقيق أهدافه التنموية والخدمية والاجتماعية, الأمر الذي يدل على أن مشوار تثبيت الملكية سيكون طويلاً جداً.
الحلول
أخيراً، إن حل أزمة العقارات لا يمكن أن يتم بين ليلة و ضحاها، لذلك يمكن أن نقترح أن تسير خطط الدولة في اتجاهين: اتجاه التشجيع على البناء و اتجاه التشجيع على الشراء.
الاتجاه الأول: التشجيع على البناء يتم من خلال الإسراع بإنجاز المخططات التنظيمية، تخصيص المزيد من الأراضي للبناء و قانون تثبيت الملكية الذي يعد حجر الزاوية في أي حل مستقبلي.
الاتجاه الثاني: التشجيع على الشراء من خلال تسهيل شروط الاقتراض (رفع سقف القروض، إطالة مدة القرض إلى 25 عاماً، تخفيض معدلات الفوائد ... الخ).
هني الحمدان
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد