أسواق وناس: أزمة ضمير أم أزمة أسعار؟!
في الأسواق: مستهلك ومزارع وتاجر ... رابح وحيد وخاسرون بالجملة
الفلاح السوري.. الرابح يبقى وحيداً
في بلد زراعي يتَّجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، لعل أول ما يُستهجن هو ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية ذات المنشأ النباتي.. والملاحظ، وفقاً لما تشير إليه حركة البيع والشراء، أنَّ المزارع على الرغم من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، لم يرفع من أسعار محصوله. لكن بالنظر إلى ما تشير إليه الأسواق، نجد أنَّ أسعار المحاصيل ذاتها (الخضار والفواكه) ارتفعت بحدود 40-50 %، لنصل إلى نتيجة مفادها أنَّ الفارق بين السعر البخس الذي يبيع به المزارع منتجاته من الخضار والفواكه والأسعار النهائية التي تصل إلى المستهلك، يعود إلى الوسيط (التاجر) الذي اكتفى ذاتياً وترك كلاً من المزارع والمستهلك يكويان بنار الأسعار. ولا شكَّ في أنَّ بعض أنواع الخضار باتت عصية على المستهلك، سواء من حيث سعرها أم من حيث توافرها، لدرجة أبعدت «التبولة»- على الأقل حالياً- من المائدة السورية التي باتت تفتقد لونها الأخضر. وبالتأكيد بعد أن وصل سعر كيلو البندورة إلى 45 ليرة، وجرزة البقدونس إلى 13-15 ليرة، والبصل الأخضر إلى 15 ليرة، والخس بين 25-30 ليرة، سيعيد المواطن السوري حساباته في «التبولة» أو صحن السلطة كمادة شبه يومية على مائدته. وفي حين يعزو بعضهم أسباب الارتفاع إلى صعوبات يعاني منها أصحاب البيوت البلاستيكية الزراعية المخصَّصة لإنتاج البندورة وبعض أنواع الخضروات من ارتفاع مستلزمات الإنتاج وصعوبة الحصول على المازوت، يرى بعض آخر أنَّ القيمة المضافة لهذا الارتفاع تذهب إلى التاجر الوسيط بين المستهلك والمزارع.
وحده الليمون بقي محافظاً على سعره (الحامض 30 ليرة، كرمنتينا 30-35 ليرة، بوملي 35 ليرة).. وإن كان هذا الاستقرار في سعر الليمون قد خفَّف من أعباء المستهلك، إلا أنه زاد أضعافاً من هموم المزارع، حيث أشار أحدهم إلى أنَّ بقاء سعر الليمون كما هو مقابل الارتفاع في أسعار مستلزمات الإنتاج انعكس سلباً على المردود المادي، مثل أسعار شرائح التعبئة البلاستيكية التي ارتفعت بمعدل 10 ليرات عن الموسم الماضي، حيث وصل سعر الشريحة الواحدة إلى 22 ليرة، بالإضافة إلى ارتفاع أجور النقل الناتج عن صعوبة الحصول على مادة المازوت، وارتفاع أجرة العمال التي تصل إلى 800 ليرة للعامل في اليوم. سوق العراق أيضاً، بحسب ماهر (مزارع من اللاذقية) يعدُّ لاعباً رئيساً في أسعار الليمون، حيث أكَّد أنه عندما يفتح باب التصدير إلى العراق ترتفع أسعار الليمون إلى الضعف تقريباً. وبعيداً عن سوق العراق، لا شكَّ في أنَّ الوسيط التجاري بين المزارع والمستهلك هو الرابح الوحيد، وكلّ ما يجنيه المزارع بعد خروجه من السوق خلال بيعه المحصول هو محاضرة في الاقتصاد من وسيط يشرح الذرائع التي دعته إلى إلزام المزارع بالحد الأدنى من الأسعار، ومنها: ارتفاع أجور النقل الذي نتج عن ارتفاع المازوت، وتراكم المحصول، وإغلاق باب التصدير.
مازوت.. أزمة ضمير
لم يعد المواطن السوري مهتمَّاً بأزمة توافر المازوت كما في السابق، وإن كان قد وفَّر بدائله على حساب صحته؛ فإما بالحطب أو بالمرض، والواقف في طابور لساعات لم يعد يفكِّر إلا في أن يصل إلى دوره سالماً معافى من البرد. لكن ما يثير حفيظة كلِّ الصابرين لساعات تمتدُّ إلى نهار آخر، هو مَن يحتال على الموجودين ليأخذ أكثر من حاجته وحاجة مَن حوله. يشير أحدهم إلى مخالفات وتجاوزات بالجملة تحدث أثناء توزيع المازوت في المركز التابع إلى منطقة المزة 86، حيث تلعب المحسوبيات والوساطة دوراً في تفضيل مستهلك على آخر من حيث حصته من المازوت ومدة انتظاره، هذا عدا استغلال بعض الأشخاص انشغال المسؤول بالتوزيع وعدم التدقيق في البطاقات الشخصية التي كان يتمُّ اعتمادها قبل البطاقة العائلية، فينالون أكثر من حصتهم. إضافة إلى مظاهر أخرى مازالت مستمرَّة حتى بعد تحديد البطاقة العائلية بدل الشخصية كشرط للحصول على المازوت؛ ومن هذه المظاهر استخدام بعض الأشخاص مازوت التدفئة لتحريك السيارات، وهذا يؤثِّر سلباً في حركة التوزيع ويقلِّل من فرص الحصول على المازوت الذي تحتاج إليه المنازل أكثر من السيارات. وهنا يوضح المواطن (ع.د) أنَّ أحدهم وضع سيارته بعيداً عن مرأى أعين مسؤول التوزيع، فجاء ببعض الشبان واستغلَّ حصة كلِّ واحد منهم (60 ليتراً)، ليفرغها في سيارته بدل منزله، وليفرغ بذلك ثلاثة بيوت على الأقل من دفء المازوت.
الجهات المعنية بدورها قلَّصت من بعض المظاهر هذه؛ فحدَّدت إمكانية الحصول على المازوت بالبطاقة العائلية، وليس الشخصية، لكنها بالطبع لم تقلِّص أزمة الدفء الناتجة عن تفاقم أزمة ضمير وأخلاق باتت تحتاج هي الأخرى إلى صحوة إنسانية.
أسعار الحديد.. حديد
ارتفاع متصاعد تشهده أسواق الحديد كغيرها من المواد، فبعد أن ارتفع سعر الطن الواحد بمقدار خمسة آلاف ليرة منذ أواخر أيلول الماضي، لم يسجِّل أيَّ تراجع أو هبوط؛ بل على العكس، كثرة تشييد البناء في مناطق المخالفات أدَّت إلى فوضى في سوق الحديد، ومثله في الإسمنت، منذ شهر آذار الماضي وحتى أواخر تشرين الأول.
وإن كانت كثرة تشييد البناء هذه لم تخلِّف أيَّ نشاط في سوق العقارات، على اعتبار أنَّ البناء يتمُّ لأغراض الاستخدام فقط وليس للتجارة، إلا أنَّ ارتفاع سعر الحديد خرج عن سيطرة الجهات المعنية، لدرجة أنَّ ارتفاعه بات ذريعة لسرقة الحديد الخردة الذي ارتفع سعره هو الآخر إلى 8-12 ليرة لكلِّ كيلو. وفي هذا يذكر المواطن (ر. ج) لـ«بلدنا» أنه كان قد وضع باباً من حديد لـ«عدادات المياه» في أسفل درج بنائه الواقع في حرستا، ليُفاجأ ذات صباح بسرقته من قبل أحدهم.
وعلى عكس الإسمنت الذي شهد استقراراً خلال الشهر الماضي محافظاً على سعر 6100 ليرة للطن الواحد بعد أن شهد فترة من الارتفاع غير المسبوق وصل فيها سعر الطن إلى 8000 ليرة سورية، فإنَّ هذا الاستقرار لم يطاول أسعار الحديد، فوصل سعر الصناعي (البواري الفارغة) إلى 47000-49000 ألف للطن الواحد، وارتفع سعر الكيلو من حديد تسليح الأبنية من 32 إلى 48 ليرة، والحديد الخاص بالأعمال المنزلية من 72 إلى 1000 ليرة.
وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية التي أكَّد أحد مهندسي البناء أنها أثَّرت بشكل رئيس في أسعار الحديد، فزادت من ارتفاعها في وقت توقَّع العاملون في هذا المجال انخفاضها كما الإسمنت نتيجة تراجع الطلب عليها، إلا أنَّ مراقبون آخرون يرون أنَّ الطلب على الحديد لم يتراجع، بل في ازدياد، الأمر الذي سبَّب ارتفاع أسعاره، إضافة إلى ارتفاع السعر العالمي للحديد، وارتفاع أجور النقل، ما أسفر عن فوضى في أسعاره محلياً.
ختام صقر
جريدة بلدنا
إضافة تعليق جديد