أمريكا تبدل السائق في شرم الشيخ
الجمل ـ د. ثائر دوري: تتحدث نكتة عن خمسة رجال اشتروا سيارة تاكسي ، ثم وظفوا سائقا ليعمل عليها . و لأنهم لا يثقون ببعضهم و لا بالسائق قرروا أن يصعدوا، خمستهم ، في السيارة مع السائق ليراقبوا عمله ، و يراقبوا بعضهم ، و بالطبع شغلوا كل مقاعد السيارة فلم يصعد بها أي راكب ، وعندما جاء آخر الشهر اكتشفوا أن مشروعهم خاسر، فالإيرادات معدومة ، و عليهم دفع أجر السائق و ثمن البنزين و الزيت و قسط السيارة . صبروا على هذا الوضع عدة أشهر على أمل أن تتحسن الأوضاع ، لكن الخسائر تراكمت ، فقرروا أن يستشيروا اقتصادياً مرموقاً يعمل في البنك الدولي . شرحوا له المشكلة من الألف إلى الياء و أمدوه بالوثائق اللازمة ، ثم راجعوه بعد عدة أيام فوجدوه باشا فاستبشروا . لقد وجد حلاً للمشكلة . و على الفور أخبرهم بالحل
- بدلوا السائق .
تذكرت هذه النكتة ، وأنا أتابع ما يجري في مؤتمر شرم الشيخ ، فلم يعد ممكناً لذاكرتنا أن تتذكر عدد المؤتمرات التي عقدت تحت رعاية الولايات المتحدة من أجل إنقاذها من ورطة العراق و من خسارتها هناك . لكننا نتذكر أن أغلبها في شرم الشيخ الذي بات متخصصاً على ما يبدو بالعراق! و في كل مرة يصدر بيان ختامي تتوهم أمريكا أنه سيخرج الزير من البير . و هو نفس الشعور الذي تشعر به الولايات المتحدة كلما أطلقت حملة عسكرية جديدة تحت اسم جديد في بغداد أو الأنبار أو الفلوجة حتى أنها استنفذت الأسماء . لكن ما إن ينفض اجتماع المجتمعين و يعودون إلى بلدانهم ، و ما إن تبدأ الحملة العسكرية و قبل أن تنتهي حتى يعود كل شيء كما كان و ربما أسوأ بالنسبة للولايات المتحدة ، أي كما يقول المثل الشعبي " تيتي تيتي مثل ما رحت مثل ما جيتي ". فالمقاومة بتوسع مستمر ، و نزف الولايات المتحدة من المال و الرجال يتفاقم مما يفاقم أزمات الإدارة في الداخل الأمريكي ، و ما يسمى بحكومة المنطقة الخضراء تنخرها الخلافات الطائفية ، و الصراع على المكاسب الفردية ، ولا تقوى حتى اليوم فطاماً عن ثدي الولايات المتحدة حتى أصبحت أشبه بالعلق الذي يمتص دم الجسد الأمريكي في انعكاس غريب للأدوار ، فأمريكا التي اعتادت مص دم الشعوب تسلطت عليها طفيليات من جنسها تمتص دمها و لا تستطيع الخلاص منها .
لكن أمريكا الغارقة في أوهامها لا تعدم حلولاً على نمط حلول الاقتصادي سابق الذكر في النكتة ، فمرة تقرر تغيير السائق مع أن السائق لا حول و لا قوة له ، فبدلت مجلس الحكم بمجلس وزراء ، ثم بدلت علاوي بالجعفري ، وبعدها بدلت الجعفري بالمالكي ، و تسري اليوم إشاعة عن نيتها تغيير السائق من جديد إما بالعودة إلى علاوي أو بتدبير انقلاب عسكري . و بالطبع لن يتغير شيء فالخسارة مستمرة كما حدث مع الشركاء الخمسة ، فقد بدلوا السائق لكن لم يتغير شيء . فعادوا إلى نفس الاقتصادي و بعد دراسة أكاديمية معقدة وجد أن الحل هو بتبديل السيارة بطراز آخر يكون استهلاكه من البنزين أقل . لكن ذلك لم يفد الشركاء الخمسة بشيء ، ، فاقترح عليهم من جديد أن يغيروا خط عمل السيارة فنقلوها لمدينة أخرى .....
ظل الاقتصادي العظيم يتحفهم بنصائحه حتى خسروا كل ما يملكون . هذا هو حال الولايات المتحدة تجرب كل الحلول ما عدا الحل المنطقي الوحيد ، وهو أن تنزل من السيارة و تغادر العراق كما تشترط المقاومة ، أو على الأقل أن تجلس مع المقاومة لتفاوضها على جدول الزمني للانسحاب كما فعلت في فيتنام ، عندها تكون الولايات المتحدة قد دخلت في الحلول الجدية ، أما ما عدا ذلك فهو تنويع على حلول ذلك الاقتصادي .
باختصار على الولايات المتحدة النزول من السيارة و تركها لأهلها . هذا هو الحل الوحيد الذي يوقف نزفها من المال و الرجال . و لا يبدو أن مؤتمر شرم الشيخ خطوة على هذا الطريق لذلك سرعان ما يطويه النسيان و تصبح مقرراته مجرد ورق أبيض سود بالحبر ثم طوحتها الرياح
الجمل
إضافة تعليق جديد