أمريكا تصدر طائفية بقيمة 230 مليون دولار إلى لبنان

19-09-2006

أمريكا تصدر طائفية بقيمة 230 مليون دولار إلى لبنان

في 21 آب الماضي، بعد أسبوع على توقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، أعلن الرئيس الاميركي جورج بوش أن بلاده ستمنح اللبنانيين مساعدات تصل إلى 230 مليون دولار لأننا نؤمن بأن كل شخص يستحق العيش في مجتمع حر ومنفتح يحترم حقوق الجميع .
230 مليون دولار هو مبلغ يبدو زهيداً من دولة عظمى كالولايات المتحدة، مقارنة بالكلفة الاجمالية المقدرة لاضرار الحرب التي ساهمت الادارة الاميركية فيها وشجعتها. وبحسابات بسيطة، فالمساعدات الاميركية إلى لبنان تسدّ، بالكاد، ما نسبته 1/30 من نحو ستة أو سبعة مليارات دولار يحتاجها اللبنانيون ل النهوض ببلدهم مجدداً وليس التقدم به وفقاً لمعظم التقديرات غير الرسمية.
وبمعزل عن تناسب الكرم الاميركي إزاء لبنان، يبقى السؤال الاهم، بعد نحو شهر من التعهد البوشي: أين أصبحت المساعدات الاميركية إلى اللبنانيين؟ ما قصة تعليق هذه المساعدات وربطها بشروط سياسية؟ وما صحة خبر جعلها مخصصة لغير الشيعة؟
فعلى ضآلتها، باتت المساهمة الاميركية التي أعلنها بوش بفخر، موضع شكوك من داخل البيت الاميركي. ويكاد المبلغ الذي التزمت به واشنطن تجاه لبنان يتبدى حملاً ثقيلاً على الميزانية الاميركية التي تنفح إسرائيل، في الوقت ذاته، بمليارين و300 مليون دولار سنوياً لتسلحها فقط.
فخلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، يوم الاربعاء الماضي، تناولت تقرير إدارة بوش حول سياستها في الشرق الاوسط، أعرب السيناتور الجمهوري جون سنونو عن قلقه من ان البيت الابيض ضخّم أرقام مساعداته المفترضة إلى لبنان، قائلا أنا قلق من الانعكاسات المحتملة لالتزام مالي معلن لا يتناسب مع الاموال التي ستصرف وهي اقل من المعلن بكثير .
حتى أن سنونو اقترح جمع حصة كبيرة من مبلغ ال230 مليون دولار، من برامج أميركية أخرى كبرنامج المنح الدراسية للطلاب اللبنانيين، معترفاً بأن التمويل الجديد الذي سيقدم إلى الشعب اللبناني هو ضئيل جداً .
تحدث سنونو، خلال جلسة الاستماع، عن تداخل في الحسابات المصروفة من المساعدات الاميركية، قائلا لمستشار وزارة الخارجية لشؤون الشرق الادنى ديفيد ولش، الذي قرأ تقرير الحكومة امام اللجنة: لقد أشرتم إلى 60 مليون دولار للمساعدة على اعادة الاعمار، في حين ان هذه الاموال كانت قد صرفتها لجنتنا المالية في اطار مساهمة الولايات المتحدة في مساعدة صندوق النقد الدولي للبنان .
وقد أقرّ ولش ضمناً ان الادارة دمجت في المساعدة المعلنة من بوش اموالا سبق ان تم اعتمادها، حين أكد ان وزارة الخارجية طلبت من الكونغرس السماح ب إعادة برمجة هذه الاموال، قائلا لدينا احتياجات اخرى في الميزانية يتوجب الاستجابة لها، والمنافسة شديدة .
لكن مدير الوكالة الاميركية للتنمية الدولية في لبنان رؤوف يوسف، أكد ل السفير ان مبلغ ال230 مليون دولار هو صحيح، وثمة 175 مليون دولار متبقية ستصرف من دون أي نقصان للشعب اللبناني ، بعدما تم صرف 55 مليون دولار من هذه المساعدات حتى الان. لكنه لم يحدد جدول إنفاق المبالغ المتبقية وكيفيته.
ورفض يوسف الحديث الدائر عن تداخل أو دمج في حسابات النفقات المصروفة من المساعدات الاميركية، موضحاً أن مرد ذلك قد يعود إلى اختلاف التوزيع عند تضارب مصادر التمويل للمشاريع الانمائية مثلا.
وقد كشف سنونو أن مبلغ 25 مليون دولار مما كان مخصصاً لتأهيل قوات الامن اللبنانية، سيصرف في الواقع على قوة الامم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وليس على الجيش اللبناني. أضاف، كمن يلمح إلى تلاعب مالي ما، ان توزيع هذه المساعدات في الكواليس... لا يخدم جهودنا الخاصة في المنطقة ولا الشعب اللبناني .
ومن اللافت ان ولش أشار خلال تقريره، إلى أن الولايات المتحدة ستخصص ضمن مساعداتها مبلغ 40 مليونا للامن في لبنان، بعدما كان بوش أعلن أنها 42 مليون دولار.
حين أعلن بوش، في 21 آب الماضي، زيادة حجم المساعدات الاميركية إلى لبنان، لم يربطها صراحة بشروط سياسية معينة. غير أنه أشار في الخطاب الشهير ذاته إلى الموجبات المطلوبة من لبنان: تنفيذ القرار 1701 ونشر القوات الدولية والجيش اللبناني على الحدود اللبنانية، وإيقاف حزب الله عن العمل كدولة داخل دولة.
أضاف بوش، آنذاك، أن القوات الدولية ستعمل على إيصال المساعدات إلى المشردين على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل ، رغم ان المنظمات غير الحكومية هي المخولة بأداء هذه المهمة عادة. فهل يعني بذلك ربط المساعدات الاميركية إلى لبنان بشرط نشر القوات الدولية على حدوده وغيرها من الخطوات المطلوبة من الحكومة اللبنانية؟ في حين أنه تعهد في المقابل بتمديد ضمانات القروض لاسرائيل من دون أي قيود؟
يزكّي هذا الاعتقاد تقرير إعلامي صدر مؤخراً، وتناقلته على الاخص المواقع الالكترونية الاسرائيلية، وبينها صحيفة يديعوت أحرونوت ، حول قرار اتخذته لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الاميركي، وينص على تعليق إرسال المساعدات إلى لبنان إلى أن توافق الحكومة اللبنانية على نشر القوات الدولية على الحدود مع سوريا.
وإن لم يكن هذا القرار متمتعاً بالصفة الرسمية بعد، إلا انه لم يتم نفيه من الجهات الاميركية المعنية. فعندما سألت السفير رؤوف يوسف حول هذه المسألة، قال لا أستطيع ان أنكر أو أؤكد هذا الخبر. واكتفى بالتشديد على انه لا علم له بأي قرار أميركي مماثل.
وكان النائب الديموقراطي طوم لانتوس، هو من دفع بهذا القرار منذ أسابيع، بإيعاز من منظمة أيباك اليهودية الاميركية التي تربطه بها علاقات وثيقة، وبعد لقاءات جمعته بمسؤولين إسرائيليين كبار، بينهم رئيس الوزراء إيهود أولمرت، حيث تعهد له بالدفع بهذا القرار لضمان أمن إسرائيل أولاً.
وقد أعلن لانتوس الذي زار لبنان في مطلع هذا الشهر، قائلاً حان الوقت لكي يتعلم لبنان الدرس ، أنه سيقود حملة داخل الكونغرس من أجل مضاعفة المساعدات إلى إسرائيل، وفرض القيود على المساعدات الاميركية للبنان. وبرر ذلك بقوله إن لبنان سيحصل على المساعدة من أوروبا والعرب والامم المتحدة. وإذا لم تقدم الولايات المتحدة المساعدات لاسرائيل، فإن هذه الاخيرة لن تنال شيئاً .
يذكر أن مجموع المساعدات الاميركية إلى إسرائيل تجاوزت 140 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية. وهي تتلقى سنويا حوالي ثلاثة مليارات دولار كمساعدات مباشرة، أي خمس ميزانية المساعدات الخارجية الاميركية تقريباً، وبما يعادل 500 دولار أميركي لكل إسرائيلي. لا يقتصر الجدل حول المساعدات الاميركية على انتقاد تدنيها النسبي أو التشكيك في قيمتها وكيفية انفاقها وحسب، فالادهى من ذلك أن هناك نقاشا اميركيا، في اوساط الكونغرس والادارة والاعلام، يعكس مخاوف من وصول مثل هذه المساعدات الى ما يعتبره هؤلاء جمهور حزب الله، او حتى الحزب نفسه، ما يعني شريحة كبيرة من الطائفة التي ينتمي اليها.
فخلال جلسة الاستماع في الكونغرس، تحدث نائب رئيس معهد بروكينغز الاميركي للدراسات الخارجية (أحد مراكز الدراسات الثلاثة الاكثر تأثيراً في الولايات المتحدة)، كارلوس باسكوال، عن جدل علني في الولايات المتحدة حول ما إذا كان يجدر بالمساعدات الاميركية أن تتجه إلى الجنوب (اللبناني)، وما إذا كان ذلك سيقوّي حزب الله ، منبهاً من أن إهمال الجنوب سيؤدي إلى خلق إحساس بالتهميش في صفوف أبناء الطائفة الشيعية، واستطراداً زيادة الاضطراب السياسي الداخلي.
وأوضح باسكوال ان هناك خيارين عمليين أمام الادارة الاميركية: إما التخفيف من خطر انتفاع حزب الله (من المساعدات) عبر استخدام المنظمات غير الحكومية كوسائل قصيرة الامد لادارة وانفاق المصادر المالية، أو قطع هذه المساعدات وإيضاح ان أيا من الحكومة اللبنانية او المجتمع الدولي لا يهتم بشيعة لبنان ! أضاف باسكوال ان الخيار الثاني سيمؤسس بكل بساطة حالة عدم الاستقرار .
ولتبديد الانطباع الذي من الممكن ان يثيره هذا الكلام، أكد رؤوف يوسف، مدير الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، أن هذا الكلام غير مقبول، إذ لا يمكن إنكار الطائفة الشيعية التي تشكل نحو ثلث سكان لبنان، وتعد فئة محرومة وجزءاً أساسياً من نسيجه . وأكد أن نسبة كبيرة من المساعدات الاميركية تركز على الجنوب.
لماذا لا نأخذ من إسرائيل؟.. هو اقتراح تقدم به باسكوال، خلال جلسة الاستماع، بعدما اختتم قبل نحو اسبوع زيارة كلفه بها معهده إلى لبنان.
وقال باسكوال إن مجموع الاموال التي يحتاجها لبنان لإعادة إعماره وتعويض اقتصاده تبلغ نحو سبعة مليارات و600 مليون دولار، وهي لا تتضمن المبالغ التي يجب إنفاقها لتأهيل الجيش اللبناني. واعتبر أن التقديمات المالية الاميركية ضئيلة ويجب رفعها لتأمين 15 في المئة من المبالغ المطلوبة لإعادة الاعمار: أي إلى نحو 750 مليون دولار. وأوضح ان هذه النسبة توازي ثلث ما تقدمه الولايات المتحدة كل عام لاسرائيل، في إطار التمويل العسكري الخارجي .
أضاف ولم يتوقف باسكوال عند هذا الحد، بل وصل إلى أن على إسرائيل أن تقترح على الكونغرس والادارة الاميركيين إعادة توزيع 10 في المئة من مبلغ 2.3 مليار دولار السنوي الذي تتلقاه في إطار التمويل العسكري الخارجي، من أجل إعادة الاعمار في لبنان بما أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى مطمح إسرائيل في توفير الامن والاستقرار في الشرق الاوسط عبر قيام حكومة لبنانية قوية بمؤسساتها وجيشها.
فهل من الممكن ان يشهد اللبنانيون اليوم الذي تمارس فيه إسرائيل أيضاً، بعض سخائها عليهم؟

ديالا شحادة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...