أمريكا تعيد النظر بدعم قوى 14 آذار بعد فشلها بتأدية المهمة
الجمل: في يوم 22 مارس 2006م، أكمل زعماء الطيف السياسي اللبناني جولة من الحوار والتفاهم الوطني الجاري حالياً، وقد تلمست الحوارات التي بدأت في وقت مبكر من شهر مارس المنصرم بعض المسائل والقضايا البازرة في السياسة اللبنانية، وكان الملفت للنظر أن ماهو غائب من الأجندة تمثل في مناقشة نزع وتجريد سلاح المليشيات ، مثل حزب الله، وكما هو معلوم، فإن عملية التجريد هذه تمثل عنصراً أساسياًَ من مكونات مضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559. لذلك فإن التأجيل غير المحدد لهذه المسألة الحرجة سوف يجعل من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تستمر في التأييد والدعم الفاعل لحلفائها اللبنانيين في مرحلة مابعد الخروج السوري.
إجماع الحوار والتفاهم الوطني:
انقسم الـ ( 128) نائباً برلمانياًَ، الذين تم انتخابهم في يونيو 2005م، إلى ثلاثة كتل رئيسة:
• كتلة المستقبل : وهي خليط سني ، درزي ، مسيحي، يقوده سعد الحريري ووليد جنبلاط، ولها 72 مقعداً.
• كتلة الشيعة (أمل – حزب الله) : ويقوده السيد نبيه بري والسيد حسن نصر الله، ولها 35 مقعداً .
• كتلة وطنية حرة : ويقودها الجنرال ميشيل عون ، ولها 21 مقعداً.
بعد مرور عام تقريباً، على الانتخابات، أبدت كتلة المستقبل المناوئة لسوريا الكثير من الامتعاض إزاء تضامن كتلة نبيه بري الشيعية، وكتلة الجنرال عون. وقد أدى هذا الاصطفاف إلى تجميد العديد من المسائل والقضايا الرئيسية التي استلزمت الحوار والتفاهم.
المشاركة في الحوار والتفاهم الوطني، تضمنت أبرز نجوم السياسة في لبنان: الحريري، جنبلاط، نصرالله ، عون ، وبري، إضافة إلى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وسمير جعجع، والرئيس السابق أمين جميل. وقد وافقوا بالإجماع على ثلاثة مسائل هي:
• سوريا: تم الاتفاق بين المشاركين على الحاجة إلى تطبيع العلاقات الثنائية مع سوريا، بما يتضمن الخطوة غير المسبوقة بإقامة سفارتين سورية ولبنانية في كل من بيروت ودمشق. خاصة وأن العلاقات بين البلدين قد توترت بعد مقتل الرئيس الحريري، وبعض اللبنانيين المعادين لسوريا، وقيام بعض الأطراف اللبنانية والأجنبية بإثارة الشكوك ضد سوريا.
• فلسطين: تم الاتفاق على جمع أسلحة الفلسطينيين الموجودة خارج المخيمات خلال فترة ستة أشهر،والاعتراف حقيقة بوجود أسلحة خارج المخيمات في حد ذاته يعتبر اعترافاً ضمنياً بالقدرات المحدودة للقوات المسلحة اللبنانية من أجل العمل بسلطة وصلاحية كاملة في سائر أنحاء لبنان. وعلى أية حال، فإن السياسة التي تم الاتفاق عليها سوف تكون ذات تأثير قليل من الناحية العملية، وفي هذا الصدد، أعلنت المنظمات الفلسطينية، كمنظمة فتح ، مثلاً بأنها قد قررت وحددت بالأساس وبكل بساطة نقل أسلحتها إلى داخل المخيمات.
• تغيير الرئيس إميل لحود : فيما تم إطلاق تسمية عليه " أزمة النظام" إقصاء الرئيس إميل لحود الذي دعمه السوريون في الاحتفاظ بمنصبه، ثم الاتفاق على مناقشة المرشح البديل، الذي يمكن أن يحل محله. وفي الوقت الذي ظل فيه العماد عون السياسي المسيحي الأكثر شعبية في لبنان، فإن أغلبية كتلة الحريري (تيار المستقبل) لاتزال تنظر إلى عون باعتباره طائفياً متعصباً وأعلنت صراحة بأنها لن تقبل بترشيح عون لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وقد قررت كتلة الحريري أن تقوم باختيار قائمتها الخاصة بالمرشحين المسيحية المقبولين بالنسبة لها. وعلى مايبدو فإن الجنرال عون منهمكاً باهتمام شديد بأن يصبح رئيس للجمهورية، وقد بلغ من العمر واحد وسبعين عاماً، ومن ثم فإنها ستكون آخر فرصة له، ولكي يتراجع العماد عون عن طموحه، فإن ذلك لن يحدث الآن، لأن كتلة الحريري لا تملك أغلبية الثلثين المطلوبة لإقصاء الرئيس إميل لحود عن الرئاسة. ويرى بعض اللبنانيين والغربيين أن التدخل السوري غير المشروع قد أعمل التعقيدات في المسألة اللبنانية الجارية. ولايزال هناك اعتقاد واسع بأن حزب الله وحركة أمل، إضافة إلى آخرين، سوف لن يوافقوا على أي مرشح بديل للرئاسة، دون أن يحصلوا على (مباركة وموافقة) دمشق. وعلى أية حال، أصبح موقف الرئيس لحود مؤمناً في الوقت الحالي.
أسئلة أكثر صعوبة:
بلا استثناء، تجنب المشاركون في الحوار والتفاهم الوطني النقاش حول قرار مجلس الأمن الدولي 1559، وعلى وجه الخصوص مسألة تجريد ونزع سلاح المليشيات، وذلك احتراساً من عدم انسحاب حزب الله من الحوار والتفاهم الوطني.
لذا، فبدلاً من ذلك، كان التركيز على مطالبة القرار 1559، بتعزيز وتدعيم تمديد سيطرة الحكومة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية، كصيغة عريضة، يمكن تفسيرها لبنانياً، باعتبارها تشير إلى ضرورة تمديد سيطرة الحكومة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية بما في ذلك مزارع شبعا.
في يونيو عام 2000م، أقرالأمين العام للأمم المتحدة صحة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، كما هو مطلوب بواسطة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، وموقف كوفي عنان حول مزارع شبعا، والذي أعاده في أكتوبر 2005م :" إن منطقة مزارع شبعا التي تطالب بها لبنان يمكن .. أن لا تكون معتبرة من الأراضي اللبنانية". وفي الوقت نفسه ترك كوفي عنان الأمر مفتوحاً لإمكانية قيام مفاوضات ومباحثات ثنائية بين سوريا ولبنان حول التحديد الدقيق للحدود بينهما، وفي هذا اعتراف بأن المسألة هي بين هذين البلدين، ولا تتضمن إسرائيل.
استمر المسؤولون اللبنانيون في الزعم بأن شبعا هي منطقة لبنانية، وقدموا المستندات والوثائق وأشاروا إلى بيان مايو عام 2000م، الذي أصدره وزير خارجية سوريا آنذاك د.فاروق الشرع، والذي تضمن رأياً يقول بأن هناك حلاً واحداً لمسألة مزارع شبعا، يتمثل فقط في (إعادتها إلى لبنان).
كذلك، فقد ظل الرئيس الراحل حافظ الأسد، وخليفته ابنه الرئيس بشار الأسد يتفاديان تقديم أي توضيحات حول الموقف السوري المتعلق بالأمم المتحدة، وقد أشارت وكالة فرانس برس في أكتوبر عام 2000م أن الرئيس قد أخبر وزير الخارجية الإيراني بأن "مزارع شبعا هي أرض لبنانية محتلة بواسطة إسرائيل".
بعض كبار الممثلين المسيحيين والسنيين، في الحوار والتفاهم الوطني اللبناني، تمسكوا برأي مفاده أن رغبة سوريا المزعنة في التنازل عن مزارع شبعا سوف تحرك عملية تؤدي في نهاية الأمر إلى نزع سلاح حزب الله، ومنطق هذه الحركة على النحو الآتي:
إذا تنازلت سوريا عن مزارع شبعا، فإنها سوف تصبح أرضاً لبنانية، وبالتالي سيقع على عاتق رقبة إسرائيل الالتزام بتنفيذ الانسحاب من هذه المزارع.
ومن ثم، بعد الانسحاب الأمريكي، سيؤدي الموقف إلى جعل حزب الله يفقد السبب المبرر لوجوده كـ (تنظيم للمقاومة)، بحيث ينزع سلاحه، ويصبح حزباً سياسياً.
حتى الآن مازال القليل معروفاً عن موقف حزب الله من عملية نزع وتجريد السلاح، سواء كان القرار في نهاية الأمر يقوم بصيغة حزب الله بنفسه، أو بمساعدة حلفائه في سوريا وإيران.
هذا والجدير بالذكر أن السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قد وقع على ورقة اتفاق مشترك مع العماد عون، في 6 فبراير 2006م، حددت بشكل واضح أن تجريد ونزع سلاح حزب الله هو أمر يجب مناقشته ضمن إطار الحوار والتفاهم الوطني" كما أنه يرتبط بتحرير مزارع شبعا وإطلاق سراح سجناء حزب الله من السجون الإسرائيلية.
وفي الفترة الأخيرة أصبح السيد حسن نصر الله يشير إلى بعض المتطلبات والمستلزمات المسبقة لعملية نزع السلاح. وعلى مايبدو، كلما ظهرت دلائل مبكرة على أن الاشتراطات سيتم الإيفاء بها، فإن السيد حسن نصر الله سوف يقوم بإضافة المزيد من الشروط الجديدة،وبرغم كل ذلك، مازال سعد الحريري والعماد عون يراهنان على أن حزب الله في نهاية الأمر سوف يصبح تنظيماً أكثر لبنانية بدلاً من كونه مجرد جماعة ترتبط بسوريا وإيران. ولكن إذا تتبعنا مسار سجل حزب الله، فإن ثقة سعد الحريري والعماد عون في حزب الله سوف تصبح في غير محلها.
عدالة الولايات المتحدة !!
بعد الانسحاب السوري الذي تم في أبريل 2005م، أصبح لبنان (خزانة عرض) لأنواع متعددة من أجندة "الحرية" الأمريكية الصنع في المنطقة، كذلك أظهرت الولايات المتحدة رغبة في تقديم الدعم المالي. وفي السنة المالية 2006 أبدت الولايات المتحدة استعدادها لتقديم مبلغ 35 مليون دولار لبيروت عن طريق الأموال المخصصة للدعم الاقتصادي. و700 ألف دولار من أجل التعليم والتدريب العسكري الدولي، هذا، ولأول مرة منذ عام 1972م، تقديم مساعدات عسكرية خاصة تبلغ قيمتها مليون دولار. وإضافة لذلك، قررت وزارة الخارجية الأمريكية تقديم التمويل لتطوير الديمقراطية والتنمية الاجتماعية في لبنان عن طريق برنامج شراكة الشرق الأوسط. كذلك، هناك مؤشرات إلى أن بعض هذه المبالغ، وبالذات المتعلقة بالمجالات العسكرية، من الممكن أن تخضع لزيادة كبيرة، وفي هذا الصدد،قامت القيادة الوسطى الأمريكية مؤخراً بإنجاز التقديرات اللازمة لدعم قدرات القوات المسلحة اللبنانية وتطويرها.
استنتاج:
إن تفضيل اللبنانيين لربط عملية تجريد سلاح حزب الله مع قرار حول مزارع شبعا، يجعل من عملية تنفيذ القرار 1559 عملية مطولة للغاية – إن لم تكن لانهائية – ومن ثم إذا تم ترك موضوع القرار ليتدهور، فإن مسألة أسلحة حزب الله يمكن أن تصبح أكثر "إزعاجاً" بالمقابل للعلاقات الأمريكية – اللبنانية" الوليدة". وبالفعل، سوف يصبح من الصعب جداً على الولايات المتحدة أن تقدم إلى لبنان في مرحلة (مابعد إسرائيل) المساعدات، بينما تضم أراضيه ميليشيا حزب الله المسلحة، والمدرجة ضمن قوائم الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية .
داخل الحكومة الأمريكية، يوجد ثمة شعور يتسم بالبغضاء والضغينة إزاء الظهور والوجود المسلح لحزب الله في لبنان، وبالذات في فترة الوجود السوري. ويرى الأمريكيون والإسرائيليون، بعد خروج القوات السورية من لبنان، بأن "الساعة قد دقت"، وقد "حان الوقت... ". وحالياً برزت المزيد من التلميحات والإيماءات بأن الكابيتول هيل (مجلس النواب الأمريكي) سوف يصدر قانوناً يوقف تقديم المساعدات إلى لبنان.. تحت مبررات أن لبنان لم يقم بإحراز التقدم المطلوب في تنفيذ القرار رقم 1559... ومن المؤكد أن الحكومة الأمريكية سوف تواصل ضغوطها على لبنان.. بحيث تقوم في نهاية الأمر بعملية إدراجه ضمن (قائمة الدول الراعية للإرهاب)...
الجمل: قسم الترجمة
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
الكاتب: ديفدشينكر
إضافة تعليق جديد